سعيد غريّب
وقف العالم مشدوها ازاء خطاب القسم للرئيس الجديد للجمهورية اللبنانية، العماد جوزيف عون، والذي يلخّص المسار الذي ستسلكه الدولة اللبنانية المريضة، لاستعادة الدولة اللبنانية المتعافية. انّ المادّة 50 من الدستور اللبناني هي خلاصة الحضارة الديموقراطية وخلاصة العلاقة الانسانية بين رئيس الجمهورية ومواطن عادي، وتختصر مشكلة الحكم في لبنان بعبارتين: الاولى “عندما يقبض رئيس الجمهورية على أزمة الحكم عليه أن يحلف أمام المجلس النيابي يمين الاخلاص للأمّة والدستور”، والثانية “أحلف بالله العظيم أنّني أحترم دستور الأمّة االلبنانية وقوانينها وأحفظ سلامة استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه.” قلنا في مقال سابق أنّ على الرئيس أن يكون رئيسا للبنانيين لا الموظّفين، وأن يقرّر منذ الآن من سيكون المهم ّفي عهده وما هو المهمّ في برنامجه. الحقيقة أنّ ما تضمّنه خطاب القسم الجديد يمكن تلخيصه على الشكل الآتي: انّ الحاجة الآن الى حكم يكون أوّلا وقبل أيّ شيء فوق الخصومة اللبنانية والخصومة العربية والخصومة الدولية، الى حكم سوف يسعى جهده، طيلة سنوات ست، ليكون المراقب الكبير للخصومات الثلاث. انّ الحاجة الآن الى حكم لا يحتاج ثقة أحد أو تأييد أحد بقدر ما نحتاج، كبارا وصغارا، الى ثقته وتأييده ومشورته وحكمته. انّ الحاجة الآن الى رئيس حكومة رؤيوي ومبتكر، والى حكومة تطرح مقاربات فعّالة لمعالجة المشكلات القائمة في مختلف القطاعات، لتستقيم الحياة السياسية وينطلق الحكم،بانسجام وتعاون وحسن أداء . قد يقال عن حقّ انّ المهمّات،حتى لو وجدت من هو قادر أو مصمّم على تنفيذها، تبقى غير قابلة للترجمة على أرض فيها كل تناقضات العالم كلبنان، الّا أنّ الصحيح ايضا أنّ لبنان سبق أن عاش تجربة مشرقة حين استطاع الرئيس فؤاد شهاب، بزهده ،أن يلبّي الطموحات أو جزءا منها، في وقت قصير، بفضلحكمته والظروف الدوليّة التي كانت مؤاتية. فهل الظروف الدولية مؤاتية؟ نعم، فالعالم منشغل بترتيب العلاقات والخصومات والتوجهات في أمكنة أخرى، وما على اللبنانيين الّا الانشغال بأنفسهم وتنظيم عيشهم الواحد، والاستفادة من هذه الفرصة التي قد لا تتكرّر خصوصا أنّ الاضطراب الدولي يتمدد ويأخذ منحى خطيرا. ليس اللبنانيون وحدهم ينظرون باعتزاز الى العهد الجديد، بل انّ العالم كلّه يدرك وهو ينظر باعجاب الى سرّ قوّة لبنان وقدرته على البقاء. وتبقى اشارة بديهية الى أنّ الدولة هي ملح الأرض، الدولة في هيبتها، بنقاء من سيحكمونها قويّة وعادلة، الدولة التي تستأصل الفساد من جذوره، بورشة اصلاح تكون محاولة جدية لفرض مقاييس جديدة وحازمة على العلاقات بين الدولة والمواطن، عبر ادارة حديثة تواكب التطوّر العالمي في المفاهيم والتقنيات الرقمية ومحاولة القضاء على ايّ لون من ألوان التساهل في تطبيق القانون والأنظمة، وفي ابعاد المتزلّفين والمقرّبين والمرتكبين والمتلوّنين والمتنقّلين.