سهرة تمام.. في الحمّام؟!


(من وحي سهرات رأس السنة)
أذهلنا أحد الزملاء في المؤسسة الإعلامية التي كنا نعمل فيها بجوده وكرمه، حتى أننا لشدّة عطاءاته التي فاقت الحدود وتخطت السدود.. وبسبب بذخه وتبذيره بلا قيود.. صرنا نطلق عليه لقب “حاتم الطائي”.
زميلنا هذا، منذ نشأته، هام بالليرة قبل أن يحل مكانها الدولار الذي بات مفقوداً من جيوبنا حتى إشعار آخر..
كان لا يدخن إلّا من علبة سجائر زميل له.. يأتي إلى العمل سيراً على الأقدام كونه لم يتعلم القيادة.. لم يقتنِ سيارة في حياته عملاً بمبدأ: إمشِ كثيراً تعِش طويلاً.. ولا يركب السرفيس لأنه مكلف، إلا اذا هطلت الأمطار فيضطر للبقاء في المؤسسة حتى تتوقف، فيخرج بخفيّ حنين حتى لو تجاوزت الساعة “التنتين”!
لم نشاهده مرة واحدة يأكل سندويشاً، أو يتناول قطعة فاكهة، أو يحمل في جيبه حبّة علكة؟!
لم يتزوج طبعاً.. بقي عازباً مرتاحاً من مصاريف الزوجة والأولاد، فالعائلة مُكلفة، والمصاريف العائلية مُتعبة، ولا يمكن أن يتحمّلها طوال العمر مهما كلف الأمر..
لم يجلس في مقهى ولو مرة واحدة، ولم يتناول غداء أو عشاء، أو يشاهد فيلماً سينمائياً أو مسرحية، إلا إذا وجِّهت إليه دعوة.. ولم يشتر ثياباً إلا إذا وصلته من شقيقه المهاجر “دفعة”..
كان شعاره في الحياة: الحيطة من المصاريف واجب على كل “الحاتميين”، والبخل مبدأ تلتزمه يد الشمال واليمين، وعدم الدفع مسار عليه أن يسلكه إلى أبد الآبدين..
إلا أن صاحبنا اعتاد في ليلة رأس السنة (فقط لا غير..) أن يغيّر عاداته، ويسهر في أحد المطاعم التي تقدم لقاصدها أكثر مما تأخذ منه؟! طالما أن زجاجات الخمر “مضروبة” بشكل عام، والمأكولات محضّرة منذ أيام.. فاستلف من “نفسه” مبلغاً من المال، على أساس أن يعيده إلى مغارة “علي بابا” خوفاً من الاربعين بخيلاً” الذين ينافسونه. إتصل بأحد أصدقائه (لا صديق له سواه) وطلب منه أن “يؤمّن له” سيدة “فاضلة” ترضى بأن تسهر معه، على أن لا يدفع لها إلاّ 100 دولار.. لن يأسف عليها إذا ولّت وراحت.. شرط أن تكون خاتمة السهرة معها “فرفشة وانشراح”..
في مطعم الدرجة الرابعة، جلس صاحبنا مع السيدة في ركن ركين، بعيداً عن عيون الحاسدين، على اعتبار أنه يقوم بعمل مشين.. (العمل المشين هو طبعاً دفع الفاتورة وليس السهر مع الفرفورة..). بعد فترة، إعتذر زميلنا منها وتوجه إلى الحمام، ليقضي حاجته.. وما إن فعل وحاول فتح “الساقوطة” ليخرج، حتى فوجىء بأنها تعطلت ولم تعد تعمل لكثرة الاستهلاك.. فراح يخبطها حيناً ويلبطها حيناً آخر علّها تفتح، فلم يفلح.. وهنا بدأ بالصراخ والعويل، لكن لم يسمعه أحد لأن الموسيقى الصاخبة كانت تصمّ الآذان.. والسكر والعربدة والفلتان تسود المكان..
بعد مرور نحو ساعة، إقتنعت “الفرفورة” بأن مَن دعاها هرب من دفع المئة الدولار لها ومن تسديد الفاتورة.. فحملت حقيبتها وخرجت “مقهورة” من هذه السهرة الملغومة، تلعن ليلتها المشؤومة، وتقسم بأنها إذا رأت صاحبنا الخالي من الذوق والإحساس، فإنها ستبهدله أمام كل الناس..
في الصباح، فتح أحد عمال النظافة الباب، فوجد زميلنا المسكين غارقاً في الأحلام.. أيقظه بهدوء، فهبّ من مكانه مذعوراً، ولكي يخفف عنه وهلته، سأله مبتسماً: كيف كانت سهرتك بالحمام؟ ردّ والخيبة تعلو وجهه: تمام!!

جمبل نعمة

صحافي