الإرث المعروفي في كل بلاد الشام لا تعيقه حدود جغرافية ولا فواصل إقليمية ودولية
أقام مشايخ وأهالي مدينة عاليه وقلعة جندل في سوريا موقف تعزية وتأبين للشيخ الجليل المرحوم أبو حسن سليمان الخطيب من بلدة قلعة جندل، وذلك في المقرّ العام في عاليه، بمشاركة سماحة شيخ العقل الشيخ الدكتور سامي ابي المنى الذي نعى الشيخ الخطيب، وقد شارك على رأس وفد من المشايخ واعضاء من المجلس المذهبي ومستشاري مشيخة العقل، وبحضور سماحة الشيخ نعيم حسن، والمشايخ الاجلاء: ابو زين الدين حسن غنام، ابو فايز امين مكارم، ابو يوسف امين العريضي، وابو محمود سعيد فرج وعدد من الأعيان وحشد من المشايخ من مدينة عاليه ومناطق الجبل. كما شارك الوزير عصام شرف الدين، وائل شهيب ممثلا نائب المدينة أكرم شهيب، ووفدا من الحزب الديموقراطي اللبناني برئاسة لواء جابر ورئيس بلدية عاليه وجدي مراد وفاعليات وشخصيات.
شيخ العقل
وخلال التأبين القى سماحة شيخ العقل كلمة، قائلا:
بسم الله الرحمن الرحيم
“يا أيَّتها النفسُ المُطمئنَّةُ ارجِعي إلى ربِّكِ راضيةً مَرضيَّة فادخلي في عبادي وادخلي جنَّتي” (صدق الله العظيم)
سبحانك اللهمّ وبحمدِك، أشهدُ أنّ لا إلٰهَ إلّا أنت، ولا معبودٌ سواك، نستغفرُك ونتوبُ إليك. لمشيئتك نخضعُ ولإرادتِك نستكين، تُحيي وتُميت وأنت الحيُّ الذي لا يموت… وما الدنيا التي خلقتَ عبادَك فيها سوى سبيلِ مرورٍ وفناء، لا دارَ خلودٍ وبقاء. وفي إرثنا الشعبي المأثور يردِّد كبارُنا القول: “الدنيا مزرعةُ الآخرة”، أي بقدر ما تزرع فإنّك تحصد، إن تزرعْ خيراً في دنياك تلقَ خيراً في أُخراك، وإن تزرعْ شرّاً تلقَ شرَّاً.
وشيخُنا العابدُ المجاهدُ الفاضلُ الصابرُ المرحوم الشيخ أبوحسن سليمان الخطيب، زرع الخير منذ بداية الطريق؛ جهاداً أكبرَ وتقوى وصبراً، وأدباً جمَّاً وحبَّاً صافياً وحنوَّاً وعطفاً، وحسنَ اعتقادٍ وولاءً صادقاً لا يضعُفُ وإن ضعُف الجسد، ولا يتبدَّلُ وإن تبدَّلت الأحوال والعهود، فحصد الخيرَ في قيامته الصغرى شهادةً ورحمة، وفي الكبرى رضاً وقَبولاً ومنزلةً عند ربِّه”.
اضاف: “فيا زارعَ الخير افرح بحصادِك الوفير، ويا صافيَ الودِّ ارحلْ مطمئناً إلى حبِّ إخوانك ووفائهم، محاطاً بلهفتِهم وأدمعهِم وشهاداتِهم الصرفِ الزُّلال، وبرحمة ربِّك ذي العزِّ والجلال:
مَن يَزرعِ الخيرَ يَلقَ الخيرَ مُكتَمِلاً
وقد زرعتَ، ومنكَ البيتُ ملآنُ
إنْ تَدمَعِ العينُ، فالأعيانُ غيبتُهم
تُحرِّكُ الوَجدَ، إنْ عَن عينِها بانوا
عليكَ رحمتُه كالغَيثِ نازلةٌ
يُحاسِبُ اللهُ مَن بانوا كما كانوا
نعم يا شيخَنا الحبيب، بكت عليك العيون، كما بكَيتَ على فراشِك وأنت تستقبلُ عائديك العائدين من لبنانَ بعد طول انقطاع، لتؤكِّد معنا أن هذا الرابطَ الروحيَّ الذي يصلُ الموحدين بعضَهم ببعض هو حبلٌ من أُخوَّةٍ ومحبة لا ينقطع، خيوطُه عقيدةٌ دينيةٌ واحدة وخصالٌ توحيديةٌ جامعة وسلفٌ صالحٌ موحِّد، وتاريخٌ جهاديٌّ موحَّد، وإرثٌ معروفيٌّ مشترَك،هو ذاتُه في كل بلاد الشام، لا تُعيقُه حدودٌ جغرافيةٌ طبيعية،ولا فواصلُ إقليمية ودولية، بل تتعزَّزُ الروابطُ الروحيةُ والقلبية كلَّما اشتدَّتِ المحنُ وتأزّمت الأحوال، ولكنَّنا نراعي واقعَ الحال وما يوجب الزمانُ مراعاتَه من التزامٍ واحترام للقوانين والأنظمة والمعاهدات، ولا نجعل من رابطِنا الروحي منفذاً للتخلِّي عن انتمائنا وتراثِنا وتاريخِنا، بل نحمي أنفسَنا بإيماننا وثباتِنا، وبدولتنا القويّة العادلة التي نتحمَّلُ المسؤولية في المشاركة ببنائها ونهضتها لتكون هي، لا غيرُها، الملجأَ والملاذَ وموضعَ الثقة والاطمئنان”.
وتابع: “ها هم مشايخُ عاليه الأفاضل، كعادتِهم، يؤكِّدون على هذه الصلة الروحية والاجتماعية فيبادرون مأجورين لإقامة موقفِ التعزية بشيخِنا الطاهر الجليل، كما تُقامُ المواقفُ المماثلةُ لكبار مَن يرحلون عَنّا، كالمرحوم الشيخ أبي يوسف سلمان منذر الذي فقدنا بركةَ حضورِه المؤنس منذ أيام، وشهِدنا مشاركةَ مشايخِنا الأفاضل من سوريا في يوم وَداعه، وشاهدنا الموقفَ المقام له وللمرحوم الشيخ الخطيب في الجولان، وهو ما يحصلُ في ديار الموحدين هنا وهناك، ليعرفَ الجميعُ أنَّ مدرسةَ فضلائنا وأتقيائنا وكبارِنا هي هي في كلِّ موضِعٍ ومكان، وأنّ ما يجمعُنا في الفرح والحزن ومكارم الأخلاق وحفظ الكرامة والوجود والإخلاص للأوطان أكبرُ بكثيرٍ ممّا يفرِّق من سياساتٍ وإغراءاتٍ وأمورٍ دنيوية”.
وختم سماحته: “مشايخَنا وأهلَنا الكرام من قلعة جندل، مشايخَنا وأهلَنا في عاليه، رحمَ اللهُ شيخَنا الجليل، ولتبقَ رسالةُ الخير والمعروف مصانةً في مجالسِكم وخلَواتِكم وبيوتِكم، “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”، تلك الأمّةُ هي أمّتُكم؛ أمّةُ الإسلامِالحقِّ والإيمانِ والإحسان، أمّةُ التوحيد، عظّم اللهُ أجورَكم ورحم الله الشيخ أبا حسن وأبقاكم وعائلتَه سالمين”.
الجردي
كما القى الشيخ د. وجدي الجردي كلمة اختتمها بأبيات شعرية، وقال: “توارى بالأمس عنا شيخ جليل القدر حافظ لإخوانه في السر والجهر كان له مع مشايخنا الأفاضل صداقة اتسمت بالإخلاص فآثروا أن يتقبلوا التعازي به في عاليه تقديرا لفضله وإكراماً لنفسه التي سلكت في طاعة مولاها وسهرت الليالي ساجدة في محراب من تولاها خاشعة مناجية فأثمرت لها طاعتها محبة الاخوان وصدق اللسان والرضى والتسليم لله الرحيم الرحمن، فهنيئا لشيخنا الطاهر أبي حسن سليمان الخطيب هذه الكرامة، وقد غادرنا تاركا لنا مسلكه زادا به نقتدي ومن نهجه نجتدي فله من مولاه الرحمةُ وحسنُ المآب ونعيم الجنان وأفضلُ الثواب”.
الخطيب
والقى باسم بلدة قلعة جندل الشيخ فارس الخطيب كلمة شكر، قائلا: “إن فقيدنا الشيخ التقي الديان أبا حسن سليمان الخطيب فقيد أهل الدين، فقد عرفناه شيخا راضيا قنوعا محبا لله وأهله، صابرا على قضاء الله وحكمه، واقفا على هضبة الصواب ماضيا في طريق الحق غير مكترث لمغريات الدنيا الدنية الفانية عفيف الروح دوما بغنى النفس الصادقة النقية حتى تلاقي ربها وهي راضية مرضية”.
برقية
وكان سماحة الشيخ ابي المنى ارسل برقية تعزية بالشيخ الجليل الراحل، جاء فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّا لله وإنّا إليه راجعون
حضرة المشايخ الأجلاء،
إخواننا الأفاضل في قلعة جندل وعموم سوريا،
عائلة المرحوم الشيخ الجليل الطاهر أبو حسن سليمان الخطيب
نتقدّم منكم بخالص التعازي والمؤاساة لفقد الشيخ الجليل الفاضل الهمام والورع الصابر الديَّان المرحوم الشيخ أبو حسن سليمان الخطيب، سليل أهل التوحيد الأتقياء الأعيان، وفقيد أهل الفضل والإحسان، طيّبَ الله ثراه وغمره بواسع رحمته وعظيم رضاه، راجين لعائلته الكريمة ولإخوانه الأفاضل ولجميع عارفيه ومحبّيه طيبَ البقاء والسلامة، وداعين أنفسنا وإيَّاهم إلى الاقتداء بطهر مسلكه وطِيب مآثره، وأن نكون دائماً وإياكم من المؤمنين الصابرين أمثاله الذين بشّرهم الله سبحانه وتعالى بقوله عزّ وجلّ: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” صدق الله العظيم
لقاءات
وكان سماحة شيخ العقل استقبل في دار الطائفة في بيروت اليوم ممثل حركة حماس في لبنان د. احمد عبد الهادي مع وفد من الحركة، وجرى البحث بالتطورات والمستجدات في لبنان والمنطقة.
كما استقبل سماحته قنصل لبنان في المملكة العربية السعودية سلام الأشقر، وتناول اللقاء اوضاع الجالية اللبنانية في المملكة.
وفي شانيه كان سماحته استقبل وفدا من موظفي بلدية الجديدة-بقعاتا وعناصر الامن يتقدمه رئيس البلدية هشام الفطايري.