لا يزال المشهد في المنطقة غارقا في ضبابية مكثفة تحجب الرؤية الواضحة والشاملة عن كل متابع مدقق،وذلك لتشابك الخيوط والخطوط في سوريا على الرغم من تطمينات أحمد الشرع (الجولاني)وانغماس القوى الداعمة للتحول الكبير في هذا البلد وفي مقدمها تركيا ودولة قطر من أجل توفير أرضية سياسية – أمنية ملائمة لكي يشق النظام الجديد في دمشق طريقه من دون عراقيل ومعوقات تحول دون إنطلاقه على النحو الذي وعد به السوريين،ويكون قادرا على الايفاء بالالتزامات التي تعهد بها أمام العالمين العربي والغربي. ويعرب قطب سياسي لبناني عن تخوفه مما يحصل في المنطقة التي يرى انها دخلت الفلك الاسرائيلي بكل ما للكلمة من معنى، بدليل ما حصل في غزة ولبنان وأخيرا في منطقة الجنوب السوري حيث توغلت قوات الدولة العبرية إلى مسافة ستة عشرة كيلومترا مستغلة التطورات المتسارعة التي بدلت وجه دمشق وادخلتها مرحلة جديدة منهية حقبة من 6 عقود كانت حبلى بالأحداث والتطورات،حيث تموضعت دوليا واقليميا في فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي،كما أعادت صوغ دورها في التحالف الدولي الذي أرغم صدام حسين على الانسحاب من الكويت بعد غزوه لها. ويضيف هذا القطب أنه من المبكر الحكم على مآل الوضع في سوريا وأن المشهد سيتبلور خلال عام يتوقع أن تشهد خلاله تطورات تحمل في طياتها أجوبة على كثير من الاسئلة الملحة. ويضيف أن العلاقة بين لبنان وسوريا تشبه الأوعية المتصلة، فكل تطور إيجابي او سلبي في أحد البلدين ينعكس على آلاخر ، وأن إنكار هذا الأمر في غير محله،ولا بد من علاقات مميزة ومتمايزة على قاعدة الاحترام المتبادل للمصالح وحل دائم للمسائل الإشكالية التي لم تبت حتى اليوم على الرغم من الاتفاقات والمعاهدات المعقودة بين بيروت ودمشق منذ العام 1946 حتى اليوم والتي باتت في أمس الحاجة إلى مراجعة شاملة واستبقاء ما يصلح منها، أو تعديل ما يحتمل التعديل وإلغاء ما يجب الغاؤه. ويرى القطب المذكور أن الحفاظ على وحدة سوريا هو موضوع رئيس يجب أن ينصب عليه جهد الدول الراغبة في إنجاح الحكم الجديد الذي يفترض أن يزرع الثقة في المكونات السورية لكي تثمر قبولا وتعاونا،واقبالا،وأن الف باء النجاح هو طمأنة الاقليات. ومن الواضح أن خطاب الشرع ( الجولاني) حيال الاقليات كان تصالحيا،استيعابيا، وأن استئمانها خلق جوا من الارتياح، لكن بعض الاحداث المتفرقة في كل من دمشق وحمص والساحل ولدت ” نقزة”،ولو أن طرائق التعبير الاحتجاجية عنها، كانت عفوية وغير مخطط لها، مما يعني عدم وجود نيات سيئة ضد الحكم الجديد. ومن هنا،فإن للبنان مصلحة في أن تكون سوريا مستقرة وأن يساعد على ذلك من خلال تعاون رسمي على المستويين السياسي والامني ،ومحاولة ضبط العلاقة الرسمية ضمن هذا الإطار تجنبا لتكرار التجارب السابقة المخيبة. لكن الأسئلة التي لا جواب عليها حتى الساعة تتلخص بآلاتي: 1- كيف سيتعامل الحكم الجديد في دمشق مع ضم الجولان،واجتياح عدد من المدن والبلدات السورية في الجنوب، واحتلال الجيش الاسرائيلي الجانب السوري من جبل الشيخ، وكيف سيطلب استردادها إلى كنف السيادة السورية:هل بقرارات من مجلس الأمن، هل بمفاوضات بواسطة طرف ثالث، أو بمفاوضات مباشرة، وما هو الثمن ؟ 2- كيف ستدفع الدولة السورية الجديدة رواتب مليونين ومائتي خمسين موظف في القطاع العام، لأن المجموعة الحاكمة اليوم تمكنت من القيام باعباء المناطق التي استولت عليها من النظام السابق في مناطق متفرقة من البلاد وكانت مدعومة من قوى دولية وعربية،اما اليوم فكل سوريا في عهدتها، ويرتب عليها ذلك تحديات كبيرة. 3- كان الجيش السوري قبل سقوط النظام يستهلك 60 في المائة من موازنة الدولة، لكن هل سيكون الجيش السوري في المرحلة الجديدة على شاكلة سابقه من حيث العدد ،والتجهيز، والانفاق، واي دور سيؤديه في ضؤ العقيدة الجديد التي عليه اعتناقها بعد رحيل نظام البعث؟ 3- هناك ملف إعادة الاعمار والبناء،وما هو المطلوب على هذا الصعيد: بناء وتأهيل البنى التحتية ومنها قطاع إنتاج الكهرباء ،وتأهيل حقول النفط والغاز وترميمها، والمدارس المهدمة كليا والتي يبلغ عددها الخمسة آلاف مدرسة،واعادة بناء المرافيء وتفعيلها، تحديث الصناعات الثقيلة العائدة ملكيتها للدولة، أو بناء البيوت المهدمة مع الإشارة أن بناء الوحدات السكنية ليست بكلفة إعادة الحياة إلى البنى الأساسية التي ترهلت ولم تعد قادرة على القيام بدورها؟ إن ثمة واقعا مشتركا بين لبنان وسوريا يرقى إلى مرتبة الهاجس، وهو كيفية إعادة البناء. وإن إسرائيل هي التي دمرت في لبنان وقضت على بنى وامكانات والحقت به الخسائر الفادحة، ووضعه الغرب بإستثناء بعض دوله( التي تعاطفت معه بخجل) تحت قبضة الحصار الدولي الخانق، ولامبالاة عربية واضحة، عدا سوسة الفساد التي نخرته. في حين أن سوريا اسقطتها حرب ضروس فتحت الباب واسعا أمام تدخلات دولية واقليمية وعربية،ودام الأمر بين مد وجزر من 2011الى 2024،حيث انتهى المطاف بسقوط نظام الاسد، وجاءت إسرائيل لتجهز على ما تبقى من خلال إعتداءاتها المتكررة على سوريا وتدميرها قدرات الجيش فيها تدميرا شاملا، فلم يعظ من وجود لسلاح الجو، البحرية،المدفعية، الدبابات،المدرعات، الحرب الالكترونية،ومراكز الأبحاث العسكرية. هناك حطام جيش ليس قائما، ولا يمكن أن يعود كما كان بالعقيدة نفسها، والعدد عينه، والعديد والعتاد السابق. إن التحديات التي تواجه لبنان -في ما يتعلق بالقوى المسلحة- تكاد تكون مشابهة لتلك التي تواجه سوريا في الغد القريب. ولجبه هذه التحديات لا يمكن لأي من البلدين أن ينهض من دون إرادة دولية – عربية ،هي وحدها التي تستطيع أن تساعد على العبور إلى مرحلة جديدة.هل أن هذه الارادة متوافرة؟
جوزف القصيفي