” الكعكة السورية” واستحقاقات المستقبل في ميزان المصالح الدولية والإقليمية؟!

جوزف القصيفي
سوريا بعد الزلزال الذي أطاح بشار الاسد، بصرف النظر عن أسبابه والعوامل التي أدت إليه تتصدر المشهد الدولي والاقليمي. ستستمر هذه الصدارة طويلا لأن هذا البلد يمر بمخاض صعب في ظل ” ليال حبالى مثقلات” يتمنى كل ساع للاستقرار في المنطقة ألا” يلدن كل عجيب”. وقبل أن تفتح شهيات القوى الدولية،الاقليمية والعربية على ” الكعكة” السورية ينبغي أن تكون ” العجينة” التي ستصنع منها هذه “الكعكة” على قدر من الجودة وغير فاسدة،وإلا ستصبح سوريا ملعبا مفتوحا لصراعات هذه القوى إلى درجة يصعب معها ضبط اللاعبين الذين قد لا يلتزمون قواعد اللعبة. من هنا يتكثف العمل الأممي،والاتصالات الدولية والحراك العربي.فيما تتصرف انقره من موقع الممسك بالاوراق والقادر على ضبط الايقاع،وكمرجعية،بل كممر الزامي لمن يريد أن يكون له حصة من ” الكعكة”. وقد بدأنا نشهد في لبنان ” حجا”: متنوعا إلى انقره من شخصيات سياسية،وعلماء دين لاستطلاع آفاق المرحلة. وكان للرئيس نجيب ميقاتي زيارة لافتة ساعدته على تكوين صورة أوضح لما حصل في البلد الجار، وكيف يمكن التعاون مع الواقع الجديد الذي فرض نفسه على كل ما عداه من ملفات ملتهبة في المنطقة بدءا بغزه وصولا الى لبنان.
كبيرة الدبلوماسيين الاميركيين باربرا ليف في دمشق على رأس وفد لمقابة أحمد الشرع (الجولاني) لبدء محادثات حول مستقبل العلاقة الاميركية – السورية في مرحلة ما بعد الاسد بعد سنوات من التوتر والقطيعة تخللتها انفراجات لم ترق إلى الاستقرار وهي تطمح إلى بناء علاقة راسخة مع الحكم الجديد في دمشق بعدما أنزلت ” موسكو” و” طهران” عن ” رف” الامتيازات اللتين كانتا تتصدرانه. غير بيدرسون المبعوث الخاص للامم المتحدة لدى سوريا أمل في تصريحات له في سوريا جديدة ،ديمقراطية تنبثق الحكم فيها من انتخابات حرة وشفافة، وهو يرى في الاستقرار السائد بنسبة مرضية في هذا البلد مؤشرا يبنى عليه في تحديد مستقبله. وفي موازاة ذلك يعرب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن رغبته بلاده في العودة إلى دمشق مستعجلا فتح أبواب سفارته فيها التي سبق أن اغلقها غداة الحرب في العام 2011.والمعروف أن سوريا كانت من حصة فرنسا التي انتدبت عليها مع لبنان، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية وانكشاف اتفاقية ” سايكس – بيكو” التي نصت على تقاسم النفوذ في المناطق التي جلت عنها جيوش الإمبراطورية. علما أن سلطات الانتداب الفرنسي خاضت حروبا دامية ضد مجموعات سوريا مؤيدة للحكم الفيصلي في ” ميسلون” وفي ” جبل الدروز” بقيادة سلطان باشا الأطرش.وبعد نيل سوريا استقلالها تأرجحت العلاقة بين الدولتين في مد وجزر، ومرت بمرحلة وردية،ولو لفترة وجيزة في عهد الرئيسين الراحلين جاك شيراك وحافظ الاسد، قبل أن تعود إلى ذروة التأزم بين الأول وبشار الاسد، وظلت السلبية المطلقة عنوان الحقبة التي سادت مع كل من الرئيس السابق والرئيس الحالي لفرنسا نيكولا ساركوزي وايمانويل ماكرون. وعلى غرار بيدرسون وماكرون، فإن اكثر من دولة غربية وعربية شرعت تبدي إهتماما بما يحصل في سوريا،لأسباب سياسية واقتصادية،وتجارية،لكن لا تجد طريقا سالكة أمامها اذا لم تطرق أبواب تركيا التي بيدها أمر إجازة دخولها، ودفتر الشروط الذي يتعين الالتزام به. لكن ثمة أسئلة تطرح في سياق تقويم الوضع في سوريا،والمستقبل الذي ينتظرها. ففي بعض الاوساط الباريسية المراقبة شكوك حول قدرة القيمين على الوضع في هذا البلد على صوغ دستور جديد يؤكد الهوية المدنية للحكم،ويضمن تعددية المجتمع السوري وتنوعه،ويكون قادرا على طمأنة الاقليات. وذلك على الرغم من الاتصالات المكثفة التي قام بها مندوبون عن أحمد الشرع ( الجولاني) مع رؤساء الطوائف المسيحية، ومشايخ الطائفة العلوية، والقائمين على الطائفة الدرزية، وممثلين عن الطائفة الشيعية،وتعهدهم باحترام خصوصيات هذه الطوائف، وعدم التضييق عليها، وعدم إقصائها عن الحياة العامة والسياسية في سوريا الغد.وجاءت العظة الأخيرة لبطريرك الروم الارثوذكس يوحنا العاشر اليازجي يوم الأحد 15 كانون الأول 2024، في كنيسة الصليب قمة في العمق والبلاغة،ورسالة للآتين الجدد إلى السلطة في دمشق لأن يفقهوا حقائق التاريخ والجغرافيا، بأن جميع مكونات الطيف السوري الديني والطائفي، والاثني هي من في صلب المجتمع السوري، ولا يمكن أن تهمش وأن يحد من دورها وحضورها في جميع الميادين. وتشير التقارير التي تلقتها دوائر غربية أن الارتياح الذي ولده التغيير السلس الذي حصل في سوريا، لا يعني أن المخاوف قد تبددت، أو أنها في طريقها إلى التبدد في المستقبل المنظور،وذلك في ضؤ ما يرد إلى باريس والفاتيكان من هواجس مشروعة من فاعليات روحية ومدنية مسيحية وغير مسيحية باعتبار أن الثورة ومن هم وراءها يهمهم في هذه المرحلة تقديم أوراق اعتماد تجاه المجتمع الدولي، ولا سيما الغربي،لا تشوبها شائبة. إضافة إلى أن المسألة لا تعني الشرع وحده الذي خلت تصريحاته من اي” فاول” في مجال طمأنة الاقليات،لأن هناك الكثير من التنظيمات والجبهات والهيئات ذات الطابع الجهادي الاسلامي، التي تنتظر أن يكون لها حصتها في الواقع الذي سينشأ، ولن يكون من السهل كيفية تعاطيها المستقبلي مع الحكم في دمشق ولا طريقة تعاطيها مع الاقليات. ويقول وزير لبناني سابق:” لا يكفي ان تقول للمرء ألا يخاف، عليك ألا تجعله يخاف، أو تدفع به مباشرة او غير مباشرة، عن قصد أو غير قصد إلى الخوف.” أما في موضوع المستقبل السوري برمته،فإن الأمر يتصل بآلاتي: 1-ما هو مستقبل الكرد في التركيبة الجديدة لسوريا ما بعد الاسد؟ 2-ما سيكون عليه موقف الحكم الجديد في سوريا من التطبيع مع اسرائيل، وكيف سيعالج مسألة ضم الجولان، وتوغل الجيش الاسرائيلي داخل سوريا لمسافة 14 كيلومترا،ووجوده في الجانب السوري لجبل الشيخ. واي درجة من الاولوية يحتل هذا الموضوع في إهتمامات القيادة السورية الجديدة؟ 3- بعد الطلب من التنظيمات الفلسطينية الموجودة في سوريا وقف تدريباتها، وتسليم سلاحها للسلطة الجديدة، هل تتجه عناصر هذه التنظيمات إلى مخيمات لبنان،وما قد يترتب على ذلك من تداعيات؟ 4- كيف سيؤثر الوجه الاسلامي للثورة السوريةعلى الوضع السني في لبنان لجهة بروز قوى وتموضع قوى ثانية وانكفاء أخرى؟ ،5- هل سيكون هناك التزام باحترام سيادة لبنان واستقلاله وقراره الحر فلا عود الى المرحلة السابقة، ولا إلى المراحل التي طبعت علاقات لبنان مع سوريا منذ العام 1943 إلى العام 1991 تاريخ الثاني والعشرين من أيار عندما وقع الجانبان اللبناني والسوري معاهدة الاخوة والتنسيق والتي أنشئت بموجبها الأمانة العامة للمجلس الأعلى اللبناني-السوري في السادس عشر من آب 1993. وهل سيكون هناك إطار بديل ينظم تفاصيل العلاقة بين البلدين،أو سيجري الاكتفاء بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتعزيزها على نحو يعزز ما يجب أن يكون من تقيد تام بقواعد السيادة والاستقلال. في اي حال لن يكون هناك وضوح في الرؤية لأن المنطقة مفتوحة على تطورات خطيرة تتجاوز حدود لبنان وسوريا إلى ساحات أخرى.