استمرار “الحجّ الدبلوماسي” الغربي إلى دمشق

سوريا… من “الهلال الشيعي” إلى “الحضن الأميركي”

لطالما كانت “سوريا الأسد” محسوبة على “المحور الشرقي” في مواجهة الغرب، طبعاً الأمر لم يخلُ من رقص “الأسدَين”، خصوصاً الأب الراحل حافظ الأسد، على “حبال” المصالح الدولية بما يصبّ في منفعة نظامهما القاتل، فقطف الأب ثمار مراحل مفصلية في المنطقة وحصد “جوائز أميركية”، إلا أن الإبن الذي استطاع “النفاذ بريشه” سابقاً مستعيناً بـ “عضلات” محور الممانعة بقيادة طهران و”الدب الروسي” في مواجهة “إعصار” الثورة السورية، لم يتمكّن من الوقوف صامداً كما اشتهى فوق “جبال الجماجم والهياكل العظمية” التي تكدّست بفعل جرائم “آل الأسد” ضدّ الإنسانية على مدى أكثر من نصف قرن، فانهار “الجبل الشاهق” أمام طبيب العيون الذي أعمته نرجسيّته عن الحقيقة ليهرب مهرولاً إلى “بلاد القياصرة”.

المشهد السوري اليوم، وإن كان لا يزال في بداياته، إلا أنه أبعد ما يكون عن “المحور الشرقي” و”الهلال الشيعي” الذي قطِعَ في “بلاد الشام”. وعلى الرغم من مكابرة الروسي والإيراني، لكن سقوط النظام السوري وجّه صفعة مدوّية من العيار الثقيل لهما. فموسكو معرّضة لفقدان موطئ قدم في شرق البحر المتوسّط، وتالياً خسارتها إمكانية الوصول إلى المياه الدافئة، ما يُضعف نفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا، فضلاً عن خسارتها جيشاً حليفاً كان يستخدم السلاح الروسي، وهو سيتجه الآن، برعاية تركية، نحو العتاد والتدريب الغربيين. أمّا طهران التي باتت “شبه عارية” أمام هجوم إسرائيلي محتمل بفِعل تساقط أذرعها أو “خروجهم من الخدمة”، فمُنيت بـ “هزيمة استراتيجية” في المنطقة عموماً وسوريا على وجه التحديد، قد تكلّف نظام الملالي رأسه.

هجوم “ردع العدوان” الذي توّجَ بإطاحة الأسد، أعاد خلط “الأوراق الجيوسياسية” في الإقليم، تماماً كهجوم “طوفان الأقصى” الذي انقلب “سحره الأسود” على ساحره، فقصم ظهر “الأخطبوط الإيراني” وانهارت “مراكز قواه” كأحجار الدومينو الواحدة تلو الأخرى. وبخروج سوريا من “الهلال الشيعي”، ستحتاج القيادة السورية، أيّا كانت في المستقبل، إلى “تموضع” جديد مختلف كلّياً عمّا سبقه. وحتى هذه اللحظة، تقف تركيا كفائزة بـ “الميدالية الذهبية” على صعيد النفوذ داخل “سوريا الجديدة”، ومن خلفها أميركا التي غدت عملياً “الراعي الدولي” لدمشق و”حضناً دافئاً” لها بإمكانه تذليل العقبات والعقوبات وتعبيد الطريق نحو بناء الدولة وإعادة الإعمار، ما لم تطرأ أي انتكاسة مفاجئة.

وسط هذه “الأجواء الانقلابية”، أرسلت واشنطن بعد غياب طويل بسبب قطعها علاقاتها الدبلوماسية مع “سوريا الأسد” وإغلاقها سفارتها في دمشق عام 2012، وفداً دبلوماسياً رفيعاً برئاسة مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف وبمشاركة المبعوث الرئاسي لشؤون الرهائن روجر كارستينز والمستشار المُعيّن حديثاً دانيال روبنستين الذي كُلّف بقيادة جهود الخارجية في سوريا، فـ “احتضنهم” بـ “رحابة صدره” “مجاهد تائب” أو “مجاهد محنك”، رصد “العم سام” عام 2017 مكافأة تصل قيمتها إلى 10 ملايين دولار أميركي مقابل الإدلاء بأي معلومات متعلّقة به، والذي أصبح اليوم القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني).

وكان معبّراً إعلان ليف للصحافيين لاحقاً أنها أبلغت الشرع الذي بدا في صورة “رجل عملي” بنظرها، إلغاء واشنطن للمكافأة المالية الآنفة الذكر خلال المحادثات “الجيّدة والمثمرة للغاية والمفصّلة”، موضحة أن المسؤولين ناقشوا الحاجة إلى ضمان عدم تمكّن الجماعات الإرهابية من تشكيل تهديد داخل سوريا أو خارجها، وهو ما أكد الشرع الالتزام به، بحسب ليف. وأبدت دعمها لعملية سياسية بقيادة سورية تؤدي إلى حكومة جامعة وتمثيلية تحترم حقوق الجميع، بما في بذلك المرأة والمجتمعات السورية المتنوعة عرقياً ودينياً. وإذ أكدت أن أميركا تنظر في أمر العقوبات، شدّدت على أنه يتعيّن على الحكومة السورية الجديدة أن تكون متجاوبة وتظهر التقدّم.

ورأت ليف أن إيران لن يكون لها أي دور على الإطلاق ولا ينبغي أن يكون لها أي دور في سوريا. وكشفت أن واشنطن ستقدّم الخبرة الفنية وغيرها من الدعم لسوريا للتعامل مع توثيق جرائم الأسد، وستكون المقابر الجماعية أولوية بالنسبة إلى أميركا، في حين أكد الدبلوماسيون الأميركيون أنهم سيعملون مع السلطات السورية الموَقتة للعثور على الصحافي الأميركي أوستن تايس وغيره.

وبخصوص المواجهات بين الفصائل المدعومة من أنقرة و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، رأت ليف أن وقف إطلاق النار حول كوباني و”انتقال محكم” بالنسبة إلى دور “قسد” في هذا الجزء من البلاد، أفضل طريقة للمضي قدماً، معتبرة أن الظروف التي دفعت الكرد إلى تنظيم أنفسهم والدفاع عن نفسهم تغيّرت بشكل كبير للغاية، فيما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد رأى في وقت سابق أنه لم يعُد هناك أي سبب يدعو القوى الأجنبية إلى دعم المقاتلين الكرد.

نداء الوطن