أمين القصيفي
ليس من السهولة بمكان أن يستوعب “الحزب” حجم الضربة “شبه القاتلة” التي تعرّض لها، نتيجة حساباته وقراءاته الخاطئة للتحولات الهائلة التي حدثت، ولا تزال تتدحرج، في المنطقة منذ عملية “7 أكتوبر”، ومنذ انخرط فيها مبادراً إلى ما سمّاه عملية إسناد غزة غداة اليوم التالي، ليحصد “الحزب” في النتيجة هزيمة نكراء أصابته مقتلاً في الصميم، لا يزال يتخبَّط تحت تردداتها ويخبط خبط عشواء.
بالتالي، يمكن في مكان ما تفهُّم حالة الإنكار والانفصام الكلي التي يعيشها أمين عام “الحزب” الشيخ نعيم قاسم، ومحاولته في إطلالته الأخيرة الالتفاف على اتفاقية وقف إطلاق النار، الاستسلامية الانهزامية، بالقول إنها تشمل جنوب الليطاني حصراً. لكن محاولات قاسم اليائسة، عاجزة عن اللحاق بتسارع الأحداث المتدحرجة في المنطقة، وربما سقوط نظام الأسد ليس نهاية المطاف وفق معظم المراقبين، بل ربما على قاسم ومن الأفضل له أن يعود إلى الواقع ويحاول لملمة توازنه المفقود، إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، ويُبقي عينه على إيران نفسها في قابل الأيام.
الكاتب والمحلل السياسي الياس الزغبي، يرى أنه “من الواضح أن الهزيمة الموصوفة التي حلَّت بـ”الحزب” نتيجة الحرب التي بادر إلى إعلانها وإطلاقها ضد إسرائيل إسناداً لغزة في 8 تشرين الأول العام 2023، خصوصاً في مراحلها الأخيرة التي استمرت لأكثر من 60 يوماً منذ 17 أيلول الماضي إلى أواخر تشرين الثاني الفائت تقريباً، أفقدته التوازن التقديري لحقيقة الوضع اللبناني الجديد. هذا ما ظهر مراراً وتكراراً في تصريحات بعض النواب التابعين لـ”الحزب”، خصوصاً في الخطاب الأخير للأمين العام لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم”.
الزغبي يلفت، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أنه “في الواقع، إن “الحزب” يقرأ بشكل مغلوط كلّياً الوقائع والنتائج والارتدادات لما حصل. فبدلاً من أن يتعاطى “الحزب” مع الخسارات الهائلة التي مُني بها بطريقة مقبولة وموضوعية، يحاول دائماً الهروب إلى الأمام وليس في حسابه سوى أمر واحد، إرضاء بيئته الناقمة ومدّها بمعنويات ولو كانت مفتعلة وغير واقعية”.
يضيف: “البرهان الأكيد على هذه القراءة المغلوطة، قول الشيخ نعيم قاسم إن اتفاق وقف إطلاق النار محصور في منطقة جنوب الليطاني، بينما هو نفسه وجميع من تبقى من قيادات “الحزب” وقَّعوا على الاتفاق، ولو بقلم الرئيس نبيه بري وبقلم وزرائه في الحكومة، على نصٍّ شديد الوضوح والحسم يتحدث عن نزع سلاحه على مساحة الأرض اللبنانية ويمنع إعادة تسليحه بأي طريقة أو بأي مسرب من المسارب التي كانت متاحة، خصوصاً أن المسرب الرئيسي لسلاحه عبر سوريا تمَّ إقفاله بشكل محكم مع التطور الانقلابي الكبير الذي حصل في 8 كانون الأول الراهن بسقوط نظام الأسد، الأمر الذي اعترف به قاسم نفسه بقوله إن “الحزب” خسر في هذه المرحلة طريق الإمداد العسكري عبر سوريا”.
الزغبي يشير، إلى أن “ما يدهش في كلام وخطاب قاسم، أنه في حالة انفصام فعلي بين الواقع والتمني، وكأن ما حصل في لبنان وسوريا كان مجرد تفصيل بسيط، بينما هو يؤسِّس لمرحلة مختلفة كلّياً عمّا سبق، خصوصاً إذا كانت التطورات تتدحرج تباعاً كأحجار الدومينو نحو العراق واليمن وحتى نحو إيران نفسها، بدليل الكلام الأخير لمسؤول سياسي إسرائيلي كبير عن أن الطيران الإسرائيلي يتحضَّر لعمل كبير في الأيام المقبلة، وهي إشارة بليغة إلى مهمة الطيران الإسرائيلي في إيران نفسها”.
الزغبي يعتبر، أن “هذا التهويل في قلب الحقائق وتشويهها سيؤدي بـ”الحزب” إلى تصادم متعدد الاتجاهات في الداخل اللبناني، مع بيئته أولاً التي بدأت تتململ بقوة من الوعود والعهود النظرية، ثم مع سائر المكوّنات اللبنانية التي تعاصر التطورات الكبيرة المهمة وتواكب مفاعيلها الإيجابية التي ستنعكس حتماً على الداخل اللبناني، خصوصاً على مستوى الاستحقاقات الوشيكة، بينما سيجد “الحزب” نفسه محاصراً في عزلة نسجها حول نفسه كبيت العنكبوت”.
موقع القوات اللبنانيّة