جوزف القصيفي
البلدان ذات التركيبة المعقدة طائفيا أو إثنيا، تختلف كليا عن البلدان ذات التركيبة المنسجمة، وغير القابلة لهزات عميقة تتناول مرتكزاتها الأساسية. ولبنان يمثل النموذج الامثل للبلدان ذات التركيبة المعقدة، وهو يتمتع بنقاط قوة،ويعاني من نقاط ضعف في آن. وقد شهد في تاريخه تقدما لنقاط القوة، كما لنقاط الضعف ، بما يعني انه لم يعرف إلا الاستقرار المرحلي الذي كان يهتز عند أول امتحان. ولم يكن لبنان في يوم من الايام بمنأى عن الصراعات الدولية والاقليمية التي كانت تمثل فصولا على أرضه، وتغتذي أحيانا كثيرة بدم ابنائه سواء في حروب فرضها الخارج، أو في حروب داخلية. وليس هناك حاجة لتعداد الحروب التي مرت عليه منذ العام 1860 وصولا الى الزمن الحالي، مع حرب السنتين التي تناسلت حروبا لم تضع اوزارها قبل العام 1990، وما تخللها من حروب بين ” الاخوة الاعداء”. ولا يعنى ذلك أن البلدان ذات الانظمة غير المركبة لا تعاني من مشكلات صعبة. بالطبع هناك مشكلات ذات طبيعة معقدة في هذه الانظمة لكنها تتعلق فحسب بطريقة ممارسة السلطة، والهوية السياسية والاقتصادية للنظام. وفي هذه الأوقات الحساسة لا يمكن لأحد أن ينكر وجود انقسام عامودي يشطر لبنان إلى معسكرين كبيرين، ليس على اساس خيارات سياسية واقتصادية، بل على اساس توجهات عقائدية لكل منها فلسفتها وطرائق معالجتها للموضوعات، وهي تحفر عميقا في النفوس، وتتجاوز النصوص في استحقاقات معينة. وفي الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على لبنان واوقعت ما اوقعت فيه من شهداء وجرحى ودمارا، ظهر بوضوح وجود منطقين وفكرين وقراءتين وتفسيرين للدستور اللبناني ولوثيقة الوفاق الوطني. حتى النظرة إلى إسرائيل تباينت بعدما جاهر البعض انه غير ملزم بالتوصيف الدستوري والقانوني لها تحت عنوان الواقع والواقعية. ويقول سياسي سابق عاصر أحداثا وواكب تطوراتها أن لبنان لن يستقر، وإن استقر، فلفترة لا تتجاوز العقد من الزمن أو عقدا ونصف عقد. وأن الاستقرار الذي نعم به منذ الاستقلال العام 1943 إلى العام 1975( عام انفجار الحرب الداخلية الكبرى )، كان استقرارا هشا قطعته أزمة العام 1956، واحداث العام 1958 والعام 1973. وكل ذلك بسبب تداخل الاعتبارات الخارجية بالاجندات المحلية المتنافرة. وفي الثمانينيات ظل شواذ القاعدة قائمة، مما أدى إلى إتفاق الطائف الذي لم يرق إلى ما هو أهم من وقف إطلاق النار ، فيما ظلت الأمور الأساسية مغيبة وكأنها ” تابو” يحاذر اي طرف التصدي لها مثل انشاء الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، ومجلس الشيوخ. من هنا يضيف السياسي أن إنتخاب رئيس جديد للجمهورية هو أمر في بالغ الاهمية ويجب أن يتم في الموعد الذي حدده رئيس المجلس النيابي نبيه بري، اي في التاسع من كانون الثاني 2025، وأن تخرج جلسة الانتخاب برئيس يبادر إلى تشكيل حكومة في أسرع وقت، وليس كما كان يحصل في السنوات السابقة، وكما هي الحال راهنا ، عندما كانت حكومات تصريف الاعمال أطول عمرا من الحكومات الكاملة الأوصاف والمواصفات. ولكن هذا السياسي المجرب يصل إلى استنتاج مفاده أن هذين الاستحقاقين على اولويتهما لا يعفي المسؤولين والمعنيين من النظر بعمق إلى الوضع اللبناني بكل بتشعباته، والتعامل معه بعيدا من المؤثرات الخارجية التي تتحول وتتبدل،بالتركيز على تدعيم المشتركات بين اللبنانيين، ومن ثم الانطلاق إلى بحث في النقاط الخلافية والاستراتيجية بدءا من السياسة الدفاعية للبنان بلوغا إلى السياسة الخارجية، ودوره في محيطه. وقبل اي شيء يبقى الجواب على السؤال الاتي: هل أن اللبنانيين مؤمنون حقا بأن بلدهم هو وطن رسالة فعلا، أو انهم يستخدمون هذا الشعار الذي رفعه البابا يوحنا بولس الثاني في مسارح الازجال السياسية، اي ان شفاههم تنطق نعم نعم، اما قلوبهم فلا لا. ويرى السياسي نفسه انه لا يكفي ان يعلن الافرقاء التزامهم بالطائف نصا وروحا، وهم سبق أن أعلنوا ذلك منذما تكرس دستوريا ، لكن الطلاق بين النص والروح، بدا واضحا في الممارسة. وكانت النتائج كارثية على الجميع، ولا يبدو أن لبنان سيتعافى سريعا جراء هذا الاستلشاق. من هنا ، فإن الحوار لا بد من أن ينطلق من جديد، برعاية رئيس الجمهورية واشرافه للوصول إلى التزامات توفر حصانة للطائف وتؤمن مظلة حماية له، وتعهدات بتطبيقه بحذافيره، وليس بصورة انتقائية. لأن العودة إلى التعثر،وايداع الجانب غير المنفذ منه رف الانتظار،سيطيل حال عدم الاستقرار السياسي وربما غير السياسي.ما يحتم على كل الافرقاء أن ينخرطوا في حوار هاديء قد يستغرق وقتا طويلا ، لكنه قد يرسي قواعد الحل الوطني المنشود على صخرة الارادة اللبنانية الجامعة. ويقول هذا السياسي أن ما اورده ليس من باب الشعر، ولا التمني، بل هو ثمرة تجربة وقراءة واقعية لأسباب المحن التي ضربت لبنان، محذرا في الوقت نفسه انه في حال التسوية الهشة أو المفروضة بفعل الاستقواء بسبب ظرف مؤات لهذا الطرف أو ذاك، سيجعل المتضررين أو المرتابين في حال من ” الكمون” و” التربص” عندما تحين الفرصة، وهذا ما حصل غيرة مرة. بصريح العبارة لا يمكن لأي طرف أن يعتبر أن ما اصاب لبنان راهنا ستصب نتائجه السياسية في مصلحته على حساب آلاخرين، وأن ما من منتصر في هذه الحرب. فليتواضع الجميع، وتتدانى المسافات لينهض لبنان من مأساته.
خبر عاجل
-
الجيش: عزّزنا انتشارنا في المناطق التي توغّل فيها العدو الإسرائيلي في الجنوب
-
«اليونيفيل» و«الصليب الأحمر اللبناني» يتسلمان المواطن حسام فواز الذي اختطفته قوات الاحتلال الإسرائيلي في وادي الحجير صباح اليوم وقد تمّ نقله في سيارة إسعاف تابعة للجيش اللبناني لتلقي العلاج من إصابة بطلق ناري في الرأس
-
قيادة الجيش: العماد جوزاف عون يغادر إلى السعودية تلبية لدعوة من نظيره السعودي «لبحث التعاون بين جيشي البلدين وسبل دعم المؤسسة العسكرية»
-
الأمل في عيد الميلاد من باب إلى باب.. تطبيق noknok يرسم البسمة على وجوه اللبنانيين
-
إنجاز للبنان في بطولة آسيا للبادل.. 3 ميداليات ملوّنة…وتهنئة من محمد اليمن