سمير الدحداح شيخُ الوِقار

سمير الدحداح
شيخُ الوِقار

أنْ يموتَ الإنسانُ بعدَ عمرٍ مديدٍ، فهذا حقٌّ لا نزاعَ فيه، ولكن حينَ يرحلُ “شيخُ الوِقار”، المحامي الشيخ #سمير_الدحداح ، حتى وإن بلغَ التسعينَ، فإنَّ الغيابَ يُصبحُ وجعًا يتخطَّى العائلةَ ليطالَ سائرَ محبيه وعارفي فضائله، مِن كسروان الفتوح إلى نقابة المحامين في بيروت.

عرفتُ هذا الإنسانَ – الهامةَ بفضلِ قرابتي بزوجتهِ المحامية العزيزةِ ليلى الشدياق، وصداقتي العميقة التي تلامِسُ الأخوّةَ مع أبنائهِ الثلاثة: ناجي، نبيل، ونديم. سمير الدحداح لم يكن مجرّدَ رجلٍ؛ كان مدرسةً في الحياةِ، رجلًا يختصرُ بهاؤهُ وأفعالهُ قِيَمَ العدالةِ والإنسانية.

وما أجملَ الإنسانَ الذي كان هو، جامعًا للنقيضينِ: بشاشةٌ تزرعُ الطمأنينةَ، ووقارٌ يفرضُ الاحترامَ. لطيفٌ في حضورهِ، قويٌّ في مواقفهِ، صلبٌ عند الشدائدِ، متواضعٌ-لا يعرفُ إلا كِبَرًا يهزأُ بالكبرياءِ-، يمضي بينَ الناسِ كأنّهُ مِن نورٍ، يوزعُ الحكمةَ والمحبّةَ بقدرٍ واحد.

يكادُ قصرُ العدل في جونيه يُختَصَرُ بشخصهِ، إذ أفنى عمرهُ في خدمةِ المحامين والمواطنين، مُفَوَّضًا لنقابةِ المحامين في كسروان، مقدِّمًا عصارةَ سنينَ طويلةٍ مِن العطاءِ النزيهِ، وأمينًا صادقًا على الكثير؛ ما تغيّبَ يومًا أو ساومَ أو تهاونَ أو خفضَ جبينًا.

خدمَ نقابةَ المحامينِ بشرفٍ لا يُضاهى، مِن داخلِ مجالسها المنتخبة ولجانها وخارجها. فكان سيدَ الموقفِ حين يستدعي الموقفُ حِكمةً، وشيخَ السكينةِ حين يستدعي الحكمُ وِقارًا.

في صمتهِ الأخير، حملَ معهُ همَّ الوطنِ والعدالةِ، تاركًا بصماتٍ خالدةً مِن غزيرِ الأعمالِ الخيريةِ في سائرِ أنحاءِ قضاءِ كسروان والوطن، وإرثًا وافِرًا مِن الأخلاقِ والمبادئِ وحُسنِ المناهجِ.

يا شيخ سمير، أنتَ واحدٌ مِن عُظَمائنا، ابتسمْ حيثُ أنتَ اليوم، لعلَّ نورَ ابتسامتك يُبلسمُ بعضَ جراحنا، التي هي جراحُ الوطنِ الذي أحببتَ ولهُ نفسكَ نذرتْ… ستبقى ذكراكَ حيّةً في قلبِ كلِّ مَن عرفكَ وأحبّكَ، والى روحك الخالدة ونفسك الطاهرة أحرُّ تحيَّةٍ وأعطرُ سلامٍ.

فلتكن مشيئتكَ يا الله.

الحدث المنكوبة،

عصام الخوري

محام