هل من مخفي في الورقة الأميركية ينسف المفاوضات؟
ابراهيم حيدر
ما جرى تسريبه من نقاط في المسودة الأميركية لنص الاتفاق حول وقف اطلاق النار التي تسلمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، توحي بأنها تندرج كلها ضمن القرار 1701، حتى في ما يتعلق بتشكيل لجنة دولية لمراقبة تطبيقه، والتي لا تشكل عائقاً أمام الموافقة على المسودة المطروحة. هنا يكمن الغموض ويشي بوجود بنود مخفية ضمن ما بات يعرف بالنقاط الـ13 وما تتضمنه من تفاصيل حول شروط إسرائيلية كان أُعلن عنها أو جرى تسريبها سابقاً حول المنطقة العازلة وإخراج “حزب الله” الى شمال الليطاني وسحب السلاح غير الشرعي وصولاً إلى حق الدفاع والتحرك الذي يجيز للجيش الإسرائيلي مواجهة ما يعتبره تهديداً محتملاً.
إذا صحت المعلومات حول النقاط المعلنة والتي يتعاطى معها بري بإيجابية، فإن لا عائق أمام لبنان لإعلان موافقته على ما هو مقترح طالما يتمحور حول تطبيق الـ1701، أما “حزب الله”، فلا مصلحة له بأن يعارض الاتفاق كصاحب قرار لا سيما بعد مطالبته بتطبيق القرار الدولي. لكن ما يجري في الميدان على أرض الجنوب من تصعيد إسرائيلي يتصل بالمرحلة الثانية من الهجوم البري مدفوعاً بغارات هي الاعنف منذ بدء القتال، يوحي بأن المطروح هو أكثر من المعلن في الورقة الأميركية، ويشير إلى أن الميدان هو عنوان للتفاوض والهدف فرض أمر واقع لترجمته سياسياً في أي اتفاق تحدده موازين القوى على الأرض.
لا يرفض لبنان بالمطلق تشكيل لجنة مراقبة دولية لتطبيق القرار 1701، لكنه يتحفظ على توسيعها، ووفق مصدر ديبلوماسي إن النقطة العالقة التي قد تطيح بالمفاوضات هي المتعلقة بالسلاح وما تتضمنه النقطة المتعلقة بسيطرة الجيش اللبناني على المعابر الحدودية لمنع ادخال الأسلحة وبالتالي نزعها. ويشير المصدر إلى أن المفاوضات التي جرت بين إسرائيل والولايات المتحدة تمحورت حول الضمانات الأمنية لتل أبيب، إما تحصل عليها مباشرة أو تطبيقها عبر واشنطن من خلال اتفاق يحقق في شكل غير مباشر شرط المنطقة العازلة. فالمفاوض الإسرائيلي أبلغ الأميركيين أن الظروف في الداخل لا تزال مواتية لاستمرار الحرب ضد “حزب الله” ولا يمكن أن تتوقف من دون تحقيق أهداف تمنع العودة إلى ما قبل 8 تشرين الأول 2023، وإضعاف الحزب وتحييد قوته عن الجبهة الشمالية. ويشير المصدر إلى أن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين سيأتي إلى لبنان في حال تأكد من إمكان نجاح مهمته لبدء مفاوضات وقف النار، وهو نال موافقة من الرئيس المنتخب دونالد ترامب لاستئناف مهمته. لكن التعقيدات لا تزال ماثلة، إذ إن إسرائيل تتمسك بشروط قاسية وهي تحاول اللعب على بنود الورقة التي قدمت للبنان وتفسير نقاطها لمصلحتها وصولاً إلى فرض حرية الحركة والرقابة، وهي شروط لا يوافق عليها “حزب الله”، ولذا يمكن فهم التصعيد الإسرائيلي بالتوازي مع المفاوضات السياسية.
وتكشف مصادر سياسية مطلعة أن “حزب الله”، وفي الوقت الذي يراهن فيه على إلحاق خسائر بالإسرائيليين في الميدان لدفعهم إلى إعادة النظر بحربهم، فإنه يوافق على إحدى النقاط من ضمن حل شامل وهي عدم ظهوره عسكرياً في الجنوب، وهو منفتح على وقف النار، لكنه يرفض لجنة المراقبة وحرية الحركة الإسرائيلية. وفي المقابل تسعى الولايات المتحدة إلى الحصول على موافقة لبنان على الورقة المقدمة، وهي أبلغت المسؤولين أنها الفرصة الوحيدة ويجب على لبنان انجاز اتفاق وفقها من دون الربط مع غزة. وإلى حين التوصل الى تفاهمات عبر المفاوضات، تكثف اسرائيل عملياتها لتعزيز شروطها انطلاقاً من الميدان والتحكم بكل مجريات الحياة في لبنان، وهو ما تفعله يومياً من الجنوب إلى البقاع وبيروت وضاحيتها.
ibrahim.haidar@annahar.com.lb