خ
أمين القصيفي
هو بالفعل نصر تاريخي حقَّقه مرشح الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب على مرشحة الديمقراطيين كامالا هاريس، في السباق إلى التربُّع على عرش البيت الأبيض، أكبر العروش وأكثرها قوة وسلطة، والذي يتحكَّم برسم، ليس فقط سياسة الولايات المتحدة، بل سياسة العالم بأسره. هكذا أعلنه ترمب في أول كلمة له بعد فوزه أمام جماهير الجمهوريين، نصراً وفوزاً تاريخياً، متعهداً بعودة أميركا عظيمة من جديد، فيما بدأت دول كثيرة مرحلة الترقُّب وإعادة الحسابات، خصوصاً بعضها التي “تذوَّقت” الطعم المرّ لعهد ترمب السابق عليها، ولا شك أن إيران في مقدمة تلك الدول والتي سال حبرٌ كثير، طوال الأشهر الماضية، حول خشيتها الشديدة من عودة ترمب إلى التربُّع على كرسيّ المكتب البيضاوي في عاصمة القرار واشنطن.
الكاتب والمحلل السياسي الياس الزغبي، يرى أنه “لا شك أن استعادة ترمب البيت الأبيض، بانتصار صافٍ، على مستوى الرئاسة الأولى وعلى مستوى الكونغرس ومجلس الشيوخ، تعني تغييراً واسعاً في المعطيات الداخلية الأميركية أولاً وعلى مستوى العالم ثانياً، خصوصاً في الأزمات البارزة بحربَيها في أوكرانيا والشرق الأوسط”.
يضيف الزغبي، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني: “صحيح أن ترمب كرَّر مراراً، خلال حملته الانتخابية، أنه كان قادراً على استدراك حرب أوكرانيا وحرب الشرق الأوسط وغيرهما، لو كان في البيت الأبيض منذ العام 2020. لكن ترمب لم يحدِّد الوسائل أو الطريقة التي كان يمكن أن يمنع فيها الحروب، سواء بالضغط الدبلوماسي أم بالضغط العسكري المسبق، أم بالمونة على الأصدقاء كالرئيس الروسي فلاديمير بوتين مثلاً”.
يتابع: “الآن، بات ترمب أمام الاختبار العملي لما كان يطرحه. فهو يميل إلى الانطواء على المشاكل الأميركية الدااخلية، وترك الأزمات الدولية لنوع من التسويات، أو ربما الصفقات، التي عُرفت عنه خلال ولايته الرئاسية السابقة”.
أما بالنسبة إلى أزمة الشرق الأوسط وحربَي غزة ولبنان، فيشير الزغبي إلى أن “هناك ملاحظة مثيرة، تعني ما تعني في معالجة هاتين الأزمتين. ففي إسرائيل، باتت هناك إدارة حكومية صافية لبنيامين نتنياهو بعدما تخلّص من خصومه في الحكومة، وربما داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية، وفي الولايات المتحدة في الوقت نفسه، هناك إدارة جمهورية صافية من البيت الأبيض إلى الكونغرس، وتالياً الإدارات الحاكمة”.
الزغبي يعتبر، أن “هذا التلاقي، سواء كان مقصوداً أو مخطَّطاً له أو صدفةً وبشكل طارئ، يعني أن هناك تكاملاً في العمل الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب. هذا بالطبع سيؤثِّر على التوازنات الإقليمية في اتجاه تقليص النفوذ الإيراني في العواصم العربية الأربع، ومن بينها طبعاً لبنان. بالتالي، بات التحدي الآن أمام إيران كي تتفادى المزيد من الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي، وتتخلّص من خطورة الحرب الواسعة، وهي الآن أمام خيار المقايضات ما بين الملفات الثلاثة التي تعنيها، أي بين نفوذها في المنطقة وأموالها المحتجزة بالعقوبات وملفّها النووي”.
برأي الزغبي، “ليس مستبعداً أن تبيع إيران نفوذها مثلاً في لبنان لقاء الإفراج عن أموال معينة، كما سبق وبدأ الأمر في سوريا حيث يظهر للعيان بوضوح أن النفوذ الإيراني يتراجع ميدانياً وسياسياً، وهكذا يحصل في لبنان. فمن الآن وحتى تاريخ استلام ترمب سدّة الرئاسة الأميركية بعد شهرين ونصف، يكون نتنياهو قد استغلَّ هذا الفراغ الدبلوماسي الواسع كي يتابع مشروعه، سواء في غزة أو في لبنان”.
بحسب الزغبي، “هذا ما يجعل “الحزب” في موقف حرج جداً، لا يستطيع فيه إلا أن يُثبت بقاء قسم من صواريخه شغّالاً لتوجيهه إلى الشمال أو العمق الإسرائيلي، بدون نتائج حاسمة على المستوى العسكري أو السياسي. كما لا بدَّ أن تجد إيران نفسها مضطرة إلى الرضوخ لتنفيذ القرارات الدولية الثلاثة، 1701 و1559 و1680، كمخرج لها من المأزق اللبناني، لعلّها تستعيض عن خروجها من لبنان بنفوذ آخر ربما في العراق، بعد انحسار نفوذها في سوريا، أو ربما في اليمن. بل إن طهران قد تُضحِّي بكل مراكز نفوذها الأربعة، إذا كان الثمن عشرات مليارات الدولارات، أو التساهل قليلاً في ملفها النووي، بهدف الحفاظ على النظام”.