هل تنتهي الحرب بعد الإنتخابات الأميركية؟ ثلاثة سيناريوهات وحقائق


محمد حمية

مع فشل الدبلوماسية الأميركية في ربع الساعة الأخير بالتوصل الى هدنة مؤقتة على جبهتي غزة وجنوب لبنان قبل الانتخابات الأميركية، اتجهت أنظار المنطقة والعالم إلى الاستحقاق الانتخابي الأميركي في ظل احتدام الصراع والتنافس “على المنخار” وفق آخر استطلاعات الرأي بين مرشحة الحزب الديمقراطي كاملا هاريس ومرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، في ظل رهان كثير من الدوائر الدبلوماسية والسياسية في لبنان والخارج على أن نتائج الانتخابات وهوية الرئيس المقبل سيتركان انعكاسات على مسار الحرب على لبنان وغزة.
فهل يكمن تعليق الآمال على نتائج الانتخابات لوقف الحرب المدمرة على لبنان؟
ثلاثة سيناريوهات مطروحة:
الأول: فوز كاميلا هاريس التي أعلنت في إحدى تصريحاتها بأنها ستوقف الحرب على غزة إن وصلت الى البيت الأبيض، مع احتمال رفض ترامب لنتائج الانتخابات واتهام الإدارة الأميركية بالتزوير، وقد سبق له أن هدد بالحرب الأهلية إن لم يفُز بالرئاسة، وهذا السيناريو سيقود الى اندلاع فوضى وتوتر في الولايات المتحدة التي عاشت صورة من هذا المشهد عقب خسارة ترامب وفوز جو بايدن في الانتخابات الماضية.
هذا السيناريو قد يُشغِل الولايات المتحدة بأزمتها الداخلية وتنكفئ نسبياً عن الأحداث في الشرق الأوسط، ما يمنح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيمين نتانياهو وأركان حربه فرصة إضافية لتصعيد الحرب ليس على جبهتي غزة وجنوب لبنان فحسب، بل على دول محور المقاومة وصولاً الى إيران وجرّ المنطقة الى مواجهة بين القوى الغربية ومحور إيران. وبرأي خبراء في السياسات الأميركية والدولية، فإنه إذا واجهت الولايات المتحدة سيناريو الحرب الأهلية، فإنها قد تعلن الحرب على إيران وربما على الصين أو روسيا لإعادة توحيد الولايات المتحدة تحت شعار “الحرب على الأعداء”، ما يُعزز احتمال الانزلاق الى الحرب الإقليمية والعالمية.
الثاني: دخول سلِس وهادئ لهاريس الى البيت الأبيض، وهذا السيناريو أيضاً سيمنح مهلة شهرين لنتانياهو للاستمرار بحربه حتى تحقيق أهدافه، وبعدها قد تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لوقف الحرب وقد لا تضغط انسجاماً مع الاستراتيجيات الثابتة والسياسات الخارجية للدولة العميقة في أميركا والتي تُقيّد وتحكم أي رئيس أميركي مع هامش معين في الملفات الداخلية، لا سيما وأن الإدارة الحالية قدمت لإسرائيل ما لم تقدمه أي إدارة أميركية منذ عقود.. وتجسّد ذلك بشكل فعلي وجلي عندما هرول الرئيس بايدن وأركان إدارته الى إسرائيل لدعمها بعد “طوفان الأقصى” من إرسال البوارج وحاملات الطائرات ومنظومات الدفاع وتغطية حرب إبادة غزة وتكنولوجيا وتقنيات الاغتيالات في بيروت وطهران، وصولاً الى الدعم السياسي والدبلوماسي والحماية القضائية لنتانياهو ووزرائه أمام القضاء الدولي وصولاً الى تغطية الحرب العسكرية والأمنية على لبنان، وهذا الاحتمال يعزز أيضاً إطالة أمد الحرب وإمكانية تدحرجها الى كافة المنطقة خلال المدة الفاصلة عن تسلم هاريس.
الثالث: فوز ترامب الذي قال في تصريح إنه سيوقف الحرب وأنه لم يكن ليسمح بأن تحصل عملية “طوفان الأقصى” لو كان في البيت الأبيض، لكن في عودة الى ولاية ترامب يظهر أنه أكثر رئيس أميركي قدم الدعم و”الهدايا” لإسرائيل، ولو كانت على الورق بعكس إدارة بايدن التي قدمت الدعم الفعلي، (نقلت ادارة ترامب السفارة الأميركية الى القدس، شرعت المستوطنات وإن كانت تخالف القانون الدولي، وهناك مستوطنة باسم ترامب، ويقال إنه تعهد بضم الضفة الغربية الى إسرائيل وسبق أن ضم الجولان وهي أرض سورية وفق القانون الدولي، وعقد صفقة القرن، فيما ينقل عن صهره ومستشاره جاريد كوشنير أنه سيطرح ضم قطاع غزة كواجهة بحرية إلى الكيان الاسرائيلي، وقد قال ترامب في تصريح منذ أشهر قليلة جملته الشهيرة: “مساحة إسرائيل صغيرة ولطالما فكرت كيف يمكن توسيعها”.
وفي ظل واقع هذه السيناريوهات والاحتمالات، لا بد من الإشارة الى بعض الحقائق الثابتة: الأولى أن إسرائيل تملك تأثيراً كبيراً داخل مراكز القرار في الولايات المتحدة، لكن الكيان الاسرائيلي هو الذي يخدم السياسات الأميركية وليس العكس، ولولا حزمة الدعم الأميركي السريع بعد عملية 7 تشرين الماضي لكان الكيان انهار خلال أيام وفق خبراء دوليين في السياسة والأمن والاقتصاد.. والحقيقة الثانية أن القوة الأميركية العسكرية والأمنية والمالية والتكنولوجية الأميركية تقودها دولة خفية تضم تكتلات اقتصادية مالية عملاقة أو قوى ولوبيات ضغط مثل شركات النفط والغاز والصناعات التكنولوجية والإعلانات والأندية العالمية.. الى جانب المخابرات وهذه القوى موزعة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري ولا تتمركز في حزب واحد، وهذه الدولة الخفية تضع استراتيجيات وسياسات ورؤية تنبع من المصالح العميقة للمشروع الأميركي العالمي الكبير والهيمنة على السياسات الدولية وبالتالي يبقى تأثير شخصية الرئيس محدوداً، ومن الحقائق أيضاً أن السيطرة على العالم من بوابة السيطرة على منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا وأوروبا هم أحد الثوابت الاستراتيجية الأميركية وفي قلب هذه الثوابت دعم إسرائيل كمفرزة أميركية سباقة ونافذة بحرية على المتوسط تخدم المصالح الأميركية البريطانية الغربية، وهن يمكن فهم لماذا كانت الحرب على غزة قراراً اميركياً وليس إسرائيلياً فقط، وكذلك الحرب على لبنان، ويكفي كيف أن الحكومة الاسرائيلية طلبت من واشنطن وقف الحرب في العام 2006، إلا أن إدارة الجمهوريين آنذاك رفضت وطلبت الاستمرار بضعة أسابيع لتحقيق الأهداف فجاءت كونداليزا رايس الى المنطقة وصرحت من لبنان بأن هذه الحرب هي “مخاض شرق أوسط جديد”.
وكما يبدو أن ترامب أكثر تطرفاً بدعم إسرائيل من الحزب الديمقراطي، لكنه أكثر صرامة من سلفه ترامب، لجهة وقف الحرب إذا كان ذلك يخدم المصالح الأميركية العليا أو إذا باتت الحرب على لبنان وغزة تهدد الاستقرار الذي يحمي نظام المصالح الأميركية الغربية في المنطقة وفق ما تقول مراجع دبلوماسية غربية لـ”الجمهورية” ولذلك أرسلت الإدارة الأميركية قائد المنطقة الوسطى الأميركي الى “تل أبيب” لضبط الرد الإسرائيلي على إيران.. لكن السؤال ماذا سيقدم ترامب أو هاريس لإسرائيل من دعم إضافي لم يقدمه بايدن وإدارته “الصهيونية” لإسرائيل لتغيير المعادلة في لبنان وغزة أو مع إيران وهي التي أرسلت منظومة “ثاد” الدفاعية وقنابل الـ2000 طن و الـ b2 وتعزيز القوات الأميركية الخاصة في الشرق الأوسط كآخر الهدايا قبل رحيلها بأيام؟.