مشاريع لـ “تعميق العملية في لبنان” وتوسيع نطاقها بهدف “القضاء على مقومات الحياة” في مناطق محدّدة من ضمن بيئة الحزب في لبنان. وعليه ما هي المفاجآت المنتظرة على لائحة أهداف نتنياهو الجديدة؟
جورج شاهين
بعدما تعددت المؤشرات الدالّة إلى الغموض غير البنّاء الذي يغلّف حقيقة الأهداف الاسرائيلية المعلنة من ردّها على عملية “الإلهاء والإسناد” بعملية “سهام الشمال” وقبلها بـ “السيوف الحديد” في مواجهة “طوفان الأقصى”، بدأت الوقائع تضيء على معظم ما تضمره أكثر الحكومات عنصرية في تاريخ الدولة العبرية من نيات غير معلنة. ولذلك تعززت المخاوف مما هو آتٍ إن استنفدت إسرائيل معظم محتويات بنك أهدافها العسكرية في انتظار اللائحة الجديدة. وهذه بعض الدلائل التي تعزز هذا الاقتناع؟
يصرّ مرجع ديبلوماسي رفيع على القول، انّه كان من المتوقع أن تنتهي الحرب في قطاع غزة منذ فترة طويلة لو أنّ الأهداف التي اعلنتها حكومة بنيامين نتنياهو كانت نهائية وصادقة. وإنّ لجوءه إلى منطق “الشروط المتدحرجة” التي اعتُمدت لاحقاً في حربه على لبنان أدّى الى تمدّد العمليات العسكرية ومعها إمكان توسعها إن تجدّدت المواجهات المباشرة بين إسرائيل وإيران في أي وقت. فقد مضى وقت على بقائها رهناً بالتوصل الى وقف لإطلاق النار في غزة وجنوب لبنان في آن، كما ادّعت القيادة الإيرانية عندما تردّدت في الردّ على مجموعة من الاغتيالات التي استهدفتها وحلفاءها، وأبرزها تلك التي انتهت إلى اغتيال ضيفها رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية في طهران، بعد ساعات قليلة على اغتيال القيادي في “حزب الله” فؤاد شكر في آخر ايام شهر تموز الماضي، والتي انتهت باغتيال الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في 27 ايلول الماضي.
لا يتوقف الديبلوماسي العتيق عند هذه الخلاصة في قراءته لتطورات أطول الحروب في تاريخ النزاع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وجاراتها الدول العربية، لافتاً إلى بعض المحطات التي كان يمكن ان تؤدي الى إنهاء الحرب. فقتل وجرح واعتقال نحو 200 الف فلسطيني ومن ضمنهم معظم قيادات “حماس” وآلاف عدة من عناصرها ومعها من مختلف الفصائل الفلسطينية التي انخرطت في الحرب الشاملة في القطاع والضفة، لم يرضِ الطموحات الإسرائيلية لترتيب اتفاق لتبادل الأسرى الاسرائيليين بالمعتقلين الفلسطينيين، بعدما استغلت مجموعة “الهدن الإنسانية الخمس” من أجل إطلاق عدد لا يُستهان به من حاملي الجنسيتين الاسرائيلية ومن دول اخرى. لا بل أمعنت في تعزيز الحصار على من تبقّى من فلسطينيي القطاع، وسعت إلى تجويعهم وتدمير المنشآت الطبية والتربوية والدينية ومراكز إيواء النازحين الأممية، حيث ارتكبت أبشع المجازر في حقهم وحق اكثر من فريق إغاثي من المنظمات الإنسانية الدولية والاممية.
ومن دون التوغل في المراحل السابقة للحرب في أشهرها الاولى، أضاف الديبلوماسي، انّه كان في إمكان نتنياهو ان يعلن “النصر المطلق” في أكثر من محطة. ولعلّ ذروتها عندما اكتشف بالمصادفة أنّ الرئيس الجديد للمكتب السياسي لحركة “حماس” وخليفة اسماعيل هنية، يحيى السنوار، من بين قتلى إحدى العمليات العسكرية في رفح، في اعتباره آخر قادة الحركة في غزة المطلوبين منها. ولكنه لم يكتف بذلك الإنجاز، لا بل بدأ يوزع المعلومات عن مخاطر بقاء أخيه محمد على قيد الحياة ومعه مجموعة من قادة الصفين الثاني والثالث في الحركة على قيد الحياة في الأنفاق التي لم يصل إليها بعد، على رغم من الإدعاء بتدمير كثير منها مع ما رافق ذلك من مجازر طاولت الحجر والبشر والمؤسسات الاستشفائية التي ادّعى أنّها تشكّل مداخل ومنافذ إليها.
وكما في قطاع غزة، كذلك في لبنان، فقد تكرّرت المحاولات عينها لترتيب اتفاقات لوقف اطلاق النار ومعها طريقة تعاطي نتنياهو مع الوسطاء الدوليين والأمميين، ولا سيما مع الأميركيين، وقد تعاطى مع عدد منهم بطريقة “مهينة” كما فعل مع موفدين ووزراء بريطانيين وفرنسيين في محطات معينة، كما مع ممثلي الامم المتحدة، حتى اعتبر أمينها العام انطونيو غوتيريش شخصاً غير مرغوب به لمجرد أنّه عبّر عن قلقه من حجم الإفراط في استخدام القوة، عدا عن التعاطي مع مسؤولي الأونروا والمؤسسات الإنسانية، إلى درجة أحبط بنتيجتها عدداً من المبادرات التي انطلقت في أساسها من أفكار إسرائيلية، كالمبادرة الأخيرة التي أطلقها الرئيس الأميركي جو بايدن وتبنّاها مجلس الأمن الدولي في 10 حزيران الماضي، ولم يسمح بتنفيذ ما قالت به. كما تعاطى مع المبادرة الرئاسية الفرنسية ـ الأميركية التي أُطلقت من نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة والتي نالت موافقة عشرات الدول العربية والغربية في شأن لبنان. وهو ما تترجمه ايضاً طريقة تعاطيه الساخر مع قرارات محكمتي العدل والجنائية الدوليتين، على رغم من اعترافه ضمناً بمخاطرها، فلجأ إلى ترتيبات استثنائية في سفره خوفاً من احتمال توقيفه في أي دولة تحترم قراراتهما.
قد لا يتسع المقال لمزيد من التفاصيل، لكن الأهم في ما تنتهي هذه السردية يقف عند ما تبين في الساعات القليلة الماضية من نية في الكشف عن خطط وأهداف جديدة، بعدما استنفد محتويات بنك أهدافه العسكرية، ليس في غزة فحسب التي دُمّرت كاملة، إنما في لبنان ايضاً، بعدما دمّر المراكز القيادية الأساسية لحزب الله وقتل معظم قادته وصولاً إلى أمينه العام وخليفته المحتمل، عدا عن أعضاء المجلس الجهادي وقادة المحاور والوحدات والمؤسسات الحزبية اللوجستية والمالية والمخابراتية والوحدات الصاروخية والجوية، ولم ير الوقت مناسباً للتوصل بعد إلى وقف للنار يضمن عودة المستوطنين إلى مستعمراتهم والكيبوتزات. وهو ما يوحي بما لا يرقى اليه شك في انّه يضمر اهدافاً اخرى، وهو ما تجلّى بعد كل هذه المحطات ببدء استهداف المؤسسات المالية للحزب. ولذلك قصد تدمير مراكز “القرض الحسن” وعدد من مخازن المؤن التابعة لتعاونيات “سجاد” ومؤسسات اخرى صحية واجتماعية وطبية، عدا عن استهداف الجسم الإعلامي بطريقة مقصودة، مكرراً طريقة تعاطيه مع الإعلاميين في قطاع غزة وإقفال عدد من المؤسسات واغتيال العشرات منهم مع عائلاتهم.
وبناءً على كل ما تقدّم، يجدر التوقف عند الحديث المتجدّد عن قرب ما يسمّيه الإعلام الاسرائيلي الرسمي “نهاية المرحلة الأولى” من العملية البرية في جنوب لبنان، ملمحاً إلى انّ “المنظومة الأمنية” ستبدأ نقاشاً “إستراتيجياً حول مسألة استمرار القتال في لبنان” وفق سيناريوهات عدة، وأخطرها إن تقدّمت آراء العسكريين على السياسيين او تلاقت مع المتشدّدين منهم. ومن بينها ما يسمّى “تعميق العملية في لبنان” وتوسيع نطاقها و”القضاء على مقومات الحياة في مناطق محدّدة من ضمن بيئة الحزب في لبنان”. وعندها قد يعلن عن الاهداف الجديدة بصراحة مفقودة حتى اليوم، مع الإشارة إلى ما يؤدي إلى المضي في قطع خطوط الإمداد من سوريا والعراق وصولًا الى “قطع الاوكسيجين” عن الحزب. وكل ذلك يجري بمعزل عمّا يمكن ان تشهده الساعات التي ترافق فتح صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الاميركية، وخصوصاً إن حصل الردّ الإيراني المباشر الذي قد يفسد كثيراً من الخطط ويعزز شبيهاتها التدميرية في لبنان وسوريا، وربما العراق، إن استخدمت ساحته هذه المرّة.