القدس العربي” من سعد الياس:
لم تكن هناك آمال كبيرة على نجاح مهمة الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين في وقف اطلاق النار في تل أبيب على الرغم من مسارعة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إلى البناء على هذه المهمة وبث التفاؤل بحصول هدنة تمهّد لتسوية سياسية. وهذا ما عرّض ميقاتي إلى انتقاد بعدما كذّبت الوقائع الآمال وتبخّر التفاؤل وارتفعت وتيرة التصعيد الاسرائيلي من جديد لتتطاير معها الروايات حول قرب التوصل إلى اتفاق على جبهة لبنان.
ولم يعد سراً أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يضع أمن إسرائيل والمستوطنات الشمالية فوق كل اعتبار، وهو بدّد سريعاً التفاؤل المصطنع حول احتمال التوصل إلى هدنة مع حزب الله قبل أقل من أسبوع على الانتخابات الامريكية، مؤكداً للزائر الأمريكي أن “أي اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الله يجب أن يضمن أمن إسرائيل”، معتبراً “ان هناك ضغطاً لتحقيق تسوية في لبنان قبل الأوان”.
ولم يعد نتنياهو يكتفي بإعلان لبنان الالتزام العلني فقط بتطبيق القرار 1701 بل يريد أكثر من ذلك بكثير اعتقاداً منه أن هذا القرار فشل في منع الحرب وفي منع “حزب الله” من حيازة أسلحة وأن لبنان الرسمي لم يف باي من متطلبات القرار 1701 بجدية. وتبدأ المطالب الإسرائيلية بإنشاء منطقة عازلة محروقة على الحدود وانسحاب “حزب الله” إلى شمال الليطاني ولا تنتهي بنزع سلاح “الحزب” وتوسيع التفويض لقوات “اليونيفيل” بما يمنحها حرية التحرك والمداهمة في منطقة عملياتها إضافة إلى مراقبة المعابر بين لبنان وسوريا والمرافىء والمطارات بإشراف أمريكي بريطاني ضماناً لعدم نقل أسلحة مجدداً إلى “الحزب”.
هذه الشروط الإسرائيلية التي تتجاوز ما ورد من ترتيبات أمنية في اتفاق 17 أيار الذي لم يبصر النور بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، تجعل من الصعب على لبنان الرسمي الموافقة عليها وخصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سبق أن قاد انتفاضة 6 شباط وأسهم في إسقاط هذا الاتفاق.
واذا كان الجيش الإسرائيلي حقق قسماً غير قليل من أهدافه بإقامة شريط حدودي بعمق 3 كيلومترات على الأقل ولجأ إلى تفجير قرى وبلدات وتدمير أنفاق تحت الأرض، فإن “حزب الله” يراهن على “الالتحام البري” مع جيش الاحتلال لإلحاق الخسائر البشرية والعسكرية في الجيش الإسرائيلي وآلياته لمنع تل أبيب من فرض شروطها وتشكيل نقطة تحوّل في مسار الحرب شبيه بما حصل في معركة وادي الحجير عام 2006 التي شهدت تمكن فيها “الحزب” من مفاجأة دبابات “الميركافا” بصواريخ “الكورنيت” وتمكّن من تكبيد هذا الجيش خسائر جمة.
وبموازاة المواجهات في البر، أطل أمين عام “حزب الله” الجديد الشيخ نعيم قاسم لطمأنة البيئة الحاضنة أولاً ورفع معنوياتها ولإعطاء إشارة ثانياً بأن “الحزب” إستوعب الضربات واستعاد توازنه من خلال تجميع قواه وهيكليته وأنه صامد في الجبهة ولا تغيير في النهج والخطة التي وضعها الأمين العام السابق حسن نصرالله.
وفي تقدير البعض أن قيادة “الحزب” تريد الإبقاء على سلاحها في أي تسوية وعلى الإمساك بالسلطة السياسية في لبنان، وتريد الفصل بين نتائج الحرب وميزان القوى السياسي في الداخل سعياً لعدم استثمار أي ضعف ل “حزب الله” من أجل الإتيان برئيس جمهورية لا يتطابق مع مواصفات الرؤساء الذين انتخبوا بعد اتفاق الطائف وكانوا متناغمين بمعظمهم مع سوريا أو مع محور المقاومة.
غير أن تطلعات “حزب الله” لا تتطابق بالضرورة مع وقائع الحرب. ويعتقد خبراء عسكريون “أن إسرائيل تسعى للسيطرة على بلدة الخيام ومن ثم على مدينة بنت جبيل لما ترمز إليه هاتان البلدتان الشيعيتان من أهمية في الوجدان الشيعي، على أن تحاول تل أبيب في حال نجاحها بهذه السيطرة البدء بنقاش قرار وقف اطلاق النار وفقاً لشروطها. وفي حال عدم القبول بهذه الشروط ينتقل جيش الاحتلال- في رأي الخبراء- إلى مرحلة جديدة من الاعمال العسكرية لعزل مناطق الجنوب والضاحية والبقاع عن بعضها البعض وتوسيع رقعة الغارات وبنك الأهداف والاستمرار في عمليات الاغتيال”. ويضيف هؤلاء الخبراء “أن المخططين للحرب في إسرائيل يعتقدون أن عامل الوقت ليس لصالح القوة النارية لحزب الله التي ستضعف مع مرور الأيام”.
من هذا المنطلق، ولتفادي الأسوأ تحاول جهات دولية التوصل لتطبيق جدي ليس فقط للقرار 1701 بكل مندرجاته بما يشمل القرارين 1559 و1680 بل لتطبيق اتفاق الطائف الذي لو طُبّق بنسخته اللبنانية من دون الانقلاب عليه لكان دخل لبنان منذ التسعينات في عصر الدولة، إلا أن الإبقاء على سلاح “حزب الله” دون سواه أبقى البلد في عصر الحروب والساحات.
ومن جهة خصوم “الحزب” في الداخل فهم باتوا يطالبون بتحوله إلى حزب سياسي من دون سلاح، ويتخوّفون من حدوث إشكالات مع النازحين في مراكز الايواء ومن حركة التنقل لعناصر “حزب الله” في المناطق الآمنة وخصوصاً على طريق عاليه عاريا التي باتت تستهدف من قبل المسيّرات الإسرائيلية ما يهدد العابرين وأهالي المنطقة.
ويعتبر هؤلاء الخصوم أنه حان الوقت لعودة الجميع إلى كنف الدولة التي وحدها تحمي كل اللبنانيين على قدم المساواة من دون غلبة فريق على آخر، مؤكدين أنه مع تطبيق الدستور والقرارات الدولية ذات الصلة: 1559، 1680 و 1701 لا حاجة إلى استراتيجية دفاعية ولا من يحزنون.
1\11\2024