جوزف القصيفي
اوردت تقارير غربية أن بعض النخب الثقافية والاكاديمية والاعلامية الإسرائيلية، بدأت منذ ايام بالترويج لنظرية وجوب إنهاء الحرب على غزة ولبنان، لأن فاتورتها امست مرتفعة الكلفة إذ بلغت قيمة الأضرار الناجمة عن الحرب التي أعلنها بنيامين نتنياهو حتى اليوم في جميع قطاعات الدولة العبرية مابين إل 8,6 إلى 9 مليار دولار، فيما التكلفة اليومية للحرب الجوية والبرية والبحرية بلغت يوميا ما بين ال 130 إلى 150 مليون دولار، إضافة إلى استدعاء 330 الف جندي في الاحتياط لدى إعلان الحرب إلى الخدمة، وقد أصبح هؤلاء خارج الدورة الاقتصادية، مما يراكم الخسائر المادية ويضاعفها، عدا المشاكل الاجتماعية والنفسية التي تسببت بها هذه الحرب للجنود والمواطنين على حد سواء. من هنا وجدت هذه النخب ضرورة وقف الحرب واعلان انتصار إسرائيل، على أن يواكب ذلك بحملة إعلامية، دعائية ضخمة تمهد لهذا الإعلان (بدأ الاعلام الاسرائيلي يبث تقارير تشير إلى اتجاه قيادة الجيش إعلان وقف العمليات الحربية في جنوب لبنان والانسحاب من المواقع التي احتلها جيشها على إعتبار إنها حققت الانتصار الذي تزعم.) إن هذه النظرية تجد من يؤيدها في واشنطن ويروج لها إنطلاقا من أن الانزلاق اكثر فأكثر في دوامة العنف من دون وضوح في الافق على الرغم من وضوح ” بنك الاهداف” الذي حددته حكومة نتنياهو قد يقود إلى منعطفات خطيرة تتمثل باحتمال نشوب حرب أقليمية لا حدود لمدى إمتداداتها. وترى النخب الإسرائيلية ومن يؤيدها في الإدارة الاميركية أن إسرائيل باستطاعتها أن تعلن إنتصارها بناء على المعطيات آلاتية: 1- في غزة: القضاء على قيادات حماس وفي مقدمها إسماعيل هنيه ويحيى السنوار، وكادرات أساسية في الحركة،وشل قدرتها على المقاومة بعد تدمير الجزء الأكبر من بنيتها العسكرية والامنية كما الانفاق، وانتفاء إمكان تشكيلها اي خطر على مدن ومستعمرات غلاف هذا القطاع، في ضؤ تراجع قوتها النارية إلى الحدود الدنيا. 2- في لبنان: القضاء على الأمين العام ل” حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي إرتقى شهيدا في غارة نفذها الطيران الاسرائيلي، وعلى رئيس الهيئة التنفيذية في الحزب السيد هاشم صفي الدين، وقائد قوة ” الرضوان” إبراهيم عقيل ، ومن قبل فؤاد شكر ، والعديد من قيادات هذه القوة. وهو ما أضعف الحزب وحد كثيرا من قدراته، بعد الضربات “” التي تلقاها.وان ما حل به كان خسارة مدوية. ولكن قراءة متأنية في هذا الطرح، ونظرية “الانتصار” ، بحسب بعض المراقبين ترى أن إسرائيل لم تحقق ما تطمح اليه فعلا برغم الدمار الهائل التي تسببت به غاراتها الجوية وقصفها المدفعي في قطاع غزة ولبنان. وفي نظرة إلى الميدان لا بد من تسجيل آلاتي: أولا : كان هدف الدولة العبرية القضاء على قيادات حماس وتحرير الرهائن ووقف عمليات المقاومة. وهي وإن استطاعت توجيه ضربة موجعة باغتيال قادة بارزين في الحركة وتدمير معظم الانفاق ، والحد من قدرتها النارية، فانها عجزت عن تحرير من تبقى من الرهائن الاسرائيليين الموجودين لديها، مع الإشارة إلى أن تحرير هؤلاء كان البند الرئيس في سلسلة المطالب التي رفعها نتنياهو كشرط لوقف الحرب على القطاع. كذلك، فإن المقاومة في غزة لا تزال تقوم بعمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي في القطاع وتثبت حضورها الفاعل في الميدان. لكن إسرائيل نجحت بامتياز في الابادة الجماعية للمدنيين في غزة والحاق دمار غير مسبوق ، لم يسبق أن شهد التاريخ الحديث نظيرا له، للبنى التحتية والمعالم العمرانية والحياة فيها. ثانيا: أما في لبنان ، فإن المعركة التي عولت عليها إسرائيل لاحراز انتصار يمكنها من فرض شروطها والزام ” حزب الله” بها، هي المعركة البرية، وقد خططت لاحتلال بقعة تتراوح بين الثلاثة والسبعة كيلومترات جنوب الليطاني، والتمركز فيها إلى حين بدء المفاوضات مع لبنان لاملاء مطالبها عليه وحمله على القبول باقتراحها القاضي بتجاوز القرار الأممي 1701 إلى ترتيبات امنية جديدة ترتكز إلى القرار 1559، واعطائها الحق في التدخل المباشر في الحالات التي تعتبر أن تدخلها مبرر.لكن وقائع الارض خيبت توقعاتها بعدما حققت توغلا متواضعا يتراوح بين 300الى 500 متر على حدودها مع لبنان، وتكبدت خسائر بشرية أعلنت عنها رسميا تقارب ال60 قتيلا و600 جريح، في حين أن تقارير وردت من الداخل الاسرائيلي ، واخرى صدرت عن جهات قريبة من المقاومة تؤكد بأن أعداد القتلى والجرحى يفوق عن تلك التي تصرح بها تل ابيب . إلى ذلك تبين أن ” حزب الله” وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي مني بها لا يزال يحتفظ بالقيادة والسيطرة ، وظل قادرا على توجيه الصواريخ إلى المستعمرات الشمالية، وحيفا وما بعدها وصولا الى تل أبيب وغلافها.إضافة إلى استحالة عودة النازحين من هذه المستعمرات إلى بلداتهم وبيوتهم. ويبدو أن ثمة بحثا جادا بدأ في الدوحة ضمن اللجنة الثلاثية، وسيبدأ مع وصول آموس هوكشتاين إلى تل أبيب من أجل التوصل إلى اتفاق لانهاء الحرب في كل من غزة ولبنان. وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الاميركية أنطوني بلينكن أشار إلى مسؤولية إسرائيل و” حزب الله” في عدم الالتزام بتطبيق القرار الرقم 1701، فإن بنيامين نتنياهو سيظل يسعى- ولو تحقق وقف إطلاق النار-للالتفاف على هذا القرار ، لأن الاكتفاء به كقاعدة يبنى عليها إنهاء الحرب، يحجب عنه الانتصار الذي ينشد. في اي حال، فإن هناك أياما عصيبة قبل أن تنجلي الغيوم في انتظار نتائج الانتخابات الاميركية، ومعرفة ما سيكون عليه موقف إيران حيال الرد الاسرائيلي عليها لان الغموض الذي تعتمد مقلق ، ولا يريح واشنطن وتل ابيب ويبقيهما في حال ترقب وحذر ، وعدم التسرع في الجزم بأنها لن تبادر إلى الثأر من الهجوم الاخير عليها، ولا في توقع حجمه ومداه رد فعلها: تصعيد او تهدئة على قاعدة: واحدة بواحدة. وإن فهذا الغموض يفتح بابا للتكهنات قبل التأكد من نياتها واستعداداتها. فهل ما روجت له النخب منذ ايام وتطرقت اليه وسائل الإعلام في إسرائيل وسواها من البلدان ، قابل للتطبيق، وبأي ثمن سيتخلى” بيبي” عن جموحه واهدافه الخطيرة؟ لن يطول الوقت حتى تتظهر الصورة بكل ابعادها.