فرج عبجي
في الماضي كان شبه مستحيل نشر الجيش في الجنوب، لكنه أصبح حقيقة في 2006. واليوم ما كان مستحيلًا، لا بل ممنوعًا التفكير فيه حتى، وهو أن يكون الجيش المسيطر الوحيد على الحدود الجنوبية، يبدو اليوم أنه هو الحل الأمثل للاستنزاف الحاصل في القتال بين “حزب الله” وإسرائيل، ولإعادة أكثر من 300 ألف نازح إلى ديارهم في الجنوب.
قرار سياسي لنشر الجيش اللبناني جنوب الليطاني
وفق المعطيات المعروفة، الجيش اللبناني مُنتشر في منطقة جنوب الليطاني منذ عام 2006، وقد كان عديده يومها يُقارب نحو 15 ألف جندي، ولكن بسبب المهمّات والاضطرابات التي حَصَلَت في الداخل، خصوصًا بعد اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011، اضطرّت قيادة الجيش إلى سحب وحدات عسكريّة من قطاع جنوب الليطانيّ إلى الداخل، فتناقص عديد الجيش إلى نحو4,500 جنديّ، يعملون حاليًا في هذا القطاع، بالإضافة إلى نحو 11,000 عنصر من قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.
وفي هذا الإطار وبالتزامن مع الحديث الفعليّ من قبل الحكومة اللبنانية، وشبه موافقة “حزب الله” على تطبيق القرار 1701، والدعم الذي ظهر في مؤتمر دعم لبنان لتطويع 1500 جنديّ لبنانيّ في الجنوب وتجهيز الجيش، اعتبر العميد الركن المتقاعد خليل الجميّل، قائد قطاع جنوب الليطاني سابقًا، أنّ الجيش قادر على ضبط الحدود الجنوبية إذا عُزز عديده وعتاده.
وردًا عن سؤال بشأن إمكانية أن يسيطر الجيش بمفرده على الخط الحدودي، شرح قائد قطاع جنوب الليطاني السابق الذي يعرفه جيدًا، أنّ “قطاع جنوب الليطاني هو قطاع شاسع وحدوده الجنوبيّة طولها نحو 120 كيلومترًا، مع طبيعة وعرة من الوديان العميقة والغابات الكثيفة، ولذلك فإنّ مراقبة هذه الحدود بشكلٍ فعال ليست بالأمر السهل، وتحتاج إلى عديد كبير من العناصر ومعدّات مراقبة متطوّرة، فبعد أن يزيد الجيش عديده إلى النحو الذي كان عليه عام 2006، سيتمكّن من تعزيز مراكزه الأماميّة على طول الخطّ الأزرق، لمراقبة وضبط الخروقات المعادية، واستحداث مراكز جديدة لسدّ الثغرات غير المُراقَبة على طول الحدود”.
والخطة الموضوعة لتطويع عناصر جدد في الجيش اللبناني، تنقسم إلى 4 سنوات، حيث سيتم تطويع 1500 في كل عام، بحيث يصبح عدد المتطوعين الجدد 6000 جندي، ومقابل هذا العدد سيسحب الجيش مقابلهم 6000 عنصر مدربين من القطاعات كافة لنشرهم في الجنوب، وذلك لأنهم مدرّبون ومجهزون لهذه المهمة، وهكذا يصبح العدد الفعليّ لعناصر الجيش على الحدود 10,500 عنصر. ويعتبر الجميّل أنّ هذا الرقم كافٍ لضبط الحدود مع المعدات التي يجب أن يحصل عليها الجيش لتسهيل مهمته .
المعدات التي يحتاجها الجيش اللبناني لضبط الحدود
ويعتبر البعض أنّ عملية انتشار الجيش اللبنانيّ بمفرده على الحدود الجنوبية، ومنع وجود أيّ سلاح غير تابع للشرعية اللبنانية هناك، تحتاج إلى قرار سياسيّ ودعم خارجيّ كبير. ويوضح العميد الركن المتقاعد الجميّل، أنه في حال اتخذت الحكومة اللبنانيّة القرار السياسي، ومن أجل ضبط الحدود بشكلٍ أفضل، يحتاج الجيش إلى:
أجهزة ومعدّات حديثة ومتطوّرة للمراقبة.
وسائل مراقبة ليليّة حراريّة متطوّرة.
أبراج مراقبة مزودة بكاميرات تتشابك قطاعات مراقبتها على طول الحدود.
وبحسب العميد الركن السابق، “كل هذه الأجهزة المتطوّرة يجب أن تكون متّصلة بغرف عمليّات ومراقبة فرعيّة، مُرتطبة جميعها بغرفة عمليّات مركزيّة”.
وأوضح، “أنه يجب تعزيز الجيش بآليّات سريعة وحديثة من مختلف القياسات والأحجام، للتدخل السريع في جميع الظروف المناخية، وعلى الطرقات والمسالك الحدوديّة الوعرة، لكشف أيّ خرق معادٍ.
كما يجب تزويد الجيش برادارات جويّة وبحريّة متطوّرة، لضبط الخروقات الجويّة والبحريّة المعادية، وكشف أيّ مسيّرات أو أجسام طائرة، أو زوارق تنتهك المجال الجوّي أو البحرّي اللبناني.”
سحب السلاح واستلام مراكز “حزب الله”
لكن تبقى نقطة عالقة ومهمة جدًا، وهي كيف سيتعامل الجيش اللبنانيّ مع وجود مراكز “حزب الله” فوق الأرض وتحتها، وسلاح الحزب الموجود في مخازن محصّنة بالجنوب. وفق العميد الركن المتقاعد الجميّل، فإنه “في حال اتخذت الحكومة اللبنانيّة القرار بذلك، وأعطت الأوامر الواضحة للجيش، فإنه من الأكيد أنّ هذه المراكز ستكون في عهدة الجيش اللبناني”، والأمر نفسه ينسحب على موضوع سلاح “حزب الله”، فإنه “مع الضوء الأخضر السياسي، لدى الجيش العناصر المتخصّصة والمعدّات اللازمة للقيام بذلك، بالإضافة إلى القدرة على التخلّص من مخلفات الحرب من الأسلحة والذخائر غير المنفجرة، والتي تشكّل خطرًا على السكان والبيئة”.
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد زيادة عديد الجيش اللبنانيّ في الجنوب اللبناني، هل لا تزال هناك ضرورة لبقاء قوات اليونيفيل في الجنوب؟، يؤكد قائد قطاع جنوب الليطانيّ السابق، أنّ “قوات اليونيفيل هي قوات موقتة بحسب تسميتها، ومهمّتها تتجدّد سنويًا، وعندما ترى الحكومة اللبنانيّة بأنّ وجود هذه القوات لم يعد ضروريًا، وبأنّ الجيش اللبنانيّ أصبح بمقدوره القيام بالمهمّة منفردًا، عندها يُمكن الطلب من الأمم المتحدة عدم الحاجة إلى تجديد مهمتها، ولكن حاليًا فإنها تُمثّل ضرورة لبنانيّة ودوليّة، ووجودها إلى جانب الجيش اللبنانيّ هو حاجة وعامل يبعث على الاستقرار والأمان”.
وهناك مطالبة من المجتمع الدوليّ لتطبيق القرار الأممي 1701 في جنوب لبنان، القاضي بنشر الجيش اللبنانيّ بمفرده بجنوب الليطاني وسحب السلاح الموجود هناك، وباتت الحكومة اللبنانية بعد تهجير 1.2 مليون شخص من الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، متمسكة به أكثر من أيّ وقت مضى، وهناك موافقة كاملة من “حزب الله” عليه وفق ما أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مؤتمر دعم لبنان في باريس.