مرحبا وقف إطلاق نار!

تكثر الأحاديث في الأيام الحالية عن مساعٍ لوقف إطلاق النار بين “حزب الله” والعدو الاسرائيلي بعدما “بلغ السيل الزبى” يقودها داخلياً الرئيس نبيه بري وخارجياً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ناهيك عن الدعوات المتكررة من جميع أصقاع الدنيا الى ضرورة لجم التصعيد القائم حالياً.

غير أن التطورات الميدانية تشي بأن هذه المساعي تصطدم، كالعادة، برفض رئيس حكومة الكيان الصهيوني المجرم بنيامين نتنياهو أي مسعى يضع حداً لجنونه وأحلامه “التلمودية”، وقد شهدنا بعضاً من الفصول نفسها طوال العام الماضي خلال المساعي التي بذلتها قطر ومصر إلى جانب أميركا وفرنسا لوقف عملية التدمير الممنهج في قطاع غزة و”المحرقة” التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني.

ففي كل مرة كانت الوساطات تتكلل باجتماعات يشارك فيها ممثلون عن حركة “حماس” وحكومة العدو بحضور الموفدين القطريين والمصريين والأميركيين، يضع نتنياهو شرطاً تعجيزياً بعد آخر لعرقلة المفاوضات، في الوقت الذي يصدر أوامره الى جيشه بالاستمرار في عمليات القتل والتدمير الممنهج لتنفضّ هذه المفاوضات وتتأجل وساطات وقف إطلاق النار.

وما يجري حالياً في لبنان، يشابه إلى حد كبير ما درج “ملك إسرائيل” على فعله طيلة العام الماضي، فيوماً يضع شرطاً لابعاد “حزب الله” إلى الشمال، ويوماً يقول إنه يقبل بوقف إطلاق النار مع “الحزب” شرط أن تفرج حركة “حماس” عن الأسرى الاسرائيليين الموجودين لديها منذ عملية “طوفان الأقصى”، ويوماً يتهم قوات الطوارئ الدولية “اليونيفيل” بأنها تعمل كستار لمقاتلي الحزب الذين ينفذون عملياتهم انطلاقاً من مواقعها، ويطالب بانسحاب هذه القوات، وكل هذه الشروط ليست سوى أعذار واهية ليستكمل مخططه التدميري الممنهج للبنان.

ثم وفي احدى “مزحاته” السمجة، طالب الرئيس الفرنسي “حزب الله” بأن يوقف إطلاق النار فوراً، من دون أن يقدّم أي ضمانة بالتزام العدو الصهيوني ذلك في المقابل، وهذا أمر لا يعقل أن يقبل به أي فريق يخوض حرباً، خصوصاً أن قدرة “الحزب” على إلحاق الأذى الكبير بالعدو لم تتراجع ووصلت إلى حد تنفيذ “الوعد الصادق” بإيصال صواريخه إلى “ما بعد بعد حيفا”.

في المسار العسكري الذي بدأته إسرائيل منذ السابع عشر من أيلول الماضي في لبنان، لم تستثنِ منطقة أو قرية ظنّت أو حصلت على معلومات “استخبارية” عن وجود أحد قياديي الحزب فيها إلا وأغارت عليها من أعالي الشوف إلى ساحله، إلى قلب العاصمة بيروت وصولاً إلى أعالي البترون وأخيراً في أعالي قضاء زغرتا، وتسببت في أضرار مادية وبشرية لا يبدو أنها شفت غليلها بها، على الرغم من أن إحدى هذه الهجمات كانت لشخصية استثنائية سيترحّم لبنان عليها وهي الأمين العام لـ “حزب الله” السيد الشهيد حسن نصر الله.

لا أعلم ما إذا كان “حزب الله” قد نصب قواعد لصواريخه في السوق التاريخي لمدينة النبطية، لكن إسرائيل رمّدته عن بكرة أبيه، في مؤشر إضافي على حقدها على لبنان ونيتها ضرب كل ما يمت إلى تاريخه وإرثه بصلة، حتى أن قصفها على مدينة بعلبك وبالقرب من قلعتها الشهيرة، قد يعرّض هذا المعلم الأثري لضرر قد لا يمكن تعويضه أبداً.

لكن الحزب في المقابل، لا زال على جهوزيته “العسكرية” ونجح لغاية اليوم في منع أي تقدّم لجيش العدو برياً باتجاه الأراضي اللبنانية، لكنه وجه ضربة حيّرت أجهزة الرصد الاسرائيلية من خلال تمكنه من إرسال مسيّرة هجومية إلى ثكنة لواء غولاني وحققت فيه إصابة موجعة كانت نتيجتها باعتراف العدو مقتل أربعة جنود وإصابة 67 آخرين بجروح متفاوتة بين البسيطة والخطيرة.

ويؤّكد مسؤول العلاقات الاعلامية في “حزب الله” الحاج محمد عفيف أن “الحرب طويلة ولا زالت في بداياتها” في حين أن نتنياهو يتوعد ويهدد بملاحقة “حزب الله” في جميع المناطق “حتى في بيروت”، فعن أي وقف لاطلاق النار يتحدثون؟

يقول نائب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم إن الحزب فوّض “الأخ الأكبر” الرئيس نبيه بري التفاوض حول وقف فوري لاطلاق النار، فهل إن تحقيق هذا الأمر ممكن في ظل هذه الهمجية والدموية الاسرائيلية؟

وحده الزعيم وليد جنبلاط تنبأ بأن الحرب طويلة وقد تستمر أعواماً، وهذا ما هو واضح حتى كتابة هذه السطور، وإذا كان هناك من قرار “أممي” بإنهاء الأذرع العسكرية الايرانية في المنطقة، من الحوثي في اليمن، إلى الحشد الشعبي في العراق وصولاً إلى “حزب الله” في لبنان، فإن السؤال الذي ينبغي طرحه هو: كيف سيكون موقف ايران من “اجتثاث” نفوذها الاقليمي، هل ستتقبل هذا الأمر لقاء “حفنة” من المنافع والمصالح التي لا تنفك الولايات المتحدة تقدمها؟ النفي هو الجواب المرجح، وأعان الله لبنان وأبناءه جميعهم على ما سيأتي في المقبل من الأيام.

صلاح تقي الدين ـ لبنان الكبير