حبيب شلوق
في بدايات السبعينات التقينا الأستاذ شوقي أبو شقرا في جريدة “النهار”. كنا يومها جيران. هو في “مملكة النهار” ونحن في “مملكة كلية الحقوق” في الجامعة اللبنانية، إلا أننا كأعضاء في مجلس فرع الكلية ممثلين “حركة الوعي” التي كنت من أركانها وأنا مسؤول شؤون المطبوعات في مجلس الفرع، كانت لنا مرجعيتان الأولى المدير العام لوزارة الإعلام رامز الخازن الزغرتاوي القريب من رئيس الجمهورية سليمان فرنجية ومكتبه في الوزارة قبالة “النهار”، والثانية ملهمنا رئيس تحرير “النهار” أستاذ ميشال أبو جودة في الطبقة السادسة ومنها “نتدحرج” على الدرج إلى الطبقة الثانية حيث مكتب الأستاذ شوقي أبو شقرا ساحر ذلك الجيل بصفحته الثقافية وعناوينها التي لا تضاهيها عناوين. كانت “نهار” غسان تويني نائب رئيس “حكومة الشباب” ووزير الإعلام ومحبوب الجيل الصاعد يحملها طلاب الجامعات معهم كل صباح كزاد يومي. من دون أن ننسى “الحج” من كل الأحزاب يومياً مرة أو أكثر إلى منزل العميد ريمون إده على بعد أمتار في محلة الصنائع.
ولندخل في التفاصيل.
ولأنني عاشق السياسة وأركانها المميّزين موالاة ومعارضة في تلك المرحلة،ثابرت بعد “نزوحي عن عشيقتي” حقوق الحمراء إلى حقوق جل الديب، على زيارة حقوق الصنائع لأن قلبي ظل هناك… وما الحب إلا للحبيبِ الأولِ. وكنت أزور الحقوق و”النهار” والأستاذين ميشال وشوقي، وطبعاً العميد ريمون إده حتى مغادرته إلى باريس بعد لقاء عقده في منزله غداة الدخول السوري إلى لبنان في حزيران 1976.
وتجيء الأيام وتذهب ، وأتلقى دعوة من مدير التحرير “معلم الكل”الأستاذ فرنسوا عقل للقائه، طبعاً بتزكية من زملاء ، لتغطية أخبار المنطقة الشرقية، بعدما كان زملاء فيها يستعينون بي كل يوم للحصول على نشاطات معينة.وطبعاً وافق أستاذ فرنسوا من دون تردد بعد جمعه كل “المعلومات”،عني وعن ميولي السياسية وبت “زميلاً “للإستاذين ميشال وشوقي.
منذ ذلك الوقت كنت أزور شوقي ، وأزور ميشال الذي إذا لم أزره كان يزورني وعدد من الزملاء في الطابق الثالث حتى أنه اصطفاني لأكون رفيقه في مقابلات مع زعماء طوال ثلاث سنوات وكان يختم زاويته من حقيبة النهار” المخصصة له في الصفحة الأولى بعبارة “حاوره ميشال أبو جودة وحبيب شلوق”. وبتواضع أقول أن كل الأحاديث كنت أكتبها من دون أي تدخل من الأستاذ ميشال، فالثقة “مطلقة”.علماً أن معظم اللقاءات كان فيها ميشال أبو جودة المتحدث وضيوفه الناصتين إليه.
ولكن شوقي لم ينل ما يستحقه، فتكوكب عدد من أخصامه “الفكريين” مستعينين بتغييرات على مستوى عال في “النهار” … وأطاحوه.
يومها ودّعت شوقي ابو شقرا والدمعة في عينيه إن لم نقل أنه كان يبكي. فهو لم يترك “النهار” بل هم “ترّكوه”.
شوقي أبو شقرا معلم الأجيال ومحدّث الشعر والأدب، الفنان الرسام بعناوينه، القائد بالفكر وليس بالسيف، ذلك الملهم الذي كان وهو يلهو، يحرك الفكر النائم في ضمائر القراء …
مستحيل أن تأتي الصحافة بكنوز كما عرفت “نهار” غسان من ميشال أبو جوده إلى لويس الحاج وشوقي أبو شقرا ومارك رياشي رحمهم الله، إلى مدير التحرير وضابط الإيقاع فرنسوا عقل وإميل خوري أطال الله عمرهما. كلهم كانوا رفاق “المعلم”.
صديقي أستاذ شوقي اصطفاك الله فدعاك اليه، ونحن سنشتاق كثيراً إلى كل كلمة كتبتها طوال حياتك.
شوقي أبو شقرا مات مرتين: أمس وعندما “ترّكوه” “النهار”.