حال الحزب المشتبك في حربٍ مع إسرائيل على مستوى الجبهة الشمالية كلّها، يشبه حال حماس المشتبكة على الجبهة الجنوبية… في أمر الشرعية.
الجبهتان وقد دخلتا عامهما الثاني، سيجرّان جبهة ثالثة ستندلع مع إيران، وهاتان الجبهتان سجّلتا أعلى منسوب خسائر على مستوى القادة والكوادر والناس.
إذا ما انفجرت الجبهة الإيرانية، فليس بوسعنا تقدير الخسائر، خصوصاً إذا لم يكن انفجارها ضمن مستوىً متّفق عليه على غرار ما حدث في السابق.
الطرف الإسرائيلي على الجبهتين المشتعلتين، في لبنان وغزّة، والجبهة الثالثة التي ستشتعل في إيران، قرّر مواصلة الحرب لتصفية حسابه مع الجبهات الثلاث، دون أن يفارقه حلم انضمام أميركا والناتو إليه، ودون أن يتحقّق له سلماً ما يسعى إليه حرباً. مع ذلك فإنّ شهيّته للقتل والتدمير في ازدياد مطّرد. بل إنّه يخالف العالم كلّه في مسألة الحرب الإقليمية الواسعة. فهذه الحرب، إن كانت غير مقبولة من العالم كلّه، فهي مرغوبة تماماً بالنسبة لإسرائيل. إذ فيها كلّ ما تسعى لتحقيقه إذا ما انجرّت أميركا والناتو وراءها.
ما هو المعروض أمام حماس؟
في سياق معالجة اليوم التالي لحال جبهة غزة، بعد انتهاء الحرب، يُقترح على حماس أن تتخلّى عن موقفها القديم، المتحفّظ على دخولها منظمة التحرير، وأن تتخلّى عن حكمها لغزّة وفق صيغتها القديمة القائمة على السيطرة المنفردة عليها. وإذا كان صعباً أو محرجاً التحوّل الدراماتيكي عن الموقف القديم، إلى موقف جديد مختلف ينطوي على تنازلات، فقد طُرحت صيغة مخفّفة مثل تشكيل لجنة مشتركة بين حماس وفتح وباقي مكوّنات الساحة الفلسطينية لإدارة شؤون غزة، والأولوية فيما يبدو جزئية للغاية تبدأ بإدارة معبر رفح إذا كان ذلك متاحاً وقبلت إسرائيل.
الحزب جزء لا يتجزّأ من بنية الدولة ونظامها ومؤسّساتها، وبوسعه دون أن تسجّل عليه هزيمة أن يندمج بصورة أكثر إيجابية في النظام
مغزى ما هو مقترح على حماس أن تستفيد من الشرعية التي تتمتّع بها منظمة التحرير، والسلطة في رام الله. ويبدو أنّ حماس لم تحسم أمرها نهائياً في هذا الاتجاه، مع أنّها تناور في الوقت الضيّق لتحسين شروط دخولها المنظمة والاستفادة من شرعيّتها التي ما تزال هي الشرعية الفلسطينية الوحيدة المعترف بها من قبل العالم كلّه بما في ذلك من قبل حماس ذاتها.
ما الخيارات أمام الحزب؟
في الإطار العامّ ما يُقترح على حماس يُقترح على الحزب، حيث شرعية الدولة ونظامها السياسي. ويبدو أنّ وضع الحزب في هذه الحالة أفضل كثيراً من وضع حماس، ذلك أنّ خيمة شرعية الدولة والنظام أكثر جاهزية وكفاءة عملية من شرعية منظمة التحرير والسلطة في رام الله، حيث الإنكار الإسرائيلي لها ولما يمكن أن يُبنى عليها.
الحزب جزء لا يتجزّأ من بنية الدولة ونظامها ومؤسّساتها، وبوسعه دون أن تسجّل عليه هزيمة أن يندمج بصورة أكثر إيجابية في النظام. وهو يعرف المستحقّات المترتّبة عليه لتسيير أموره وأمور البلد في اتّجاه صحيح. ومهما قدّم من مبادرات إيجابية فلا خسارة بالقياس للخسارات الفادحة التي تصيبه وتصيب البلد معه لو بقي الحال على ما هو عليه الآن.
ذلك… وما زلنا على جبهتين ولم نصل بعد إلى الثالثة. فهل يختار المحاربون في الحزب وحماس مواصلة ما هم عليه، أم يذهبون إلى الشرعيات المتكرّسة في بلادهم؟
حماس والحزب هما من يتعيّن عليهما أن يقدّما الجواب.
المسار العسكري على الجبهتين يملي الحاجة إلى الاستفادة من الشرعيات القائمة من أجل المخارج والحلول السياسية. أمّا إذا ضاع الوقت الثمين في انتظار ما سيحدث مع إيران، فلا أحد يعرف هل ما هو متاح الآن يمكن أن يكون متاحاً بعد ذلك.