آموس هوكشتاين هو الذي أعطى “الضوء الأخضر” الأميركي لإسرائيل لكي تصعّد عملياتها العسكرية ضد حزب الله بهدف القضاء عليه وإضعاف موقف إيران في المنطقة. ويبدو أنه نفَّذ المهمة بصفته جندياً سابقاً خدم في صفوف الجيش الإسرائيلي، وليس بصفته مبعوثاً خاصاً للرئيس الأميركي، جو بايدن، وإلا كيف يمكن لمن يفترض أن يكون “وسيطاً محايداً ونزيهاً” أن يدفع نحو إغراق منطقة الشرق الأوسط كلها في حرب مدمرة؟ آموس هوكشتاين، هو أحد الأعضاء الأكثر نفوذاً في فريق السياسة الخارجية للإدارة الأميركية. فعلى مدار العام الماضي كان- وما يزال يتنقل بين واشنطن وتل أبيب وبيروت بصفته مبعوثاً دبلوماسياً رفيع المستوى للرئيس الأميركي جو بايدن. وهو أيضاً واحد من مسؤولين إثنين في البيت الأبيض، “أخبرا إسرائيل، سراً، أن واشنطن تؤيد قرار تكثيف الضغوط العسكرية على حزب الله. وبالتالي تدعم خطط رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للقضاء على الحزب”، وفقاً لمجلة “بوليتيكو“. وهوكشتاين كان أيضاً جندياً في الجيش الإسرائيلي. وهذا الماضي- أكثر من أي شيء آخر- هو ما يثير الدهشة حول المهام التي يتولاها. فكيف يُمكن لشخص بهذا التاريخ المهني أن يُعَيَّن في منصب “وسيط” في منطقة مثل الشرق الأوسط مهددة بأن تغرق في حروب مدمرة بسبب التهديدات الإسرائيلية المستمرة؟ في تعليق له على الموضوع، قال كريم مقدسي، أستاذ السياسة الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت: “أعتقد أن تعيين هوكشتاين في المنصب الذي يتولاه يُخبرنا بكل ما نحتاج لمعرفته عن ماهية الوساطة الأميركية في الشرق الأوسط. فهذا الشخص كان محامي إسرائيل في محادثات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وخدم في صفوف الجيش الإسرائيلي كجندي مقاتل، واليوم يلعب دور المبعوث الخاص للإدارة الأميركية إلى الشرق الأوسط.. إنها مفارقات عجيبة لكنها تؤكد لنا بوضوح تام أن إسرائيل هي الشاغل الحقيقي والوحيد للسياسة الأميركية. إنها سياسة استخدام الجزرة (هوكشتاين) أو العصا.. وفي الحال التي نحن فيها كلاهما عصا”. *** على مدى الأسابيع الأخيرة، تزايدت علامات الاستفهام والتكهنات بخصوص الدور والمهام التي يديرها هوكشتاين، خصوصاً بعد الإخفاقات المتتالية التي مُنيت بها كل محاولات وقف إطلاق النار وخفض التصعيد في المنطقة. ففي حين كانت إدارة بايدن تدفع- في العلن- باتجاه وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، كان هوكشتاين- خلف الكواليس- ومعه مسؤولون أميركيون كبار آخرون؛ منهم كبير مستشاري الشرق الأوسط بريت ماكغورك؛ يؤكدون لنظرائهم الإسرائيليين أنهم يتفقون مع “الاستراتيجية الواسعة النطاق التي وضعها نتنياهو لتركيز العمليات العسكرية في الشمال، تمهيداً لإجبار حزب الله على إنهاء الصراع”، بحسب موقع “بوليتيكو”. كان المسؤولون الأميركيون قد اقترحوا، في البداية، “توخي الحذر”، لكنهم في النهاية رأوا أن اللحظة مناسبة للتصعيد من أجل إضعاف موقف إيران في المنطقة. وبحسب “بوليتيكو”، فإن هوكشتاين وماكغورك وغيرهما من كبار مسؤولي الأمن القومي الأميركيين وصفوا العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل على لبنان بـ”اللحظة التاريخية الحاسمة التي ستُعيد تشكيل الشرق الأوسط لسنوات مقبلة”. بعد أيام من التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان، أفاد موقع “إكسيوس” أنه بينما أعرب رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي عن رغبته في المضي قُدماً في حل دبلوماسي، أعلن هوكشتاين أن الاقتراح الذي طرحته واشنطن في حزيران/يونيو الماضي “لم يعد مطروحاً على الطاولة”. وذهب إلى أبعد من ذلك عندما كتب على مواقع التواصل الاجتماعي يقول: “في الأيام القليلة الماضية، سمعنا الكثير من التقارير الخاطئة وغير المسؤولة. الولايات المتحدة لم تعطِ الضوء الأخضر للعمليات العسكرية الإسرائيلية على لبنان. وفي نهاية المطاف، وحده الحل الدبلوماسي هو الذي سيعيد السكان إلى ديارهم. ونحن نواصل العمل مع حكومتي إسرائيل ولبنان من أجل استعادة الهدوء”. طوال هذا الوقت، كانت إسرائيل تُصعّد هجماتها ضد لبنان: المقاتلات الحربية تشنّ غارات مكثفة بشكل متواصل، وتكاد لا تستثني أي منطقة في أنحاء لبنان، بما في ذلك العاصمة بيروت، والجيش الإسرائيلي يواصل محاولاته (منذ حوالي الأسبوعين) لتنفيذ غزو برّي. ومع هذا التصعيد المخيف من قبل إسرائيل، يبدو أنه قد تم تهميش كل الجهود التي كان يُعوَّل عليها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار من قبل واشنطن وتل أبيب. فالبيان الذي أصدره البيت الأبيض، عن المكالمة الأخيرة التي أجراها بايدن ونائبته كامالا هاريس (الأربعاء الماضي) مع نتنياهو لم يتضمن كلمة واحدة بخصوص وقف إطلاق النار. *** قد يبدو صعود هوكشتاين من جندي إسرائيلي، إلى مستشار طاقة، ثم إلى أحد أكثر مستشاري بايدن ثقة بشأن الشرق الأوسط على الرغم من خلفيته مثيراً للدهشة. لكن البعض يزعم أن هذا الصعود كان بسبب تلك الخلفية فقط. ولد هوكشتاين في إسرائيل عام 1973، وخدم في الجيش الإسرائيلي عندما كان شاباً، وكان في فرقة الدبابات. في عام 2012، وكان هوكشتاين آنذاك يخدم في وزارة الخارجية كنائب مساعد وزير الخارجية لدبلوماسية الطاقة، أكدت زوجته، في مقابلة صحافية أن “زوجي إسرائيلي”. وعندما حاول موقع “زيتو” التأكد من وزارة الخارجية الأميركية ما إذا كان هوكشتاين قد حصل على الجنسية الإسرائيلية في يوم ما؟ وما إذا كان قد تخلى عنها- في حال كان قد حصل عليها، أحالت الوزارة السؤال إلى البيت الأبيض. واكتفى مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض بالإشارة إلى أن “هوكشتاين ليس مواطناً مزدوج الجنسية”، من دون أن يذكر أي تفاصيل أو توضيحات أخرى. كذلك رفض هوكشتاين نفسه الإجابة على الأسئلة التي طرحها عليه “زيتو” بخصوص ماضيه ودوره الحالي. إقرأ على موقع 180 عالمنا المأزوم.. فُرصُ تغيّيره بأي اتجاه؟ *** تصف صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية هوكشتاين بأنه “شخصية جذابة في بدلاته الضيّقة وشعره المصفف للخلف”. وتقول إنه بدأ حياته المهنية في واشنطن، في العام 1994 (21 عاماً)، كموظف في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب. ومنذ ذلك الحين، تنقل بين وظائف مختلفة في القطاعين الخاص والعام. ومن المهام البارزة التي تولاها، الضغط لصالح بعض الأحزاب المشكوك فيها، مثل غينيا الاستوائية ورئيسها تيودورو أوبيانغ نغيما، الذي اتُهمت حكومته بارتكاب “جرائم قتل وإبادة، وعمليات اختطاف، وتعذيب ممنهج للسجناء والمعتقلين”. وكذلك مهام خاصة بشركة “ماراثون أويل”، التي سعت للحصول على إعفاء من قانون أميركي يخوّل القضاء الأميركي ملاحقة الحكومات الأجنبية والجهات المتهمة بقضايا إرهاب (كانت العديد من شركات النفط العملاقة مثل “ماراثون أويل” قد وقَّعت صفقات في عهد الزعيم الليبي معمر القذافي). كما عمل هوكشتاين في المجلس الإشرافي وتولى التنسيق مع شركة الغاز الطبيعي، “نافطوغاز“، المملوكة من الدولة الأوكرانية. وعمل كذلك مستشاراً لشركة غاز طبيعي، ومقرها الإمارات. بدأ هوكشتاين العمل في وزارة الخارجية في العام 2011 في عهد إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. في الوقت نفسه، كان يعمل أيضاً كمستشار مقرَّب لنائب الرئيس آنذاك (بايدن). بعد عدة سنوات، ومع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، تم تعيين هوكشتاين في منصب “كبير مسؤولي الطاقة” في وزارة الخارجية قبل ترقيته إلى مستشار أول في البيت الأبيض، العام الماضي. وعن تلك الفترة يقول مسؤول كبير في الإدارة الأميركية: “كنَّا كلما نحتاج لإجابة، أو شرح، أو نصيحة تتعلق بأمور الطاقة كان بايدن يطلب منا الاتصال بهوكشتاين. كان رجل الطاقة المفضل لدى بايدن، وكان الأخير يحترمه ويثق به كثيراً..”. من الواضح أن بايدن وضع ثقة هائلة في هوكشتاين. فأثناء عمله كواحد من مبعوثيه الرئيسيين إلى السعودية، كان هوكشتاين هو من أقنع بايدن بالعدول عن فكرة “نبذ ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان”. وكان بايدن قد تعهد في بداية تسلمه السلطة بـ”جعل المملكة السعودية منبوذة”، على خلفية مقتل الصحافي السعودي في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في اسطنبول عام 2018. وبرغم خلفيته العسكرية وخبرته في الجيش الإسرائيلي، بدا هوكشتاين وكأنه اكتسب ثقة المسؤولين اللبنانيين. ففي 27 تشرين الأول/أكتوبر 2022، نجح في التوسط، ومن ثم توقيع اتفاق تاريخي بين إسرائيل ولبنان بشأن حدودهما البحرية المتنازع عليها. ومع ذلك، حتى في ذلك الوقت، كان تعيينه لإدارة ملف تلك المفاوضات محل تساؤل، بما في ذلك من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية. فقد كتبت الصحافية في صحيفة “هآرتس”، كارولينا لاندسمان، تقول “في المناقشات الإعلامية العاصفة- المؤيدة والمعارضة- التي رافقت اتفاقية الغاز بين إسرائيل ولبنان، لم أجد تعليقاً واحداً متناقضاً حول وضع الوساطة الأميركية بين الطرفين في أيدي جندي سابق في طاقم دبابة إسرائيلي (آسفة، أميركي من أصل إسرائيلي). وأنا أتساءل عمَّا إذا كان أي وسيط أميركي ولد في بيروت وخدم في حزب الله كان ليُستقبل في تل أبيب بنفس الراحة والسهولة التي أُستُقبِل بها هوكشتاين في لبنان” (…). *** منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تحول دور هوكشتاين من التركيز الظاهري على الطاقة إلى الاهتمام المباشر بالصراع المسلح في الشرق الأوسط. وقد أثار هذا المزيد من الأسئلة، نظراً لخدمته السابقة في صفوف جيش يمثل أحد طرفي الصراع. وفي هذا الإطار، تقول مها يحيى، مديرة مركز “مالكولم كير كارنيغي” للشرق الأوسط في بيروت: “في حين يتمتع هوكشتاين بعلاقة جيدة مع مختلف الجهات السياسية الفاعلة في لبنان، فإن الأحداث الأخيرة ربما ساهمت في تآكل مصداقيته.. طبعاً يعتمد الأمر على الجهة التي تسألها عن العلاقة بهوكشتاين. ولكن بشكل عام، فإن الأمر بات مشكوكاً فيه إلى حد كبير، وخاصة بعد أن تبين أن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذ غزو برّي جديد للبنان. كانت هناك أسئلة كثيرة حوله كوسيط محايد، نظراً لماضيه كجندي سابق في الجيش الإسرائيلي. وقد تكثفت هذه الأسئلة الآن”. بدوره، قال إريك سبيرلينغ، المدير التنفيذي لمنظمة “غاست فورين بوليسي”: “من المذهل أن يتمكن جندي إسرائيلي سابق، يعمل من داخل الإدارة الأميركية، ويتولى مهام الوسيط في صفقات الطاقة لصالح ‘إسرائيل نتنياهو‘ دون أن يبدي أي أحد في الدوائر السائدة أي اهتمام أو رد فعل!”. وأضاف سبيرلينغ: “لا يمكن للمرء إلا أن يتخيل كيف كانت لتكون ردود فعل وسائل الإعلام لو أن أميركياً من أصل عربي- وكان عضواً في تنظيم متطرف – يُسمح له بعقد لقاء واحد مع قائدنا الأعلى المُسن والضعيف (بايدن)”؟ هذا ما يُسمى بـ”عقيدة هوكشتاين”! – ترجمة بتصرف عن “زيتو“، وهي “منظمة إعلامية جديدة، تسعى للإجابة على الأسئلة المهمة، وتسعى دائماً إلى الحقيقة”..
خبر عاجل
-
قراءة في صحف اليوم
-
هل تُعلن فعلاً اليوم، “نهاية” أشرس الحروب التي شهدها لبنان بعد شهرين وبضعة أيام من اشتعالها مخلفة دماراً وقتلاً وضحاياً وتهجيراً ونازحين وخسائر لا حصر لها أعادت لبنان عقوداً إلى الوراء؟
-
مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم الاثنين 25/11/2024
-
بانوراما المساء: واشنطن مقتنعة بالتوصل لوقف إطلاق النار في لبنان واحتمال اعلانه غدًا
-
كلام إيناس.. أين الإستقلال؟