بنيامين نتنياهو هو الذي بادر إلى الحرب المفتوحة في لبنان وليس حزب الله، وذلك عندما “غدر” بحلفائه الأميركيين والفرنسيين بإيهامهم بقبوله الدعوة إلى وقف مؤقت لإطلاق النار بينما كان يخطط لاغتيال السيّد حسن نصرالله، ويدفع باتجاه فتح حرب شاملة على لبنان، تمهيداً لإشعال حرب إقليمية في المنطقة، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية. كان كل شيء يبدو وكأنه كان يسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق “إنفراجة” تمنع إندلاع حرب مفتوحة بين إسرائيل وحزب الله، وتمهد لتحقيق الإستقرار والسلام في الشرق الأوسط. كان ذلك عندما صاغ مسؤولون من الأمم المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة بياناً يدعو إلى وقف مؤقت لإطلاق النار، لمدة ثلاثة أسابيع، ومنع تحول الصراع بين إسرائيل وحزب الله، المتواصل منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إلى مواجهات مباشرة وحرب موسعة ممكن أن تتدحرج وتطال المنطقة كلها. وقد عرض المسؤولون بيانهم على الطرفين (إسرائيل وحزب الله) للنظر فيه. وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن أربعة دبلوماسيين غربيين وثلاثة مسؤولين لبنانيين؛ مطلعين على المحادثات الخاصة بـ”البيان”؛ قالوا إن المبعوث الأميركي الخاص، آموس هوكشتاين، نفسه أكد لمسؤولين من الأمم المتحدة ولبنان أن “إسرائيل مستعدة للموافقة” على البيان. وقالوا أيضاً إن الأمين العام لحزب الله، الشهيد السيّد حسن نصرالله، بعث برسالة عبر وسيط مفادها أن حزبه يدعم الدعوة إلى وقف إطلاق النار “لكونها تحدثت عن تطبيق قراري مجلس الأمن: المتعلق بالصراع بين لبنان وإسرائيل (رقم 1701) والخاص بوقف الحرب في غزَّة (رقم 2735)”، بحسب مسؤول أميركي. لذلك، وبينما كان زعماء العالم يشاركون في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في يوم 25 أيلول/سبتمبر الماضي، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الخطة، وأصدرا البيان الخاص باقتراح وقف إطلاق النار لمدة معينة، وتوقعا أن يتبع ذلك تبني الأطراف المتحاربة للبيان بشكل علني. ولكن بعد يومين، وقبل أن يتمكن الدبلوماسيون من صياغة اقتراح مفصل ومتكامل لوقف إطلاق النار، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على منبر الأمم المتحدة يهدد ويتوعد، قائلاً: “إن إسرائيل يجب أن تهزم حزب الله في لبنان”. وبعد دقائق معدودة، أسقطت الطائرات الحربية الإسرائيلية عشرات الأطنان من القنابل على الضاحية الجنوبية لبيروت، ما أدى إلى اغتيال السيّد نصرالله والقضاء على مبادرة وقف إطلاق النار في مهدها، وسد الطريق أمام إمكانية نجاح أي حل دبلوماسي على المدى القريب. والنتيجة، أن الحرب الموسعة – التي لطالما حذَّر منها الجميع – تستعر الآن في لبنان، وهناك خطر جديّ لأن تتمدد وتشعل الإقليم كله. كاد السلام أن يكون وشيكاً بينما تشنّ إسرائيل عدواناً شرساً وهمجياً ضد مناطق واسعة من لبنان، ويشتبك جنودها مع مقاتلي حزب الله عند الحدود، كشف تسعة مسؤولين مطلعين لـ”نيويورك تايمز” أن مسار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله “كان متقدماً أكثر بكثير مما أُعلن عنه. وأن ما حال دون تبلور المبادرة هو إقدام نتنياهو على اغتيال السيّد نصرالله”، تماماً كما سبق وفعل – قبل نحو عشرة أسابيع – عندما اغتال رئيس حركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران، وتسبب ذلك في تصلب موقف الحركة أكثر ضد أي مقترح لوقف إطلاق النار في غزَّة. بدوره، اتهم وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، إسرائيل بـ”نسف كل إمكانية للتوصل لتسوية”، وقال: “الإسرائيليون لا يريدون السلام.. إنهم يدفعون باتجاه مواصلة الحرب والاقتتال”. تعليقاً على خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة، قال مسؤولون أميركيون وفرنسيون: “لقد صُدمنا من كلامه.. كنَّا نتوقع منه أن يعلن دعمه للمبادرة.. كان يكذب”. وبعد وقت وجيز جداً من خطاب نتنياهو، أغارت مقاتلات إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، واستهدفت أحد مقار حزب الله، حيث كان السيّد نصرالله متواجداً.. وقتلته ويصرّ مسؤولون إسرائيليون على أنهم يسعون إلى إبعاد مقاتلي حزب الله عن الحدود حتى يتمكن عشرات آلاف النازحين الإسرائيليين من العودة إلى ديارهم في المستوطنات الشمالية. ويقولون إن وقف إطلاق النار وحده قد “لن يحقق عودة النازحين”. وفي هذا الشأن، كشف مسؤول إسرائيلي كبير لـ”نيويورك تايمز” أن إسرائيل انخرطت في محادثات أولية بشأن وقف محتمل لإطلاق النار، لكنها لم تكن أبداً بوارد الموافقة على الهدنة خلال زيارة نتنياهو إلى نيويورك. الدعوة إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في لبنان جاءت بعد أكثر من 11 شهراً من الجهود الدبلوماسية الفاشلة لوقف الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزَّة. وكان الهدف الأساس منها منع اندلاع حرب كبرى جديدة بين إسرائيل وحزب الله، التي بدأت بوادرها تلوح في الأفق مؤخراً، لا سيما بعد الهجمات التصعيدية الخطيرة التي ارتكبتها إسرائيل ضد حزب الله في الشهر الماضي: هجمات “البيجر” والأجهزة اللاسلكية، اغتيال مجموعة من قادة الصف الأول، وشن غارات جوية مكثفة طالت مبانٍ سكنية وأسفرت عن مقتل مئات المدنيين. وبعد ذلك بدأت إسرائيل تهدد وتلوح بتنفيذ غزو برّي للبنان. ولتلافي تفجر الوضع واتساع الصراع، بدأ مسؤولون من الأمم المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة ما وصفه أحد المسؤولين بأنه “جُهدٌ ضخم” للتفاوض على وقف مؤقت لإطلاق النار. لا عزاء للدبلوماسية المحادثة الأولى بخصوص وضع خطة لوقف إطلاق النار جرت في تاريخ 23 أيلول/سبتمبر الماضي بين كبار المسؤولين من البيت الأبيض وآخرين من إسرائيل. ثم تولى آموس هوكشتاين، زمام المبادرة، وأخبر المسؤولين اللبنانيين أنهم إذا تمكنوا من تأمين موافقة حزب الله، فإنه سيفعل الشيء نفسه مع تل أبيب، وفقاً لمسؤول لبناني ودبلوماسي مقيم في بيروت ومسؤول أميركي كبير. وقد نص الاقتراح على وقف القتال لمدة 21 يوماً للسماح للجهود الدبلوماسية أن تأخذ مجراها وتتوصل إلى هدنة طويلة الأمد. وبموجب الخطة التي كانت موضوعة، كان يتعين على حزب الله أن يُبعد مقاتليه وينقل أسلحته إلى شمالي نهر الليطاني (نحو 20 كلم عن الحدود)، وهذا مطلب إسرائيلي رئيسي. وكان السيّد نصرالله قد أكد، مراراً وتكراراً، أن حزب الله لن يتوقف عن شنّ هجمات ضد إسرائيل إلا بعد أن توقف عدوانها على غزَّة. وعلى هذا، فقد تضمن الاقتراح أيضاً وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة “حماس” في غزَّة، لتسهيل الحصول على موافقة وقبول السيّد نصرالله للاقتراح، بحسب مسؤولين مطلعين. كانت معظم الجهود الدبلوماسية تتم بأسلوب غير مباشر، لأنه لا توجد علاقات دبلوماسية بين لبنان وإسرائيل، كما أن الولايات المتحدة تصنف حزب الله على أنه “منظمة إرهابية”. إقرأ على موقع 180 تقرير “أمان”: سنتان للقنبلة النووية.. والحدود الشمالية قابلة للتفجر هوكشتاين هو من كان يتولى التعامل مع مكتب نتنياهو (عن الجانب الإسرائيلي) ومع رئيس مجلس النواب نبيه بري (عن الجانب اللبناني). وبحلول يوم الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر، بدا الأمر كما لو أن الجهود الدبلوماسية بدأت تؤتي ثمارها. ففي ذلك اليوم، استعرض المسؤولون في مكتب نتنياهو الاقتراح وأثاروا بعض المخاوف. لكن هوكشتاين أخبر مسؤولين من الأمم المتحدة وآخرين من لبنان أن إسرائيل وافقت من حيث المبدأ على العمل نحو وقف مؤقت لإطلاق النار، ما أدَّى إلى إشاعة بريق أمل في إمكانية التوصل إلى اتفاق، وفقاً للعديد من الدبلوماسيين (أصدرت الحكومة اللبنانية بيان ترحيب بالمبادرة الاميركية الفرنسية بناء على طلب هوكشتاين وكان يُنتظر صدور بيان مماثل عن حكومة نتنياهو إلا أنه لم يصدر). وبرغم ذلك، فإن ما تبين واتضح بعد ذلك هو أن إسرائيل كانت تعطي إشارات أمل كاذبة بينما هي في الواقع تخطط لقتل السيّد نصرالله بغض النظر عن كل الجهود الدبلوماسية والأوضاع الأمنية والتداعيات الخطيرة المرتقبة. وفي ذلك اليوم أيضاً (25 أيلول/سبتمبر)، التقى رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي ووزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب مع كل من هوكشتاين ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في أحد فنادق نيويورك. وعن ذاك اللقاء قال بو حبيب لـ”نيويورك تايمز”: “النقاش تركَّز على الخطوات التي ستلي الموافقة على اقتراح وقف إطلاق النار بشكل مؤقت.. فقد أبلغنا أن الأطراف المتحاربة أبدت استعدادها للمضي قُدماً”. وأضاف بوحبيب: “ذهبت إلى اجتماع مع الأميركيين على أساس أن الجميع في مركب واحد- إسرائيل وحزب الله. كنَّا جميعنا متفائلين، لأن حزب الله وإسرائيل كانا على استعداد لإنجاح الاقتراح”. وفي المساء، إتصل برّي من بيروت بميقاتي في نيويورك لكي يُبلغه أن حزب الله وافق على الصياغة التي يتضمنها مقترح الوقف المؤقت لإطلاق النار. وقال مسؤولان لبنانيان ودبلوماسيان غربيان إن برّي أبلغ هوكشتاين بذلك أيضاً. وفي تلك الليلة، أعلن بايدن وماكرون بيانهما المشترك، الذي أيّدته دول غربية وعربية أخرى، وشرحا مضمون الاقتراح . وصرح بايدن وقتها، قائلاً: “لقد حان الوقت للتوصل إلى تسوية على الحدود بين إسرائيل ولبنان تضمن السلامة والأمن لتمكين المدنيين- من الجانبين- من العودة إلى ديارهم. إن تبادل إطلاق النار منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والتصعيد الخطير الذي شهدناه خلال الأسبوعين الماضيين، يهدّد باندلاع صراع أوسع نطاقاً، وإلحاق المزيد من الضرر بالمدنيين”. وفي كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في اليوم التالي (26 أيلول/سبتمبر)، أكد ميقاتي دعم لبنان للمبادرة، لأنه قيل له إن حزب الله وافق عليها. وبحسب مصدر أميركي فإن قبول حزب الله بالمبادرة “استند إلى كونها تحدثت عن تطبيق قراري مجلس الأمن، 1701 (لحل النزاع اللبناني الإسرائيلي) والقرار 2735 لوقف الحرب في غزَّة- أي أن السيّد نصرالله ظلَّ متمسكاً بشرط عدم وقف الهجمات ضد إسرائيل إلا بعد أن تتوقف الحرب في غزَّة”. مراوغة وتضليل في المقابل، لم تصدر أي موافقة أو أي تأييد علني وصريح من الجانب الإسرائيلي. وفيما كان مسؤولون أميركيون يؤكدون أنهم ينتظرون بفارغ الصبر أن يصدر نتنياهو تأييداً علنياً للاقتراح، ومن جهة أخرى كان مسؤولون أميركيون وفرنسيون يطمئنون نظراءهم اللبنانيين بأن التأييد الإسرائيلي سوف يأتي، خرج عدد من المسؤولين الإسرائيليين ليتحدثوا عن انتقاداتهم ومعارضتهم لأي فكرة لوقف إطلاق النار. بحسب مصدر أميركي فإن قبول حزب الله بالمبادرة “استند إلى كونها تحدثت عن تطبيق قراري مجلس الأمن، 1701 (لحل النزاع اللبناني الإسرائيلي) والقرار 2735 لوقف الحرب في غزَّة- أي أن السيّد نصرالله ظلَّ متمسكاً بشرط عدم وقف الهجمات ضد إسرائيل إلا بعد أن تتوقف الحرب في غزَّة” مرّ ليل السادس والعشرين من أيلول/سبتمبر من دون أن يسمع الأميركيون أي تصريح من نتنياهو يقول فيه: “إن إسرائيل تتشاطر أهداف المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة”. وبحسب مسؤول أميركي مطلع “كان المشاركون في محادثات وقف إطلاق النار يأملون في أن يتم التوصل إلى إتفاق نهائي في اليوم التالي، 27 أيلول/سبتمبر، على أقصى تقدير. فالمسؤولون الأميركيون كانوا يتوقعون أن يتضمن خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إشارات واضحة عن موافقته ودعمه للمبادرة”. لكن نتنياهو فعل عكس كل توقعات حلفائه: تحدث بنبرة قاسية جداً، واستخدم أسلوب التهديد والوعيد، ولم يذكر أي شيء يتعلق بوقف إطلاق النار المقترح بل تعهد بأن تواصل إسرائيل القتال ومحاربة حزب الله و”حماس”. وتعليقاً على خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة، قال مسؤولون أميركيون وفرنسيون: “لقد صُدمنا من كلامه.. كنَّا نتوقع منه أن يعلن دعمه للمبادرة.. كان يكذب”. وبعد وقت وجيز جداً من خطاب نتنياهو، أغارت مقاتلات إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، واستهدفت أحد مقار حزب الله، حيث كان السيّد نصرالله متواجداً.. وقتلته. وعبَّر العديد من المسؤولين المطلعين عن صدمتهم مما حدث. وقالوا إنهم لا يملكون أي تفسير منطقي ولا أي مبرر لماذا تعمدت إسرائيل فجأة القضاء على فرصة مهمة جداً كانت لتضمن وقف إطلاق النار. وحالة الاستهجان وعدم الاستيعاب دفعت بهؤلاء إلى تبرير فعلة نتنياهو (اغتيال السيّد نصرالله) بالقول: “إما أنه تعرض لضغوط كبيرة من أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه الحكومي.. أو هو وجد فرصة نادرة لاغتيال السيّد نصرالله ولم يشأ أن يضيعها! أو أنه لم يكن من الأساس صادقاً ولا حتى مع حلفائه، بمن فيهم الأميركيون أنفسهم.. وكل ما يريده هو الحرب، والإستمرار في الحرب، وجرّ أطراف أخرى إليها”.
– ترجمة منى فرح بتصرف عن “نيويورك تايمز“.
“نيويورك تايمز”: هذه رواية “كمين نيويورك” قبيل اغتيال نصرالله! | 180Post