– كأن قدر مسيحيي القرى الجنوبية الموزعين على القطاعين الشرقي والغربي أن يدفعوا دائما ثمن تخاذل الدولة وإسقاطها إياهم من واجباتها تجاه أبناء تلك القرى والبلدات التي اختبرت الحروب وتداعياتها طيلة فترة الإحتلال الإسرائيلي في لبنان وحتى بعد خروجه عام 2000 مرورا بحرب تموز عام 2006 وصولا إلى طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023.
حتى تاريخ اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله كان الوضع في تلك القرى أقل من طبيعي. إلا أن الحياة كانت تسير بشكل شبه طبيعي أقله على مستوى نمط العيش وتأمين سبل العيش للسكان إضافة إلى إمكانية التنقل بين البلدات والقرى وصولا إلى الأوتوستراد الذي يربط الجنوب بالعاصمة بيروت وذلك لتأمين المواد الأولية من مازوت وطحين وأدوية ومواد غذائية.
27 أيلول 2024 فتحت الحرب الشاملة على الجنوب وكل لبنان . تلك الحرب التي عبَر اللبنانيون باستثناء بيئة الثنائي الشيعي عن رفضهم إياها والمجاهرة برفض جرّ البلد إلى الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة “حماس”. إلى أن جاء يوم الحساب لتسديد فاتورة “حرب المساندة” التي لا يزال يصر حزب الله متمسكا بها على رغم الدمار الشامل الذي لحق بمناطق بيئته سواء في بيروت أو الهرمل والبقاع وصولا إلى الجنوب عدا عن أعداد الشهداء في صفوف المدنيين وعناصر الحزب ويدفع ثمنها اللبنانيون من رزقهم وأمنهم وحياتهم.
ومع أن غالبية سكان هذه القرى يدرسون ويدققون بمواقفهم جيدا قبل التعبير عن رأيهم لتجنيب قراهم وأهلها الصامدين المواجهة مع القرى المحيطة ذات الغالبية الشيعية، إلا أنه يمكن استخلاص جو عام، مفاده أنهم انخرطوا في الحرب مُجبرين، وأنهم سيكونون مضطرين للتأقلم مع المستجدات حفاظاً على وجودهم في أرضهم.
بداية مخطط تهجير القرى المسيحية عند الشريط الحدودي بدأ مع الرسائل الصوتية التي تلقاها أهالي عين ابل الأسبوع الماضي وسقوط صاروخ على منزل “آل بركات” في القرية من دون وقوع أي إصابات بسبب وجود أصحابه في إحدى مناطق جبل لبنان. تلا ذلك سقوط 3 صواريخ في خراج بلدة رميش وصاروخ على منزل في دبل أدى إلى استشهاد عائلة مؤلفة من الأب والأم وابنهما في قوى الأمن الداخلي وصولا إلى سقوط شهيدين في بلدة مرجعيون أمس الأحد.
تفاصيل حادثة مرجعيون يرويها أحد أبناء البلدة ويقول” لحظة استهداف مسيرة إسرائيلية أحد عناصر حزب الله على دراجة نارية صودف وجود المربية هند مسعد في النقطة ذاتها مما أدى الى إصابتها بشكل بليغ واستشهادها . على الفور هرع الرقيب حبيب أبو مراد وشاب آخر من آل كسرواني اللذين كانا في المحيط لإنقاذها وتمّ استهدافهما من مسيرة إسرائيلية ظنا بأنهما وصلا لإنقاذ العنصر التابع للحزب. مما أدى إلى إصابة كسرواني بجروح غير قاتلة. أما الرقيب أبو مراد فأصيب في قدمه إصابة بليغة وتعرض لنزيف حاد أدى إلى استشهاده عند وصوله إلى المستشفى في صيدا. “لكن لو كانت هناك مستشفى في مرجعيون أو مركز إسعاف أولي لما استشهد الرقيب أبو مراد”.
تجزم مصادر البلدة أن الواقع الصحي في قرى القطاعين الشرقي والغربي سيء للغاية إذ لم يعد هناك مركز صحي أو طوارئ وغالبية المستشفيات باتت خارج الخدمة. ففي مرجعيون أقفلت عناصر حزب الله وأمل المستشفى الذي استولت عليه في تموز2006 وطردت الجهاز الإداري التابع لها .
وفي بنت جبيل ليس الوضع أفضل حالا بعد وضع المستشفى الحكومي ومستشفى صلاح غندور الخاص خارج الخدمة. ولا يمكن التعويل على المستشفى الميداني في رميش إلا في ما خص الحالات الطارئة أو الإسعافات الأولية قبل نقل المريض إلى أقرب مستشفى وأقل مسافة لا تقل عن 40 كلم.وهذا ما يفسر سبب وفاة أبو مراد عند وصوله إلى أقرب مستشفى في صيدا.
المشهد في “المربع المسيحي” في القطاع الغربي تغير منذ أكثر من أسبوعين، فالقرى المسيحيّة هناك وهي رميش ودبل وعين إبل والقوزح تعيش حالةً من القلق المترافق مع نزوح سكّاني ، فيما بدأت ملامح المعاناة تظهر بحدّة وتؤثّر على يوميّاتهم المعيشيّة.
يقول أحد سكان بلدة رميش” مع دخولنا الأسبوع الثالث من بدء تعرّض أطراف بلدتنا للقصف، نعاني نقصا حادّا في المواد الغذائيّة وفي الموارد التي تمكّننا من شراء حاجيّاتنا. فجميع من بقي يعتاشون من أعمالهم ومهنهم الحرّة وهذه تعطّلت بشكل تامّ”.
الأكيد أن خيرات القرى المسيحية لا تشح، والمونة في كل بيت تكفي لأشهر لكن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، فالشعور بالأمان بات من أولويات البقاء لا سيما على الطرقات بعدما بات التنقل لشراء المواد الأولية من محروقات وطحين شبه مستحيل بسبب اشتداد وتيرة القصف وقطع أوصال المناطق بين بعضها البعض بسبب الدمار الشامل. لكن حتى الآن ثمة إمكانية في التنقل بمؤازرة الجيش اللبناني لكن من يدري كيف ستتطور مجريات الأحداث في الأيام المقبلة”.
وصولا إلى القليعة التي يصر أهلها على البقاء والصمود في أرضهم علما أن عددا لا يستهان به نزحوا “لكن الغالبية من النساء والأولاد. أما الرجال وعائلات أخرى فصامدون وعندما نتكلم عن صمود أهالي القليعة ومرجعيون ورميش ودبل وحتى من بقي في عين ابل فهذا نهائي والتاريخ يشهد على صمودهم!.
ثمة خوف أكبر من أيّ مرحلةٍ مضت. لكن القرار بالصمود يتخطاه وإن كان قدر مسيحيي قرى القطاعين الغربي والشرقي في الجنوب أن يدفعوا في كل مرة الفاتورة لكن ليس على حساب أرضهم!.
جوانا فرحات ـ المركزية