ماذا بعد اغتيال السيد نصر الله؟


محمّد حميّة

وإنّ من المُبكر الحكم على طبيعة المشهد المقبل ما بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، لكن المؤكد أن لبنان والمنطقة برمتها دخلا المنعطف الأخطر منذ عملية “طوفان الأقصى”، ومخاض مرحلة جديدة، لكن لا يُمكن تلمُس معالمها قبل جلاء معطيات عدة خلال الأيام القليلة الماضية:
أولاً: انتهاء حزب الله من الترتيبات اللازمة لتنصيب خليفة للسيد نصر الله في الأمانة العامة والمناصب القيادية الأساسية مكان الذين اغتالتهم الغارات الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية، وبالتالي المسار الذي سيسلكه “الحزب” مع قائده الجديد! فهل سيُبدي مرونة في المفاوضات المرتقبة ويخفض سقف شروطه تحت ضغط الوقائع الجديدة ويضبط إيقاعه العسكري على ساعة المتغيرات الإقليمية وعقارب رياح التغيير في التوجهات الإيرانية الجديدة؟ أم سيُظهر تشدداً أكثر بعد اغتيال قائده ويقاتل بلا هوادة وسقوف وضوابط؟ وماذا يملك ويخفي من مفاجآت؟ ومتى سيُفرغ خزان المفاجآت والمخزون الاستراتيجي من الصواريخ؟ وهل سينجح بإعادة التوازن ورد الصاع صاعين ولجم مسلسل الإجرام الإسرائيلي ضد لبنان؟
ووفق المعلومات فإن الحزب يقوم بترتيبات داخلية ويجري مشاورات مع أطراف المحور والقيادة الإيرانية لتحديد الخطوات التالية للمواجهة الجديدة التي قد تفتح الأبواب على الحرب الكبرى والتي ستحمل مفاجآت، على اعتبار أن الحرب صولات وجولات وكر وفر ولم تنتهِ بل بدأت وربما تكون طويلة.
ثانياً: الاتجاه الذي ستسلكه إيران إزاء تجاوز “إسرائيل” الخطوط الحمراء واستهداف المقام القيادي الأول في “الحزب” الحليف لها ليس في لبنان فحسب بل في الإقليم؟ هل ستنخرط مباشرة في المعركة العسكرية أم ستؤجل الرد في ضوء ما يُشاع عن مثلث حسابات إيرانية:
*التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة للبنى التحتية الإيرانية ومنها المفاعل النووي بمشاركة أميركية إن اقتضى الأمر، بحال وجّهت إيران ضربة كبيرة لـ “إسرائيل”.
*العوامل السياسية الداخلية في إيران مع انتخاب الرئيس الجديد الإصلاحي بزكشيان الذي أظهرت تصريحاته في نيويورك ملامح السياسات الإيرانية الجديدة بالانفتاح على الغرب وانتهاج الدبلوماسية خياراً بديلاً ورفض الحروب.
*ثبر أغوار فرص الحوار المباشر الإيراني – الأميركي حول الملف النووي الإيراني والعقوبات الإيرانية وربما على ملفات إقليمية ترتبط بالوجود الأميركي في سوريا والعراق وانعكاس هذا الوجود على النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط والخليج.
ثالثاً التوجه الأميركي في ظل حديث عن إرباك أميركي بين خيارات ثلاثة:
*الذهاب بعيداً في الدفاع عن “إسرائيل” حد الحرب الشاملة خصوصاً إن دخلت إيران الحرب مباشرة. *إطلاق يد “إسرائيل” في لبنان وتقييدها بسقف عدم جرّ الولايات المتحدة للحرب الشاملة أو تهديد مصالحه وقواعدها في المنطقة.
*الضغط على “إسرائيل” لوقف إطلاق النار في غزة وتهدئة مختلف الجبهات الجنوبية واليمنية والعراقية لتفادي الحرب الشاملة.
لكن يبدو أن الأميركيين أقرب الى الخيار الأول بدليل منح “إسرائيل” الضوء الأخضر لاغتيال الأمين العام للحزب بالتزامن مع وجود نتنياهو في نيويورك واستخدام قنبلة الـ2000 طن التي يُقال أن “إسرائيل” لم تحصل عليها إلا مؤخراً.
رابعاً والأهم هو التوجه الإسرائيلي الجديد وسلوك نتنياهو وأركان حربه! فهل سيكتفي باغتيال نصر الله لإعلان تحقيق الأهداف ويذهب للتفاوض على تسوية منتصف الطريق وتجنيب كيانه خسائر فادحة بحال استكمال الحرب؟ أم سيشعر بفائض قوة بعد “نشوة النصر” والإنجازات المتتالية التي حققتها استخبارات الجيش الإسرائيلي بخرق إحدى شبكات اتصالات الحزب واغتيال قيادات في الرضوان وغيرهم وصولاً الى السيد نصر الله شخصياً ومعاونيه، ويذهب الى التصعيد الكبير على ثلاثة محاور:
*استمرار مسلسل الاغتيالات بخاصة لقيادات أمنية ومن وحدة “الرضوان” وربما شخصيات سياسية ودينية في المقاومة لاجتثاث حزب الله وفق ما يدعو اليه بعض الوزراء الاسرائيليين.
*الدخول البري المحدود الى الجنوب لاختبار جهوزية حزب الله بالنار بعد اغتيال قائده نصر الله وفق ما دعا اليه الكثير من رؤساء أقاليم المستوطنات شمال فلسطين المحتلة.
استمرار خطة التدمير الممنهج للجنوب والبقاع والضاحية كونها المعاقل والحصون الشعبية المركزية لحزب الله وبالتالي تجفيف “البيئة الحاضنة” وإنشاء المنطقة العازلة على كامل الحدود مع فلسطين والتي كان يحلم بها قادة الكيان وإحداث تغيير جغرافي وديمغرافي على طول الشريط الحدودي مع فلسطين ومع سوريا.
يبدو من مسار المعطيات والمواقف أن نتانياهو ماضِ في التصعيد الكبير وإعادة إحياء عناوين قديمة مثل “الشرق الأوسط الجديد” الذي ذكره منذ أيام والحديث عن صراع بين القوميات وبين محوري النعمة والنقمة، تمهيداً لإعادة إحياء مشاريع ومخططات سابقة كصفقة القرن والتطبيع الذي أعاد ذكره نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة الجمعة الماضي. وعلى الرغم من أن اتفاق الغاز الذي يصفه كثيرون في لبنان بأنه “تنازل عن الثروات السيادية”، لم يعد نتنياهو يستسيغه ودفعه “فائض القوة” الى إصدار أوامر بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود، وهذا ما نقلته إذاعة الجيش الإسرائيلي عن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، قوله “إننا نبحث عن ثغرة لإلغاء اتفاق الغاز الفاضح مع لبنان”.