بين كلمتي نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي تناقض وتنافر. صحيح ان قاسم ليس الامين العام السيد حسن نصرالله، وكلامه لا يشبه الى اي حد خطابات السيد، لا من ناحية المواقف ولا الكاريزما ولا المنهجية الخطابية، لكن اطلالته وهي الاولى لمسؤول في الحزب بعد اغتيال نصرالله تندرج في سياق محاولة ايرانية لاعادة شدّ عصب جمهور الحزب المتروك لأقداره ومواجهة بئس المصير مشردا تائهاً في اصقاع البلاد ينتظر مأكلا ومشرباً وفراشاً، ومعظمه إن توقفت الحرب غدا لن يجد منزلاً يعود اليه، وقد دمرت اسرائيل الجنوب والبقاع وكل مبنى يتصل بالحزب وانصاره.
في الثانية عشرة ظهرا،وبعد اشاعات ترددت امس عن تشييع نصرالله اليوم وتعيين من يخلفه، أطل قاسم مقدما التعازي للإمام الخامنئي والمجاهدين وعائلة نصرالله ولبنان وأحرار العالم وبارك له ولإخوانه أرفع وسام الشهادة. واذ اكد استمرار ربط جبهة جنوب لبنان بجبهة غزة ،قال” “إذا اعتقدت إسرائيل أن يدها المفتوحة دولياً وتصميمها على العدوان سيوصلها لأهدافها فهي واهمة، و المسيرة التي واكبها السيد نصرالله وأشرف على قيادتها مستمرة، وحزب الله مستمر بميدان جهاده. وأعلن أن “الأخوة يتابعون عملهم وفق الهيكلية المنظمة ويعملون وفق الخطط البديلة للأفراد والقادة”. معلنا “تجهزنا ومستعدون للإلتحام البري والعدو لن يحقق أهدافه”. واكد أننا “سنختار أمينا عاما لحزب الله في أقرب فرصة وسنملأ مراكز القيادة بشكل كامل”.
بالمختصر، وجه قاسم خطابه الى جمهور الحزب اولا تأكيدا على ارتقاء قائده الرمز الى مرتبة الشهادة، الاسمى في عقيدته، مطمئناً الى ان اسرائيل لم تنل من قدرات الحزب العسكرية حتى انه مستعد للهجوم البري، وهو لم يتنازل لا بل متمسك بالسقف السياسي نفسه بالنسبة لرفض تطبيق القرار 1701 بالمفهوم الذي يريد المجتمع الدولي تطبيقه، والانتصار أكيد. مجمل ما قاله نائب الامين العام لا يخرج من اطار ادبيات حزب الله المعهودة ،الا ان العبرة تبقى في مرحلة اليوم التالي، تقول مصادر سياسية مطلعة لـ”المركزية”. اذ فيما كان قاسم يلقي خطابه، كان الرئيس ميقاتي يجتمع مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ويتخذان قرارات مهمة أعقبتها زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون الى عين التينة.
ميقاتي اعلن التزام لبنان تطبيق نداء المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار للبدء بتنفيذ القرار 1701 كاملًا والاستعداد لإرسال الجيش اللبناني الى الحدود ونشر عناصره في الجنوب فور وقف اطلاق النار.واشار في موقف بالغ الاهمية الى ان ” برّي أكد أنه فور وقف إطلاق النار سيعقد جلسة لانتخاب رئيس توافقي لا يشكّل تحدّياً لأحد”.
بمعزل عن اشارة قوية اطلقها بري في الملف الرئاسي لجهة تخليه عن مرشح الثنائي سليمان فرنجية من خلال ما نقله ميقاتي عن جلسة لانتخاب رئيس توافقي، تقول المصادر ان اعلان النيات الذي اذاعه ميقاتي يبقى ناقصاً وغير ذي جدوى ان كان يقصد به تطبيقا مموهاً للقرار 1701 وليس حرفياً كما يريده المجتمع الدولي، بل مجرد محاولة تجميل لتنفيذ مجتزأ. وأبعد من ذلك ماذا عن التزام اسرائيل المعنية بالقرار 1701 من جهتها وماذا عن حزب الله وموقفه؟ وتضيف المصادر ان كان الرئيس بري لديه من الضمانات ما يكفي لتطبيق فعلي للقرار، خصوصا انه استقبل فور خروج ميقاتي قائد الجيش، وبعد لقاء مع وزير خارجية فرنسا، فهذا يعني عمليا ان الرهان عليه اصبح كبيرا جدا لجهة وقف النار واستدراك الوضع قبل ان تجتاح اسرائيل لبنان وتنزلق الاوضاع الى اسوأ مما هي عليه، وحيث تصعب العودة الى الوراء. فهل فُتِحت نافذة امل من لقاء عين التينة نحو الحل ونضج موسم التفاوض وما قاله قاسم مجرد تعمية على الحقائق تفرضه مقتضيات المرحلة؟
نجوى أبي حيدر ـ المركزية