السؤال: ماذا بعد استشهاد السيد حسن نصرالله وما الذي سيتغيّر في عمل المقاومة؟
الجواب: لا شيء كثيراً سيتغيّر. مع ان غياب نصرالله يعني لعشرات آلاف الناس في لبنان غياب رمز محبّب وصادق ومتواضع ومقرّب من الجمهور الواسع، وصاحب رؤيا بعيدة محليا وإقليميا ودوليا، عدا ما يعنيه بالنسبة للحلفاء في الخارج.
وبرغم حجم الضربة الصاعقة واغتيال مجموعة كبيرة من قادة حزب لله السياسيين والعسكريين والأمنيين، وآخرهم نائب رئيس المجلس التنفيذي الشيخ نبيل قاووق والقيادي في «الحزب» علي كركي في الغارات يوم السبت على الضاحية، فإن المرتقب من هذا التنظيم الحزبي ذو الهيكلية المنظمة تنظيما متيناً تجديد نفسه خلال فترة قريبة ولو تحت النار.
ولعل استمرار الحزب بإطلاق عشرات الصواريخ القصيرة والبعيدة المدى من لبنان تجاه الكيان الإسرائيلي بعد استشهاد نصرالله وقيادات ميدانية كبيرة، دليل ثابت على ان بنية المقاومة العسكرية لم تهتز كثيراً ولو أصيبت بإضطراب مؤقت، وان القادة الميدانيين ما زالوا يقومون بواجبهم على الجبهة برغم هول الضربة وحجم الخسارة الكبيرة في رأس الهرم، وهو أمر قابل للزيادة في حال قام جيش الاحتلال بما يسمّيه «مناورة برية» لدخول جبهة الجنوب وخلق مساحة أمنية مريحة له ولمستوطنيه، فالمواجهة وجهاً لوجه تختلف عن المواجهة غير المتكافئة التي يتفوّق بها العدو عبر سلاح الجو والحرب الإلكترونية، وستلحق بجيش الاحتلال خسائر كبيرة أكيدة بالأفراد والعتاد، وهو ما اعتبره حلفاء هذا الكيان لا سيما الأميركيين تضييعاً لمكسب اغتيال نصر لله وكبار قادته أمام الجمهور الإسرائيلي.
المهم ان يحمي حزب الله باقي أعضاء القيادتين السياسية والعسكرية بكشف الخرق الأمني الخطير الذي تسبب بهذا العدد من الاغتيالات، وأن يغيّر من أساليب تنقّل قياداته وأمكنة اجتماعاتهم ويُغيّر غرف عملياته وربما يُغيّر بعض المسؤولين القدامى بمسؤولين جدد عقيدتهم ثابتة وتدريبهم حديث. ولعل انفاق «عماد4» ومثيلاتها خير مكان لقيادة عمليات المقاومة ولقاءات قياداتها.
أما سياسياً، فلا شك ان غياب قائد حزبي سياسي، محاور جيد وهادئ ولبق، واسع الأفق ومشبع بالأفكار والاقتراحات، سيترك أثره على الوضع الداخلي اللبناني في مرحلة ما بعد الحرب إذا توقفت قريباً، لجهة كيفية إدارة الدولة، وكيفية معالجة نتائج الحرب التدميرية، وكيفية التعاطي مع التسويات المرتقبة التي تشتغل عليها دول العالم. وقد يختلف أسلوب القيادة الحزبية السياسية الجديدة عن أسلوب الشهيد نصرالله، لكن التوجهات العامة للحزب ستبقى كما هي لا سيما في ما خص أي تسوية سياسية إقليمية ستطال لبنان، ولو حاول بعض «المتشاطرين» في الداخل والخارج ابتزاز الحزب معتبرين انه قد خرج ضعيفاً من الحرب بهذا الكم من الخسائر البشرية واستنزاف مخزونه العسكري، ومحاولة فرض شروط غير مقبولة عليه تؤدّي الى خسارة لبنان المكتسبات التي يمكن أن يحصل عليها، وخصوصاً في ما خصّ ترتيبات وضع الحدود الجنوبية وضمان تنفيذ القرار 1701 من جانبي الحدود لا من جانب لبنان فقط.
ولا يبدو حسب مواقف قيادة حزب لله بعد اغتيال السيد نصرالله ان هناك تغييرات مبدئية في توجهات الحزب، ولكن قد تفرض الوقائع السياسية والعسكرية الجديدة التعاطي مع الطروحات السياسية الجديدة تغييراً في تكتيك التعاطي معها وقد لا تشهد أي متغيّرات، وذلك حسب ما سيطرحه الوسطاء العرب والدوليون وما يقبله أو لا يقبله الكيان الإسرائيلي أو الجانب الفلسطيني وبالتالي حزب الله.
لذلك تبدو المرحلة المقبلة ضبابية سياسياً ومعقّدة وليست سهلة عسكرياً وتخضع للكثير من الاعتبارات لا سيما في الميدان، فستحاول إسرائيل كما قال نتنياهو «التفاوض تحت النار» وتصعيد الاعتداءات أو مواصلتها ولو بوتيرة أقل، بهدف دفع الحزب الى تقديم تنازلات في الجنوب، أولاً على صعيد وقف حرب إسناد غزة، وثانياً على صعيد الترتيبات التي يمكن أن تتخذ في الحدود الجنوبية.
وفي كل الأحوال ما قبل استشهاد السيد حسن نصر لله سيكون غير ما بعده، لجهة تعاطي الحزب مع المستجدات حسب الوقائع اليومية وحسب الطروحات والتوجهات السياسية. وثمة من يربط تعيين القيادة الجديدة والتوجه الجديد للحزب، بما «تنصح» به إيران وبما يواكب المرحلة الاقليمية المقبلة وما يتخللها من مفاوضات حول وضع المنطقة ككل عدا الملف النووي، إنطلاقاً مما نُقل عن الحرس الثوري «بأن الأولوية هي الآن لتشكيل هيكل قيادي لحزب لله، وإنشاء شبكة اتصالات آمنة». وما نقل عن رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان «بأن طهران لا يجب أن تنجرّ إلى حرب أوسع نطاقا في المنطقة».
غاصب المختار ـ اللواء