من شظايا حرب غزة وجبهة اسنادها الى “سهام الشمال” الاسرائيلية التي اصابت لبنان في الصميم، تدفع الدولة اللبنانية فاتورة عن عربٍ، 90 في المئة منهم لا يريدون مناصرة فلسطين الا في المواقف، ومئة في المئة غير مستعدين لاطلاق رصاصة واحدة في اتجاه تل ابيب. والانكى ان هذه الدولة ليست هي من قرر تلقي الشظايا ولا السهام بل حزب الله، الذي صادر قرارها وخاض مواجهة غير متكافئة موازين القوى فيها، وفق ما اظهرت وما زالت، معطيات الميدان منذ اسبوع.
الحزب المُراهن على الجمهورية الاسلامية راعيته، التي تبدو تواجه لحظة انهيار مشروعها الاقليمي تدريجيا، يقف وحيدا في مواجهة أشرس عدو على الاطلاق، لا رعاية ولا مساندة في حرب ضروس بدأت سيبرانياً باستهداف الالاف من عناصره ثم بالقضاء على هرميته القيادية وتحولت عسكرية جوية ادت في يوم واحد الى تدمير قرى وبلدات في الجنوب والبقاع وسقوط نحو 500 شهيد والاف الجرحى ونزوح مئات الالاف من الجنوب والبقاع، في ضوء عدم تأمين اي من مستلزمات الصمود لهذه البيئة المؤيدة بمجملها للحزب، لا ملاجئ، لا مؤنة لا مساكن بديلة، وعلى الدولة المنزوعة القرار واللبنانيين المناهضين لجر لبنان الى الحرب استقبال هؤلاء والاعتناء بهم، من منطلق انساني وطني لا غير.
وفي ظل دولة عاجزة تستجدي العالم منع الحرب الشاملة عليها وتحميله مسؤولية ما لم تتحمله هي، بفرض سيادتها على اراضيها ومنع اي كان باستثناء الجيش اللبناني من حماية حدودها، ووسط مخاوف دولية من حرب مفتوحة في لبنان تسبب تبعات خطيرة ، حذّر منها كبار المسؤولين في العالم من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الى الرئيس الأميركي جو بايدن والكرملين، تكتفي ايران باعلان مواقف لا تسمن ولا تغني عن جوع، فيطل رئيسها عبر اعلام “الشيطان الاكبر”، مؤكدا “ان حزب الله يواجه دولة مدججة بالسلاح ولديها إمكانية الوصول إلى أنظمة أسلحة متفوقة”، معتبرا ان “لا ينبغي أن نسمح بتحول لبنان إلى غزة أخرى”، مقابل نهج اظهره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي ارهق حلفائه بقدر ما اقلق الخصوم، يأبى من خلاله إلا أن يأخذ الأمور نحو التصعيد وتجاوز كل الخطوط الحمر. وقد ظهر جليّاً منذ بداية تشبُّثِه بسقوف مرتفعة في التفاوض واسقاط كل اقتراحات الحل، والإصرارِ على اجتياح مدينة رفح على رغم كل الضغوط الاميركية. فهل باعت ايران حزب الله وتركته فريسة سهلة لإسرائيل في اطار تسوية دولية بدأت ترسم جغرافيا جديدة للمنطقة، تماما كما باعت حماس بأبخس الاثمان في غزة ؟
تقول اوساط دبلوماسية لـ”المركزية” ان الجواب على هذا السؤال ينحو في اتجاه الـ”نعم” ، ما دام جميع من في المنطقة والعالم اختبر نتنياهو وما اقترفه في غزة من اجرام فاقت حدوده الخمسين الف قتيل، ومستعد تاليا لتكراره في لبنان من اجل القضاء على حزب الله وخطره واعادة المستوطنين الى منازلهم. هذا السيناريو كان يمكن شطبه ربما لو كان في اسرائيل رئيس وزراء غير نتنياهو. لكن تاريخ الرجل الحديث والقديم على حد سواء أثبت أنه بعيد من منطق التسويات ولا أفق حلول دبلوماسية معه . تبعا لذلك، لا بدّ من توقع السيئ والاسوأ، مع من اجتهد في اللعب على حبال المفاوضات في غزة وقاوم رغبة جيشه وشعبه وواجه المجتمع الدولي بأسره ونفذ ما يصبو اليه، ويبدو متجهاً للأمر نفسه في لبنان.
اما العرب المنكفئون، مكتفين ببيان تضامن صدر اثرالاجتماع التشاوري السنوي لمجلس الجامعة العربية، وليس اجتماعا طارئا يلامس مستوى ما يجري بحق بلد عربي عضو في الجامعة، فغير مستعدين للتورط في ما جر اليه لبنان، حزب يصنفه عدد لا بأس به منهم بالارهابي، وهم في طور التطبيع مع اسرائيل للعيش بسلام والتطلع الى الامام.
القضاء على آخر وأهم ذراع عسكري للجمهورية الايرانية في المنطقة، قد يكون بات حاجة للتسويات في اطار التصفيات النهائية ما قبل الشوط الاخير بين ايران والغرب ، وما بعده حقبة جديدة ومشروع سياسي آخر.
نجوى أبي حيدر ـ المركزية