رسمت جريمة الحرب الموصوفة التي أقدمت عليها إسرائيل تجاه عناصر «حزب الله» وبيئته الحاضنة على مدى يومين، مشهداً مؤلماً وحزيناً دفع حتى ببعض خصوم الحزب إلى عدم إخفاء أسفهم ومشاعرهم المتضامنة مع الضحايا الذين أُطفئت عيونُهم وبُترت أطرافُهم على الرغم مما يباعد بينهم وبين «حزب الله» الذي كانوا يتهمونه بالاستكبار والاستقواء وتنفيذ عدد من الاغتيال
ويمكن القول إن ما حصل في 17 و18 أيلول/سبتمبر من تفجيرات لأجهزة «بيجر» واللاسلكي وأدى إلى استشهاد وجرح المئات من عناصر الحزب في دقيقة واحدة هو تطور غير مسبوق في تاريخ الصراعات والحروب، وشكّل صدمة كبرى لـ «حزب الله» مثلما شكّلت عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول/أكتوبر صدمة كبرى مماثلة لإسرائيل وجيشها ومجتمعها.
وإزاء هذه «الضربة الكبيرة والقاسية» حسب توصيف أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، فقد ظهر مستعدا لإيلام العدو الإسرائيلي ورفع معنويات جمهور الحزب بعد مجزرتي «البيجر» و«اللاسلكي» متوعداً «بالحساب العسير والقصاص العادل من حيث لا يحتسبون…والجواب ما ترون وليس ما ستسمعون».
وتولت أوساط «حزب الله» مواكبة كلام نصرالله، وأوردت «أن أول الرد على عدوان الثلاثاء والأربعاء الثقيل وغير المسبوق في العالم، أننا لن نسقط بل سنكون أشد عوداً وقوة وبأساً، وثاني الرد أن جبهة لبنان إسناداً لغزة لن تتوقف، وثالث الرد أن المستوطنين لن يعودوا إلى الشمال».
وذكرت قناة «المنار» التابعة للحزب أن السيد نصرالله قَبِل التحدي رغم فظاعة الجريمة الصهيونية غير المسبوقة، ناظراً بقلوب الجرحى الذين أطفئت أعينهم بحرب الإبادة التي أرادها العدو على ساحة لبنان، وغارفاً من معين الدم الذي ارتقى على طريق القدس وحفظ الكرامات، فرمى ببصره أقصى القوم مخاطباً القيادة الصهيونية الحمقاء والمتعجرفة بأنها تقود كيانها إلى الخراب، وأن أي تسعير للحرب لن يعيد مستوطنيهم ولن يوقف جبهة الشمال، بل سيزيد عدد المهجرين لديهم ولن يجلب لهم الأمان. وأضافت «أما التفكير الأخرق لقائد المنطقة الشمالية في جيش العدو بحزام أمني في لبنان، فهو تفكير من صفحات التاريخ الذي غيّرته المقاومة بالسواعد والتضحيات، وأي دخول للقوات الصهيونية إلى الأراضي اللبنانية ـ إن حصل -سيكون فرصة لنا وليس تهديداً، كما رأى السيد نصر الله، وسيتحول وهمُ الحزام هذا إلى فخ وإلى كمين وإلى هاوية للجيش العبري، الذي سيجد أمامه المئات من الذين جرحوا يومي الثلاثاء والأربعاء بعزم أشد وقوة أصلب على مواجهة الجيش الصهيوني».
ولكن في المقابل، ثمة مَن يستهجنون ما يسمونه «مكابرة» الحزب في وجه عدو متفوّق، في وقت رأى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي أن «لا ضير في التراجع التكتيكي أمام العدو في الميدانين العسكري أو السياسي». وتوجّه بعضهم إلى الحزب بالقول «الإيديولوجيا لا يمكن أن تتغلب على التكنولوجيا في الحروب. فالتكنولوجيا تفتح الأبواب إلى العالم الكبير فيما الإيديولوجيا تفتح الأبواب إلى العالم الآخر».
ولاحظ البعض أن كلمة السيد نصرالله كانت مسجّلة ولم تكن مباشرة على الهواء، واكتفى فيها بسردية وتوصيف للأحداث منذ عملية «طوفان الأقصى» من دون أن يكشف كيفية وموعد الرد على الاعتداءين الخطيرين اللذين استهدفا عناصر الحزب وجمهوره. وفي ذلك تعبير عن هواجس من الدخول في حرب أوسع يريدها رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويسعى لاستدراج «حزب الله» إليها.
ولاحظ المتابعون أن السيد نصرالله انتقل من التهديد بقصف العمق الإسرائيلي إلى التهديد بمواجهة جيش الاحتلال على الأراضي اللبنانية في حال ترجم قائد المنطقة الشمالية كلامه بإقامة حزام أمني على الحدود.
ودعا البعض حزب الله إلى أن يأخذ بعين الاعتبار أن نتنياهو لا يرتدع ولم يستجب للضغوط الأمريكية بوقف الحرب على غزة ولا يستجيب لضغوط مبعوثها آموس هوكشتاين بعدم شن حرب على لبنان، بل إنه ماض في خططه لحسم الوضع على الجبهة الشمالية مستفيداً من الفترة التي تفصله عن موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية والتي تضع لبنان والجنوب في أخطر حقبة.
ما شهدته الضاحية والجنوب والبقاع وصولاً إلى سوريا من تفجيرات غير مسبوقة إلا في الأفلام الهوليوودية وبعدها اغتيال قائد «قوة الرضوان» إبراهيم عقيل في قلب الضاحية الجنوبية مؤشر على أن الحرب باتت وشيكة لتحقيق الهدف المعلَن بإبعاد «حزب الله» عن الحدود مسافة 10 كيلومترات، وأن إسرائيل انتقلت إلى تنفيذ تهديدها على أرض الواقع إلا في حال نجاح المساعي الدبلوماسية في اللحظة الأخيرة وتحت الضغط في الوصول إلى تسوية وتجنيب لبنان الحرب.
سعد الياس ـ القدس العربي