ماذا بعد؟

لا شيء يوقف الجنون والاجرام الاسرائيلي، لا أميركا ولا الأمم المتحدة، فخطة رئيس حكومة العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو باتت واضحة، يريد تسجيل انتصار معنوي أو مادي، لا فرق بين الحالتين، لأنه وجيشه وحكومته فشلوا في القضاء على حركة “حماس” التي وجهت اليهم صفعة سيظل التاريخ يذكرها بأنها أقسى ما واجهه الكيان الصهيوني منذ نشأته، فبعد أن دمر غزة انتقل الآن إلى لبنان لتحقيق ما طالما حلم به، وهو إعادته إلى العصر الحجري.

في الواقع لم تنتقل الحرب الاسرائيلية إلى لبنان، بل كان هذا البلد هدفاً له منذ أن تشكّل على الأرجح وعيه السياسي، فقد حاول من قبله رؤساء الحكومات الصهيونية المتعاقبة أن يزيلوه عن الخريطة أو على الأقل تغيير شكله الديموقراطي وحجمه الجغرافي، في العام 1982، ثم في العام 1996، ثم في العام 2006، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب إرادة اللبنانيين للبقاء ثم بسبب نشوء حالة المقاومة التي يشكّلها “حزب الله”.

على الرغم من كل الخلافات الداخلية وعدم رضا قسم كبير من اللبنانيين عن أداء “حزب الله” السياسي إلا أن تمكنه من تحرير الجنوب العزيز في العام 2000 ودفع الاحتلال الصهيوني إلى الاندحار، يسجّل له ومن قبل حتى المختلفين معه. كما للأسباب نفسها، فإن مسارعته الى فتح جبهة الاسناد لغزة في الثامن من تشرين الأول 2023، على الرغم من كل الخسائر الفادحة التي تكبّدها، لم تمنع التضامن الداخلي معه خلال المصائب الثلاث الكبرى التي أصابته في الأسبوع الحالي، ما يشي بأن اللبنانيين عند المصائب التي تأتي من الخارج وتحديداً من العدو الصهيوني يتضامنون ويقفون في الخندق الواحد على الأقل إنسانياً.

لكن!!!

ماذا بعد محاولة المجرم الصهيوني قتل أكثر من أربعة آلاف مواطن دفعة واحدة من خلال تفخيخ أجهزة الـ “بايجر”، ثم بالطريقة نفسها تفخيخ أجهزة الـ”ووكي توكي”، ثم الكارثة الكبرى في محاولة اغتيال أحد قادة الحزب العسكريين التي ذهب ضحيتها عدد من المدنيين الآمنين؟

كثيرة هي الأصوات التي تدعو ودعت الحزب إلى الأخذ بالثأر، لكنه أصبح من المتعارف عليه أن قيادته لا تتصرف بطريقة عفوية بل تدرس خطواتها وتضع نصب عينيها الهدف الذي تريده في سبيلها إلى الانتقام، كما حدث في حادثة استشهاد “السيد محسن”، رئيس أركان الحزب فؤاد شكر، بحيث استغرق التخطيط للرد 40 يوماً كانت نتيجته إلحاق الأذى الكبير بقيادة الوحدة 8200 الصهيونية و”استقالة” قائدها على ما زعم العدو في بيان إعلامي.

ويقول مصدر مقرب من المقاومة إن العام الماضي تحديداً أصبح “حزب الله” يضع “مصلحة لبنان في المقام الأول من معركته مع العدو الصهيوني”، مؤكداً أنه على الرغم من الألم الكبير الذي نشعر به حيال فقدان “كل عنصر من شبابنا، إلا أن الانتقام هو طبق لا يؤكل إلا بارداً”.

وكان المصدر في حديثه يشير إلى طريقة رد الحزب على اغتيال “السيد محسن” والذي برأيه جعل العدو “يقف على رجل ونصف طيلة أربعين يوماً قبل أن تأتي الضربة في المكان والوقت الذي لم يحتسبه”.

لكن الضربات الموجعة والتي تكبّد “حزب الله” الخسائر الكبيرة لا تقابلها ردود بالحجم المتوقع أو بالحجم نفسه على الأقل، فكيف يريد الحزب أن يكمل مشواره المقاوم إن لم تكن الردود على قاعدة “العين بالعين والسن بالسن”؟

يقول المصدر إن “الحرب كر وفر وما لا يعلمه العدو أن نفسنا طويل ولم تستعمل المقاومة بعد قدراتها كاملة وستكون مفاجأة ليس للعدو فحسب، بل حتى للولايات المتحدة الداعم الأكبر له والتي تغطي كل اعتداءاته”.

السؤال الذي يطرحه الجميع هو “ماذا بعد؟”. وفي استعارة من الزعيم الوطني وليد جنبلاط “إلى أين؟”.

الأيام المقبلة خطيرة بكل ما في الكلمة من معنى، والتسوية التي يجب التطلع اليها على ما يبدو لن تأتي إلا “على الحامي”، وندعو مع الجميع الرب الى “عدم رد القدر بل اللطف فيه”.

صلاح تقي الدين ـ لبنان الكبير