بين جمهورية بشير وجمهورية الذّل

 

42 سنة مرّت على اغتيال الحلم بدولة سيدة حرة مستقلة في لبنان، مكلّلة بالعزة والكرامة والعنفوان والعدالة والاستقامة والحداثة والاستقرار والازدهار. 42 سنة على اغتيال بشير الحلم في ذاك الرابع عشر من أيلول 1982 المشؤوم، على يد قتلة مجرمين حاقدين، قلوبهم سوداء يملأها الحقد والكره للبنان الحياة الذي حلم به بشير ورفاقه في القوات اللبنانية، حاقدون يكرهون الأبطال ويعشقون أنظمة الموت الظلامية والاستبداد والعبودية.

لكن خسئ القتلة وخابوا، فبعد 42 عاماً على استشهاده، لا يزال بشير حاضراً كأمس الذي عبر. نعم، وتماًماً كسفر المزامير “ألف سنة في عينك يا رب كيوم أمس الذي عبر”، هكذا أنت يا بشير، حاضر اليوم أكثر في قلوب ووجدان رفاقك في القوات اللبنانية، بل في قلوب كل اللبنانيين الأحرار الذين عرفوك وأحبّوك والذين تعرّفوا عليك بعد ارتفاعك مكلّلاً بالغار والمجد.

حاضر يا بشير، القائد الشجاع المقدام والمخلص لوطنه وشعبه. حاضر أنت يا رئيس لبنان القوي، بأحلامك وإخلاصك وصلابتك وتصميمك وعزمك وتفانيك حتى الاستشهاد في سبيل القضية اللبنانية، القضية التي يحملها رفاقك في القوات اللبنانية بكل إخلاص ووفاء ويكملون المسيرة والنضال لخلاص لبنان.

لعلّ ما يقضّ مضاجع القتلة وورثتهم وكل الحاقدين والطامعين والواهمين لغاية اليوم، أنهم فشلوا في مخططاتهم بالقبض على لبنان وتغيير هوّيته التاريخية الحضارية وتشويه وتزوير تاريخه المجيد. بل لعلّهم يغتاظون أكثر، لأنه على الرغم من كل الترهيب والوعيد والتسلّط والهيمنة والاغتيالات، هم يفشلون تباعاً في كسر شوكة اللبنانيين الأحرار وتحطيم إرادتهم. يغتاظون أكثر إذ يرون أن حلم بشير ونهجه لتحقيق الدولة القوية العادلة لكل شعبها، باقيان، على الرغم من هذه “الأيام البائسة”، بل يترسخان في وجدان كل اللبنانيين الأحرار، ويستقطبان ويتمددان أكثر ليطاولا مختلف الشرائح اللبنانية.

وحدك يا بشير الرئيس القوي، رمز كرامة الدولة وشعبها وسيادتها الحقيقية، الذي واجه مناحيم بيغن بلا مدوّية. وحدك مع رفاقك في القوات اللبنانية من كسر حافظ الأسد في الأشرفية وزحلة وقنات وغيرها وغيرها، لا مَن رفع ذلك شعاراً فارغاً كاذباً لخداع البسطاء فيما كان يقدّم في الخفاء أوراق اعتماد الذلّ لتسليم لبنان إلى جلّاده، تلك الأوراق الذليلة ذاتها التي عاد وقدَّمها إلى ورثة الأسد الجدد، مقابل شبق السلطة والتربّع على كرسيٍّ جعله هشًّا وأفرغه من أي مضمون.

وبعد، لعلّ ما يجعل حضور بشير الجميل ماثلاً إلى هذا الحد بعد 42 سنة على استشهاده، هي التحديات ذاتها التي لا يزال لبنان يواجهها والتي واجهها وقاومها بشير مع رفاقه في القوات اللبنانية، وإن كانت اليوم بأسماء ووجوه مختلفة. بالإضافة إلى المقارنة التي تفرضها تلقائياً ذكرى استشهاد بشير السنوية والتي يجريها اللبنانيون بينه وبين من تولّى سدّة الرئاسة من بعده، خصوصاً في السنوات الأخيرة.

بشير جسّد العنفوان اللبناني والكرامة والشجاعة والنزاهة والاستقامة في ممارسة السياسة والشأن العام، والحفاظ على سيادة الدولة ومواجهة كل المحتلين والطامعين والمعتدين. في جمهورية بشير وخلال 21 يوماً أعقبت انتخابه حتى لحظة استشهاده، جعل بشير إدارات الدولة ومؤسساتها تمشي كالساعة السويسرية، حتى قبل أن يتسلّم مهامه الدستورية ومقاليد الحكم. في حين، يرى اللبنانيون في أيِّ جمهورية ذلٍّ وبؤس وانهيار يعيشون اليوم، في دولة ينخرها الفساد والصفقات والسرقات، دولة خانعة متخاذلة مستسلمة لمهيمن من هنا ولمرشد من هناك، أوصلت لبنان وشعبه إلى جهنّم الذل.

لكن، وعلى الرغم من هذه “الأيام البائسة”، لعلّ الساعات التي تسبق انبلاج الفجر هي الأشد ظلمةً، قبل أن تبدّدها شمس لبنان الطالعة من رحم استشهادك يا بشير وكل الشهداء الذين سقطوا فعلاً على طريق لبنان الحلم، ومن عذابات اللبنانيين وآلامهم وتضحياتهم لأنهم يستحقون هذا اللبنان الذي بذلت نفسك ورفاقك في سبيله.

أمين القصيفي ـ موقع القوات اللبنانيّة