صلاح تقي الدين ـ لبنان الكبير
بعدما ساد الاعتقاد أن إسرائيل التي استوعبت رد “حزب الله” على اغتيال قائده العسكري الكبير فؤاد شكر، عادت لتمارس “هوايتها” باغتيال عناصر الحزب وقياداته بواسطة المسيرات وأن شبح الحرب الموسعة قد ابتعد، يبدو أن نية رئيس حكومة العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو المبيتة ضد لبنان تشي بأن الاستعدادات التي يقوم بها جيشه على الحدود الشمالية هي في الواقع تحضير لحرب واسعة ينوي شنها على لبنان.
منذ أن أعلن “حزب الله” عن فتح “جبهة الاسناد” لغزة في الثامن من تشرين الأول 2023، كانت عمليات القصف عبر الحدود تقتصر على المناطق المحاذية للخط الأزرق من الجانبين، غير أن إسرائيل التي كانت في ذلك الوقت تحصر همّها في غزة بالقضاء على بنية حركة المقاومة الاسلامية “حماس”، توجه قذائفها المدفعية وغارات طيرانها الحربي والمسيرات على ما تقول إنه “بنك أهداف” تملكه لتقويض البنية التحتية للحزب في منطقة القرار الدولي 1701، في حين كان الحزب يرد بقصف أبراج التجسس والمراقبة الاسرائيلية المنصوبة على طول الخط الأزرق.
لكن ومع تطوّر العمليات الاسرائيلية التي وصلت إلى حد استهداف نائب رئيس حركة “حماس” صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية وقبلها قصف مبنى القنصلية الايرانية في العاصمة السورية دمشق في نيسان 2024، وقف العالم على رجل ونصف بانتظار الرد الايراني على استهداف قلب طهران، ورد الحزب على استهداف قلب الضاحية الجنوبية، فكان الرد المنتظر عبارة عن إطلاق مئات المسيرات التي استهدفت إسرائيل من إيران، واليمن وجنوب لبنان، لكن الرد لم يكن بالحجم المتوقع، فعادت المناوشات إلى وتيرتها السابقة من قصف وقصف متبادل.
في هذا الوقت، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن موقفها الواضح بدعم إسرائيل وأرسلت لهذه الغاية ترسانة أسلحة بحرية وبرية لا تزال ترابط في المنطقة، استعداداً للدفاع عن الكيان الصهيوني في حال توسعت الضربات الايرانية أو الحوثية أو هجمات “حزب الله”.
ومع ارتفاع وتيرة المواجهات بين الكيان الصهيوني والحزب، نتيجة الهمجية الاسرائيلية التي خرقت ما كان متعارفاً عليه بقواعد الاشتباك فصارت طائراتها الحربية تغير على مناطق في عمق البقاع الشمالي ومسيراتها راحت تغتال عناصر وقياديين من الحزب أينما سمحت لها قدراتها التجسسية بتحديد أماكن وجودهم، جاءت عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران واغتيال القيادي من الرعيل الأول في “حزب الله” فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، فعادت المخاوف الاقليمية والدولية من توسع الحرب نتيجة تعهّد إيران والحزب بالرد على هاتين العمليتين الاجراميتين.
وجاء رد “حزب الله” في ذكرى أربعين الإمام الحسين وبغض النظر عن الأضرار التي ألحقها بالداخل الاسرائيلي، إلا أن إسرائيل التي كانت استبقت رد الحزب شنّت سلسلة غارات جوية على ما قالت إنها مواقع للحزب في جنوب لبنان وأعلنت بعدها أن ردها توقف عند هذا الحد، وخرج الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله ليقول إن حزبه أيضاً اكتفى بهذا الرد، داعياً أهل الضاحية الجنوبية الذين نزحوا منها الى العودة للعيش بأمان وطمأنينة.
لكن السؤال يبقى، هل فعلاً توقفت العمليات العسكرية بين الحزب وإسرائيل عند هذا الحد من القصف المتبادل؟
لا تشي الأنباء والتقارير التي تؤكّد نية إسرائيل بنقل حربها من غزة إلى الشمال، لتؤكد ما هو شبه مؤكّد أنها ستسعى بأي شكل من الأشكال مدعومة لوجيستياً وعملانياً بالقوات الأميركية البحرية والجوية وحتى البرية المنتشرة في المنطقة، الى تنفيذ عملية عسكرية ضد الحزب بهدف “إعادة مستوطني الشمال إلى بيوتهم” كما يردد بنيامين نتنياهو دائماً.
واللافت أيضاً كان الاجتماع الذي عقده قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي (CENTCOM)، الجنرال مايكل إريك كوريلا، مع رئيس الأركان الجنرال هرتسي هاليفي، لإجراء تقييم للوضع على الحدود الشمالية للكيان الغاصب. وأعلن الناطق باسم جيش العدو أفيخاي أدرعي أن الاجتماع “تناول التهديدات القائمة، مع التركيز هذه المرة على الساحة الشمالية من لبنان وإيران”.
وأكد أدرعي أن “الجنرال زار مقر قيادة المنطقة الشمالية في جيش الدفاع برفقة قائد المنطقة الشمالية في جيش الدفاع الميجر جنرال أوري غوردين، وأجرى تقييماً للوضع في غرفة العمليات الخاصة بالقيادة، حيث طُرحت عليه هناك الخطط العملياتية لجيش الدفاع في لبنان”.
وكانت التهديدات الاسرائيلية المتكررة قد زادت في الأيام القليلة الماضية من حيث اعتبار أن الحرب مع “حزب الله” أصبحت “حتمية” وستنطلق في أيام قليلة، ما يرفع من أسهم الحرب ضد الحزب وفي الوقت عينه يحول دون توسعها لتصبح حرباً إقليمية شاملة.
لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فاجأ العالم أمس بتصريح أعلن فيه أن العالم أصبح على مشارف حرب عالمية ثالثة، فهل ستسقط جميع المحاذير ويدخل العالم في خضم ما يخشاه لافروف؟
الأيام القليلة المقبلة ستكشف ما إذا كانت الوساطات ستنجح في لجم إسرائيل عن مغامرتها ضد “حزب الله” والتي بالتأكيد ستكبّدها خسائر لم تتعرض لها منذ قيامها، أم أن جنون نتنياهو سيتفوق على هذه الوساطات ويصبح مثل شمشون الذي هدم الهيكل؟