لا كلام يعلو اليوم على صدى التسوية المرتقبة، حتى عملية توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة باتت جزءا من هذه التسوية التي ستنتج رئيسا للجمهورية حتى قيل “إذا وصل مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة بأصوات نواب الممانعة والتيار الوطني الحر تكون رسالة توقيف سلامة سياسية وليست قضائية ولا تعود هناك جدوى للسؤال من باع ومن اشترى وما كان الثمن؟”.
حتى الآن لا شيء واضح باستثناء “الكلام عن تسوية” إضافة إلى ما أصبح شبه ثابت بأن تداعياتها على لبنان تثبت أن ما قبل حرب غزة لن يكون كما بعدها، وذلك وفقا لمؤشرات المفاوضات التي تحصل اليوم بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار في القطاع.
بالمباشر قالها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو : “أنا وحدي أقرر مصير غزة”. مما يعني أنه يريد التحكم بالقطاع وحركة الأشخاص على حدود غزة وفي داخلها. وهذا الأمر تعتبره “حماس” خضوعاً كاملاً للمشيئة الإسرائيلية حتى أنها أعلنت رفضها لمبدأ استخدام نتانياهو المفاوضات لإطالة أمد العدوان على الشعب الفلسطيني.
بالتوازي لا تبدو مناخات الداخل اللبناني أقل ضبابية. فغالبية القوى الدولية انكفأت عن دعم لبنان. وإسرائيل تدرك ذلك وتستغل هذه الفرصة لرفع مستوى الضغوط على الجانب اللبناني إلى الحد الأقصى، وهي تستغل مرحلة المفاوضات الحالية لتصفية الملف الفلسطيني وتنظيم المسار في غزة على أن تليها الضفة الغربية، إلا أنها تبدو أكثر حزماً في مسألة حدودها الشمالية وتحديدا عشية التحضيرات للعام الدراسي الجديد. وفي ما كان الإسرائيليون يطالبون في المفاوضات السابقة بإقامة منطقة عازلة لا تتجاوز الـ10 كيلومترات، باتوا اليوم يصرون على أن تكون هذه المنطقة في عمق 40 كيلومتراً. من هنا يبدو التهديد الاسرائيلي بمغامرة في لبنان أمراً جدياً في حال رفض حزب الله الإمتثال للقرار1701 .
والسؤال الذي يطرح في ضوء الاهتراء والفراغ في مؤسسات السلطة، هل يبقى “الحزب” هو اللاعب المحلي الوحيد القادر على قطف الثمار، في اعتبار أنه الأقوى في بلد سيصاب فيه الجميع بالخسائر؟ ومن سيقطف تداعيات ما بعد حرب غزة؟
العميد المتقاعد جورج نادر يشير أن “أي اتفاق سيحصل سيكون لصالح إسرائيل لأنها تستغل اهتمام الإدارة الأميركية وانشغالها بالإنتخابات الرئاسية وفرض صوت اللوبي الأميركي المؤثر لانتزاع الشروط التي تضمن أمن إسرائيل وسلامة حدودها الشمالية”.
رفض نتانياهو أي وقف لإطلاق النار يؤكد على حسن استخدام إسرائيل لقدرة الضغط على الولايات المتحدة “لكن إذا حصل وقف لإطلاق النار فهذا لا يعني أن الحرب انتهت، لأنها حرب وجودية ولا مكان للتسويات فيها. وما يهم الأميركي اليوم هو ضمان أمن إسرائيل وتوفير الراحة لها. أما همّ إسرائيل فمحصور بإبعاد حزب الله إلى ما وراء وراء الليطاني. وفي حال تحقق ذلك نتيجة اتفاق أميركي إيراني إسرائيلي يصبح الحزب الحاكم الشرعي في لبنان. آنذاك سيتبدل شكل الحكم في لبنان لأن سلاح الحزب سيتحول إلى الداخل وسيكون هناك عقد اجتماعي ثانٍ وهذا ما كان يقصد به أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في قوله “ما قبل حرب غزة لن يكون كما بعدها”.
قد يكون ذلك وارداً، خصوصا أن كثيرين يعتقدون أن ما بعد حرب غزة والجنوب لن يكون كما قبلها. “وهذا ما أخشاه” يردد نادر مضيفا” المصالح هي التي تتحكم بمسارات الدول وليس العواطف. من هنا أخشى حصول اتفاق أميركي-إيراني-إسرائيلي لأنه سينعكس سلبا على الداخل اللبناني نتيجة الانهيارات والفراغات المتلاحقة، خصوصاً منذ انهيار تشرين الأول 2019 والكوارث التي تلته أو نتجت عنه. وقد يكون التعطيل في موقع الرئاسة متعمدا للوصول إلى اللحظة التي يجلس فيها الفرقاء إلى الطاولة للتفاوض ولا يكون هناك رئيس للجمهورية إنما معارضة هشة تكتفي بالبيانات والمواقف عبر وسائل التواصل الإجتماعي، بدل أن تحرك الرأي العام المعارض وتحثه للنزول إلى الشارع للتعبير عن رفضه للحرب وامتلاك حزب الله قرار الحرب والسلم كما يحصل في كل دول العالم. عندها سيكون الجو متاحا امام الحزب ليفرض قراره. فإذا ما كانت التسوية على مستوى مشروع إيران التوسعي سيقبل بمطلق أي رئيس، وإلا سيتمسك أكثر بمرشحه سليمان فرنجية”.
الحروب عبر التاريخ تنتهي بجلوس المتحاربين إلى طاولة مفاوضات، وهذا ما ستنتهي إليه الحرب في غزة. لكن المشكلة الأم تكمن في غياب الدولة اللبنانية عن السمع وبعدم وجود رئيس للجمهورية يجلس إلى طاولة المفاوضات ويضرب بيد من حديد. والأخطر تنصل الحكومة من مسؤولياتها، اذ تركت لحزب الله التفاوض مع الموفدين الدوليين عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، واتخذت في المقابل موقف المتفرج على تدمير الجنوب وتشريد اللبنانيين.
ما لم تحسم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أمرها بتطبيق كامل القرار 1701، ونشر الجيش بمؤازرة اليونيفيل في شمال الليطاني وعلى الحدود مع إسرائيل، لن تكون هناك مفاوضات ولا تسوية. ويختم نادر”عسى أن يصار إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة قادرة على الحسم، وتقوية الجيش اللبناني تسليحا وعديدا، على ان تعطى له صلاحيات ميدانية استثنائية لتأمين الاستقرار الدائم في الجنوب عندها كل التسويات تصبح باطلة ولبنان يبقى شكلاً ومضموناً”.
جوانا فرحات ـ المركزية