تفاؤل كاذب!

ضجت الأوساط الاعلامية في اليومين الماضيين بالأخبار التي صوّرت أنها إيجابية والمتعلقة بإمكان الوصول إلى حلحلة في الملف الرئاسي، حتى ذهب بعضهم بعيداً في تحديد نهاية العام الجاري كموعد لانتخاب الرئيس العتيد.

واستندت هذه الأوساط في تفاؤلها إلى التصريحات والتحركات التي قام بها سفراء اللجنة الخماسية وعبّروا من خلالها عن “ضرورة” الافادة من الفرصة المتاحة “الآن” لتمرير الاستحقاق والعبور برئيس جديد يملأ الفراغ المهيمن على قصر بعبدا منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 تشرين الأول 2022.

وزاد في تفاؤل هؤلاء الزيارة التي يقوم بها المبعوث الفرنسي الخاص جان إيف لودريان للاجتماع إلى المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا وسفير خادم الحرمين الشريفين في لبنان الدكتور وليد بخاري، والمقرر عقده اليوم الخميس والملف الرئاسي يتصدر طاولة المباحثات.

غير أن مصدراً نيابياً وسطياً استغرب هذا التفاؤل “المفرط” أو بالأحرى “الكاذب”، إذ ان التعقيدات برأيه لا تزال داخلية ولن يصبح لنا رئيس قبل أن “تتحلحل” هذه التعقديات.

وقال المصدر لموقع “لبنان الكبير”: “الشرط الأول لحلحلة التعقيدات الداخلية يكون بقبول دعوة الرئيس نبيه بري إلى الحوار للتفاهم على شخصية الرئيس العتيد ودوره، وما دام هناك فريق أساسي يرفض هذه الدعوة، فلن ينعقد المجلس النيابي لانتخاب رئيس”.

وأضاف: “ثاني هذه التعقيدات استمرار حزب الله في دعم الشعب الفلسطيني من خلال جبهة الاسناد التي انخرط فيها ما جعله يضع كل الحسابات الرئاسية وما شابه من شؤون داخلية في المقام الثاني، فبالنسبة الى الحزب لا صوت يعلو حالياً فوق صوت المعركة”.

والعقدة الثالثة بالنسبة الى المصدر الوسطي هي أن “القبول برئيس من الأسماء الثالثة، أي من خارج الأسماء المتداولة بين الفرقاء السياسيين المتمسكين لغاية اليوم بالمرشح سليمان فرنجية بالنسبة الى فريق الممانعة، وجهاد أزعور بالنسبة الى فريق المعارضة، لا يزال بعيداً وهذا العنصر هو برأيي الأساس في حلحلة العقد التي تحول دون الوصول إلى انتخاب رئيس”.

لكن اللافت في خضم هذه التعقيدات أن القيّمين على السياسة الداخلية يجتهدون في “اختراع” أزمات جانبية تبدو وكأنها “ملهاة” لابعاد الاهتمام بالضرورة الأولى التي لا يستقيم الوضع من دونها وهي انتخاب رئيس يعيد دوران عجلات الدولة الشرعية.

أولى هذه الأزمات كانت موضوع فرض رسم بقيمة 50 دولاراً أميركياً على تسجيل التلاميد في المدارس الرسمية بهدف تغذية صناديق المدارس التي ترزح تحت عبء الغلاء الذي يخيّم على لبنان، واستمرارية هذه المدارس بغياب الميزانية العادلة والمنصفة لقطاع التربية، وهذا القرار الذي اتخذه وزير التربية القاضي الدكتور عباس الحلبي أقام الدنيا ولم يقعدها.

وراحت وسائل الاعلام تجتهد في الترويج لمعارضة شعبية لهذا القرار، وقد يكون الأمر صحيحاً غير أن ما زاد الطين بلة هو المعارضة النيابية والسياسية التي واجهها الوزير الحلبي بدءاً من الزعيم وليد جنبلاط والذي يفترض أنه مدعوم منه.

ونسي المسؤولون كما اللبنانيون أن هناك أزمة كبرى في البلد تتمثل في غياب رئيس للجمهورية، فأصبحت مسألة رسوم تسجيل الطلاب هي القضية الأولى ولا تزال تداعيات قرار الحلبي تتفاعل حتى وصلت إلى حد تسريب معلومات تشي بأنه على وشك الاعتكاف عن ممارسة مهامه.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فكانت الأزمة “الملهاة” الاضافية المتمثلة في القرار القضائي بتوقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، وتصدّر هذا الموضوع عناوين نشرات الأخبار وتحليلات الصحافيين، ناهيك عن التعليقات المختلفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فخيّم خبر سلامة على بقية الأخبار ومنها الرئاسية.

في جميع الأحوال، قال المصدر الوسطي: “فلنفترض أن أعجوبة وقعت وانعقد المجلس النيابي وانتخب رئيساً، لكن السؤال الأكبر هو ماذا بعد؟”.

ماذا بعد انتخاب الرئيس، ماذا عن الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة؟ ماذا عن شكل الحكومة وتركيبتها، وهل سيكون فيها ثلث معطل؟ ماذا عن البيان الوزاري، هل سيستخدم شعار الثلاثية الشهيرة جيش وشعب ومقاومة؟

التفاؤل الكاذب الذي ساد الأجواء السياسية والاعلامية في الأيام القليلة الماضية، مرشّح لأن يزول ويعود وضع الترقب إلى حاله، بانتظار قرار داخلي شجاع يتمثّل في قبول الفرقاء السياسيين مجتمعين بالجلوس إلى طاولة حوار للتوافق على إخراج لبنان من عنق الزجاجة الذي يضيق يوماً بعد يوم وقد يسبب الاختناق الذي لن يستثني أحداً.

صلاح تقي الدين ـ لبنان الكبير