الحص الآدمي … يُخطئ أيضًا

حبيب شلوق

اعتباراً من 22 أيلول 1988 تاريخ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية أمين الجميل ، بدأ ترقب من سيكون الرئيس الخلف. و بينما عيّن الجميّل تحت ضغط كبير وصل إلى “العسكر”، حكومة انتقالية خلفاً له لتدير الدولة برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون، رفض رئيس الحكومة سليم الحص الذي كان متولياً رئاسة الحكومة الأخيرة في عهد الجميل الإستقالة كما ينص الدستور، متسلحاً بقيادات حزبية مدعومة من قوات الوصاية السورية على لبنان بقيادة الرئيس السوري حافظ الأسد. وهي خطيئة كبرى لا تُغتفر.ومما زاد في الطين بلّة ، إقدام أعضاء الحكومة العسكرية التي ألّفها عون على الإستقالة وهم اللواء محمود طي أبو ضرغم ّ(درزي) والعميــد محمد نبيل قريـطم(سني) والعقيد لطــفي جابر ( شيعي)، علماً أن الجميع كانوا فرحين لتوزيرهم وكانوا على علاقة وطيدة بقائد الجيش ، بينما تمسك الحص ووزراؤه من منطلق طائفي وبطلب من الوصاية السورية بالبقاء خلافاً للدستور في السلطة، وكان أركان الحكومة الذين “تمرّدوا” على الدستور آنذاك، فضلاً عن الحص، السبب الأساس لمزيد من الشرخ الذي أصاب البنية اللبنانية، وقد يكون “ضمير لبنان”العميد ريمون إده كما لقّبه الصحافي الكبير رئيس تحرير جريدة “النهار” ميشال أبو جودة هو مَن عرف التشخيص وأصاب الإثنين معاً، عندما قال أن العماد عون رئيس حكومة “دستوري ولكن غير شرعي ” لأنه كُلّف دستورياً إلا أنه لا يمثل جميع اللبنانيين بسبب استقالة الوزراء المحمديين من حكومته، بينما الحص رئيس حكومة شرعي لترؤسه حكومة من كل الطوائف ولكن غير دستوري لأنه لم يُكلّف دستورياً.وسليم الحص كان رئيس الحكومة الأكثر شفافية وقد اصطفاه رئيس الجمهورية الشفاف الياس سركيس زميله في مصرف لبنان ، لكن الحقيقة تقال أنه كان في بعض الأحيان طرفاً مذهبياً وخصوصاً في عهد “الحكومتين” وبدء تشلّع لبنان. سليم الحص كان نموذجاً لرؤساء الحكومات من حيث الشفافية ، ونظافة اليد والصيت الحسن والتعالي عن المظاهر البرّاقة.وفي عودة إلى زمن “الحكومتين” وهي سابقة لم تحصل في تاريخ لبنان ، توجّهنا مجموعة من الصحافيين ومراسلي الصحف ووسائل الإعلام صباح يوم الجلسة التي دعا إلى عقدها رئيس مجلس النواب السيد حسين الحسيني لانتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس الجميل، إلى منزل رئيس السن آنذاك النائب الصديق كاظم الخليل في الحازمية والذي كان حسب الدستور سيرأس جلسة انتخاب الرئيس العتيد، على أن يصحبه رئيس الحكومة في سيارته، وسألناه: مع مَن ستنزل إلى المجلس مع عون أو الحص؟ فأجاب بابتسامة تخفي دهاء سياسياً :”مع مَن يصل أولاً”.رحم الله سليم الحص رئيس الحكومة الآدمي.المقال المقبل: “عمي سليم … أنا حبّيتك”.