كابي لطيف أيقونة مخضوبة بالوان الفرح،في رنة صوتها سحر لا تفك طلاسمه،فيه من جاذبية الوقع ما يغبط الاذن، ويأسر القلب،ويخدر الحواس، ويحملك إلى عالم معلق بين الارض والسماء، يترجح بين النغم الحالم والشاعرية المذوبة بحلو الكلم، ويترنح منتشيا وقد استبد به السكر من خمرة مستقطرة من دنان الإبداع. تبكي وتضحك حزنا وفرحا… لأنها لا تخط سطرا لتمحوه….فمن كان لها مثل هذا الحضور الطاغي،لا تعرف استخدام الممحاة. صوتها العذب ينساب اليك كما ينساب الماء النمير في اوردة السواقي،قبل أن ينسكب لجينا في الجداول،أو الينابيع وهي بعد جنينا قبل أن تنبجس من رحم الارض… سقيا لتلك الأيام تحت سقف كلية الاعلام في مطالع سبعينيات القرن الذي انصرم، في المصيطبه- بناية حمود، زمن عمادة الدكتور بشير العريضي – طيب الله ثراه- يوم كنا ضمة فتيات وفتية بعمر الربيع لا نملك من حطام دنيانا إلا الطموح والحلم. لم يخطر في بالنا أن يد القدر ستلقي بنا في مناف ستفرق بيننا، وترسم مصائرنا دون مقاومة منا، وكأننا استسلمنا لما كتب لنا. لكن تلك الروح التي ظللتنا بالحب والمودة ، وارخت علينا جدائل الصداقة ، كانت أقوى من المسافات والانقسامات وكل أشكال الغربة. كنت كلعبة …ككرة نور…كنجمة لألاءة…كفانوس سحري… بل كعصفورة النهرين تتنقلين… تتقافزين…وفي حنجرتك زقزقة واغواء…ملأت الشاشة وشغلت متابعيها، وكنت أصغر فتياتها سنا عهدذاك،وبسرعة الضؤ افردت لنفسك مكانا ومكانة لم تؤت لمن كن اقدم تجربة، وارسخ تقانة، وذلك يعود إلى ال” شارم” الخبيء في عينيك، والدلع الملوح بالخفر المصاحب لابتسامتك الحيية، واكتسبت جمهورا واسعا في حيز ضيق من الوقت. فرفع الزمن قبعته تحية لك، واحنى رأسه اعجابا، ولو انك اختصرته، متوجهة إلى الناس من بوابة الكلمة الانيقة، والتعليق الذكي، والاسلوب المميز، من دون عبور المراحل التي “تسستم” طرق الوصول إلى الغاية المبتغاة. كنت يا كابي منذ دخولك تلفزيون لبنان إلى لحظة مغادرتك وطن الارز إلى عاصمة النور،إحدى منائره الساطعة بقوة موهبتك، وشمولية ثقافتك، وحسن تدبرك في اللحظات الحرجة، وإجادة تخيرك للموضوعات. وفي اذاعة” مونتي كارلو” كنت صوتا للبنان، من دون أن ننسى ما قدمته لاذاعة صوت لبنان وفيها من برامج كان لها الصدى والوقع. كنت صوتا نابضا بالحنين إلى الوطن الام الذي غادرته،وفي القلب حسرة تقارب الفجيعة. تفجرت غضبا وثورة على الحال التي بلغها، واوحال الحقد والضغينة التي ولغ فيها، وانقسام أولي الأمر فيه الذين استقدموا مصالحهم الخاصة، واستأخروا حقه عليهم في رحمته،ووقف دوامة الفوضى والاذلال التي تمثل فصولا على أرضه. كابي لطيف ما كنت فقط الصوت والقلب والنبض والعين في باريس،بل كنت الضمير وضمير الضمير الذي يسيل على شفتين انتصارا لوطن الارز. حاورت الجميع بانفتاح، وموضوعية، وحيادية، لكنك لم تكوني ابدا في موقع الحياد عندما كان يتعلق الأمر بلبنان- الوطن، ولبنان- الانسان . هذا ما شهد به وله الجميع. اشكر ” الصالون الادبي والثقافي بكازينو لبنان”، وأخص بالشكر رئيس مجلس الإدارة والمدير العام رولان خوري، ومسؤولة الاعلام في هذا المرفق- الرائد رنا وهبه على الدعوة المخصصة لتكريم كابي لطيف التي نفخر بانضمامها إلى نقابة المحررين. واختم بالقول: أيتها الديرية المتحدرة من شوف لبنان، لك مني ومن زملائك في النقابة، وخارجها، كل الحب، فأنت، ولو طالت بك السنوات في عالم الاعلام تبقين علما خافقا، تتجددين مع تجدد الفصول، ارزة دهرية لا تشيخ، مخلدة باعمالك، وما قدمته للمكتبة التلفزيونية والاذاعية في لبنان وفرنسا. ألا دمت هامة إعلامية ثقافية صولجانك العطاء، وتاجك الحرية. والى سنين عديدة ومديدة وانت على فنن الاعلام عصفورة تشدو بالحب والحياة.جوزف القصيفينقيب محرري الصحافة اللبنانية
*ألقيت في حفل تكريم كابي لطيف بدعوة من الصالون الأدبي والثقافي في كازينو لبنان.