حرب محدودة بنتائج إقليمية وانعكاسات دولية..باستثاء رؤيوية الميدان..مواقف وتحليلات خارج الوعي…

علي يوسف

قد يكون من الصعب في ظل المواقف والتحليلات التي تصدر فهم أسباب هذا الحجم من تعقيدات الوصول الى اي هدنة او حل ولو جزئي أو مرحلي لحرب الابادة القائمة على غزة وحروب الجبهات المساندة التي خرجت عمليا عن صفة المساندة لتتحول الى حروب متتابعة ولو
كانت ما تزال تحمل شعار المساندة..
صحيح ان طوفان الأقصى كانت اول معركة هجومية عربية على ما يسمى ” الدولة الاسرائيلية المعترف بها دوليا وحتى عربيا بمضمون المبادرة العربية ” وصحيح ان هذه المعركة الهجومية ادت الى اظهار كل الوجوه المتوحشة وغير الانسانية للعدو الصهيوني قيادات وجيش.. وصحيح ايضا ان جبهات المساندة تحولت الى جبهات مستقلة ومتكاملة وهجومية ايضا ادخلت الكيان الصهيوني المتوحش في معركة وجودية بحيث تحول الرد الى مشروع ابادة جماعية للشعب الفلسطيني في غزة وتطور مؤخرا الى مشروع متدرج للإبادة في الضفة الغربية…والى مشاريع اغتيالات تتجاوز الحرب الجبهوية الى ادخال المنطقة على مشارف حرب اقليمية..
وباستثناء ما طرحه سيد المقاومة من رؤيوية الميدان الذي يحكم التطورات سياسيا وعسكريا واقعاً وأفقاً فإن معظم المواقف المتعلقة ان بالمفاوضات او بالتحليلات فقد اعتمدت مسلمات إما مرتكزة على وعي متخلف عن مسار الحرب او عن طروحات منطقية غير سياسية او عن رؤية محدودة للتطورات ومعزولة عن الظروف الاقليمية والدولية …
وحتى لا يبقى الكلام عاما سوف نبين ذلك ونفند هذه المسلمات ليس من باب تسجيل الانتقادات والنقاط وإنما من باب ضرورات التصحيح لتأخذ الامور مواقعها ولتصحيح بعض المسارات ولوقف التعويل على المشاريع والآفاق الوهمية ..
ولنبدأ منذ اندلاع الحرب ونسير تدريجا ولو ان بعض ما سنطرحه تجاوزته الاحداث ولكن طرحه يبقى مهما لانعكاسه على ما يدور الآن ..:
١- لم يكن هناك تناسب بين حجم عملية طوفان الاقصى التاريخي والوجودي بالنسبة للكيان الصهيوني وبين المطالب الفلسطينية المتعلقة بتبادل اسرى في ظل الاحتلال ! ورفع الحصار عن غزة وعن الاقصى ..ثم اضيف لاحقا وقف اطلاق النار والانسحاب والإعمار الذين نتجوا عن العدوان ..
قد يبدو هذا السقف السياسي طبيعيا الا انه في الحقيقة لم يأخذ بعين الاعتبار ان طوفان الاقصى جاء ردا ليس فقط على الاعتداءات على الاقصى ولكن ايضا جاء رداً على تطورات عربية-صهيونية ذات مسار تطبيعي يقضي على القضية الفلسطينية مع ما يعني ذلك من انعكاسات على توازن القوى الاقليمي والدولي .. وغياب هذا البعد في السقف السياسي حصر السقف السياسي بمعطى فلسطيني جعل الجبهات الشريكة جبهات مساندة (وان يكن الميدان بدأ يصحح دورها على المستوى السياسي) واستبعد دخول قوى اقليمية وحتى دولية في هذه الحرب التي تحمل البعدين الاقليمي والدولي…
٢-هذا الوضع سمح لأن يدخل شركاء للكيان تحت المظلة الاميركية التي تقود هذه الحرب ببعديها الاقليمي والدولي ليكونوا زورا وسطاء ويعملون تحت يافطة الوساطة للضغط على المقاومة في غزة بعوامل تخليص الفلسطينيين من الجوع والمجازر عبر طلب اعلان الهزيمة او السير نحو الهزيمة لتنفيذ مشروع التصفية وتكريس غلبة التطبيع وتوازن قوى لمصلحة الغرب واميركا والصهاينة ..
وقد تجاوبت المقاومة في غزة مع وضعية الوساطة المزورة لهؤلاء الذين يعملون بإدارة اميركية علنية حتى وصل الامر الى الاعلان عن قبول ما يسمى مبادرة الرئيس بايدن ..التي نعرف ان هدفها الوحيد الاستفادة من المجازر لفرض القبول بالهزيمة تحت شعار انقاذ المدنيين الذي يشجع على إبادتهم عبر تزويد الكيان بالسلاح اللازم لذلك..
٣- وزاد في عدم فهم واقع الحرب وتشويش الوعي الكلام الكثير عن ان الحرب ستقف قبل الانتخابات الاميركية علما ان هذه النظرية ناتجة فقط عن منطق وهمي خصوصا وان الحقيقة هي ان الدولة العميقة في اميركا تتحرك بقوة اكبر قبل الانتخابات مستفيدة في هذه الفترة من انشغال المستوى السياسي بالانتخابات ….وهكذا خاب امل هؤلاء ولم تتوقف الحرب بل زاد تصدير السلاح الى الكيان ..!
٤- ومن التحليلات والمسلمات المرتكزة الى منطق شخصي الترويج ان الكيان الصهيوني لا يحتمل حربا طويلة.. وهاهو يحتمل حربا حتى الان بلغت السنة الكاملة ولا زلنا في خضمها .. واحتمل الدمار والتهجير كون الحرب ذات طابع وجودي ومن كان يفترض غير ذلك فمرده الى عدم معرفة ماهية هذه الحرب ….
٥- حتى ان الغباء وصل عند بعض السياسيين والمحللين الى تبني الترويج الصهيوني للتلاعب بالمفاوضات لفكرة وجود خلاف بين نتنياهو وبين الوفد الصهيوني المفاوض الذي يعمل بتوجيهاته..!! ؟؟؟؟
٦- وبنفس الغباء بل مع بعض الاضافة كثر الكلام عن الخلافات بين اميركا والكيان وبين نتنياهو وبين المعارضة وبين نتنياهو والقيادات العسكرية وصولا الى الفكرة الاكثر غباء عن ان نتنياهو لا يريد وقف الحرب لانه سيذهب الى التحقيق ثم الى السجن … وكلها افكار غبية تشوه الوعي العام وتشوه حقيقة هذه الحرب وحقيقة الواقع الصهيوني ونظرته الوجودية لهذه الحرب ونظرته مع معلمه وشريكه الاميركي حول تأثيرات نتائجها اقليميا ودوليا ..
٧- وآخر بدع المواقف والتحليلات هي الحديث عن ان الكيان يحاول جر اميركا والمنطقة الى حرب اقليمية ويجب عدم اعطاءه الفرصة لذلك ..وهي البدعة التي استعملت كوسيلة تهويل لوقف رد حزب الله على اغتيال الشهيد سيد محسن ورد ايران على اغتيال الشهيد اسماعيل هنية على اراضيها ورد الحوثيين على الاعتداء على الحديدة ورد المقاومة العراقية على الغارات على مواقعها …؟؟!!!
ولم يتوقف من كان يقول ذلك وهم معظم من ظهر على وسائل الاعلام المؤيدة للمقاومة او المعادية اليها ليراجع موقفه ويعتذر ويعترف ان ذلك كان تهويلا وانه لو كان كلامه ينطلق من رؤية واضحة لما كان وقع في هذا الفخ اذ لو كان رد حزب الله الذي ضرب العمق في فلسطين المحتلة في ضاحية تل ابيب وضرب ١٢ قاعدة عسكرية ومركز الجهاز ٨٢٠٠ الاهم والمعني بكل الاغتيالات ليس مبررا لحرب شاملة فما هو ياترى المبرر الذي يبحث عنه الكيان ..؟؟!!!!…

اعتقد بجب تصحيح كثير من الامور في المواقف وفي التحليلات ….
انا لا انكر ان الاميركي والصهيوني يهدف من هذه الحرب الى كسب حرب اقليمية لها تأثيراتها الدولية الا انه ما يزال يعمل في تجزئة حرب دولية وتحقيق مكاسب اقليمية من خلال حروب محدودة مستفيدا من ان عدم جهوزية المحور المقابل توفر عليه معركة دولية كبرى قد تتحول نووية وتحفزه الى محاولة تجميع كسب معارك اقليمية بحروب محدودة تنعكس اقليميا وهو لذلك يطرح شعار عدم توسيع الحرب مع انه يسعى الى معارك ضيقة لها نتائج واسعة …
اما لماذا يذهب الاميركي الى الحرب الدولية وان مجزأة فذلك له مقال آخر لاحق ….