رجال حول وطني سليم أحمد الحص.. ضمير لبنان وجمهورية الضمير

“حتى اذا اقتدروا للحكم وابتدعت
أهواؤهم ما يشاء الصهر والولدُ
وظنّ كل خليع أنه ملكٌ
وأنه في حمانا الواحد الأحدُ
غفرت للحرب ما جرَّت وما إضطهدت
فالسلم أرهف ناباً حين يفتقدوا.”
م. ح. أ

ضمير لبنان وجمهورية الضمير الوطنية. رجل الدولة، المهندس الاقتصادي، البروفسور الأكاديمي. أخذته السياسة على حين غرة . فدخلها من باب رئاسة الحكومة فكانت له طوع أمرٍ وبناءً على رغبة من حاكم مصرف لبنان ورئيس الجمهورية فيما بعد الياس سركيس.الذي جمعته معه الزمالة والصداقة أيام الرئيس الراحل فؤاد شهاب….
مارس الحكم بعقلية الخبير الاقتصادي الشفاف… بعيداً عن المحسوبيات والطائفية وسرعان ما كشفت سيرته المليئة بالمواقف الوطنية والقومية المشرّفة، البعيدة عن الفساد والمحسوبيات، له مفهومه الخاص، في كيفية ممارسة السلطة وإدارة مؤسسات الدولة.
وهو الذي رفدَ رئاسة الحكومة بدروس خاصة وزوّدها بالرؤى الواسعة وبحكمة التدبّر وبحنكة الممارسة ما أكسب بعض أعضائها نمط تفكيري مغاير أفسحت الطريق أمامهم الى عالم أفضل مبني على الأخلاق العالية والنزاهة والإنسانية المرهفة والعلم الرفيع والثقافة العميقة….
مارس الرئيس سليم الحص،الحياة السياسية في عمقها الاستشرافي، وفي أبعاده الثقافية والسياسية والاقتصادية والإنسانية، عوامل جعلت من الرجل مدرسة في ممارسة الحكم والسياسة في لبنان، أرسى قواعد ممارسة السلطة، على أساس احترام القوانين بديمقراطيته الفريدة التي أزعجت الطبقة السياسية، وهو صاحب القول “في لبنان الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية.”..
تولّى أرفع المسؤوليات في أدقّ المراحل…
انتخب نائباً عن بيروت: 1992 – 2000
إصدرالرئيس سليم الحص العديد من الكتب والمحاضرات، وثّقَت بكلّ أمانة مراحل ترؤسه خمس حكومات لبنانية ما بين عام 1976 وصولاً لآخر حكومة في عام 2000، حينها أعلن اعتزاله العمل السياسي اللبناني، مكرّساّ اهتمامه للعمل الوطني،والقومي…
طالب الرئيس الحص مراراً … “انّ ميثاق العيش المشترك، لا يمكن تطبيقه إلا إذا اقتنع اللبنانيون، أنه الوسيلة الأفضل للحفاظ على لبنان الحاضر والمستقبل، فالعيش المشترك، هدفه كان ولا يزال، التوافق على قيام دوله توفر الأمن والاقتصاد والاستقرار وشروط العيش الكريم، لكلّ اللبنانيين وبغضّ النظر عن انتماءاتهم الطائفية او الحزبية، وبذلك نستطيع مصالحة الدولة مع المواطن والعكس صحيح..”
الرئيس الحص الوحيد بين الرؤساء الذي اعطى الدولة اللبنانية ولم يأخذ منها ولم يسع لتحقيق مصالح شخصية على حساب الدولة، وهو صاحب القول (يبقى المسؤول قوياً إلى أن يطلب أمراً لنفسه)….
كنا في مكتبه مجموعة من الزملاء الصحافيين والمستشارين وكانت وزارة المالية قد خصصت رفع مخصصات الوزراء والنواب وقد خصصت لدولة الرئيس الحص مبلغاً معيناً من المال مع مفعول رجعي… قرر الرئيس الحص ان لايأخذ هذا المبلغ حفاظاً على خزينة الدولة.. وقد احتدم النقاش بين من يقول بضرورة أخذ المبلغ والرئيس الحص ظل على موقفه الرافض لأخذ المبلغ …
فتدخل المحامي محمود حطب وعلّلَ الموقف بمطالعة قانونية… اقنعت الحضور. فما كان من الرئيس الحص، ان انهى النقاش قائلاً سآخذ المبلغ واتبرع به الى دار الايتام… وهكذا كان…
يُعتبر الرئيس الحص رجل دولة بامتياز وخبيراً ضليعاً بجميع مفاصلها، إضافة إلى عمله في إطار المجتمع المدني بعد تركه العمل الحكومي، حيث شغل عدة مواقع منها رئيس مجلس أمناء المنظمة العربية لمكافحة الفساد التي تأسست في العام 2005 بمبادرة من نخبة من الشخصيات الفكرية والثقافية…
وندوة العمل الوطني….
ربطتني بالرئيس الحص صداقة كبيرة تعمقت مع الأيام وكان لقاؤنا اليومي كل نهار في مكتبه “بعائشة بكار” أو السراي الحكومي حيث كنا نجتمع به الساعة الثانية عشرة ظهراً من كل يوم مع مجموعة من الزملاء الصحافيين المخضرمين حيث كان يزودنا بالتطورات والأجواء السياسية …
وكنا نستمد منه المعلومات والارشاد بروح من الوطنية المسؤولة…
نم قرير العين إنك صانع مجد لبنان العظيم.
رحم الله الرئيس سليم الحص وأدخله فسيح جناته.
وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.

صديقك المحب
فادي الغوش