مفاوضات الإشتباك لا الحل!

عندما تعرضت العاصمة الايرانية طهران لاعتداء طاول سيادتها من خلال اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، والذي وجهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل بوقوفها وراءه، قامت الدنيا ولم تقعد وأصدر الامام خامنئي فتوى اعتبر فيها أن الرد على هذا الاغتيال حتمي وواجب ديني وأخلاقي. كان ذلك في الحادي والثلاثين من تموز الماضي، والعدو الاسرائيلي خرق قبل ذلك بيوم واحد كل الخطوط الحمر فاستهدف بواسطة غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت أحد أهم كوادر “حزب الله” العسكريين فؤاد شكر، فتوعد الحزب وأمينه العام السيد حسن نصر الله بالاقتصاص من العدو والرد على هذا التطاول.

وبعد مرور ما يقارب الأسابيع الثلاثة على هذين الاغتيالين، لا يزال الرد الايراني وكذلك رد “حزب الله”، بحكم المؤجل، ساعة بحجة أنها حرب نفسية جعلت من الاسرائيليين ينتظرون بخوف وهلع الرد وكيفيته وموعد تنفيذه، وساعة لأن هناك مفاوضات دائرة حول إمكان ضبط الردين لكي لا يشكلا عذراً لتوسعة الحرب في المنطقة، فيما يستمر الجنون الاسرائيلي المتمثل في توسيع قاعدة استهدافاته في لبنان ووصوله إلى عمق البقاع ناهيك عن عمليات الاغتيال التي ما زال ينفذها بطريقة تكشف إلى حد ما قدرته الاستخبارية التي تسمح له بالتعرف على أهدافه حتى ولو كانوا على متن دراجات نارية.

ويقول مصدر مطلع مقرب من “فريق الممانعة”: “ان الرد الحتمي آتٍ ولا مجال للتراجع عن هذا الأمر، فهناك قرار من المرشد الأعلى وهذا بمثابة فتوى ولا يمكن أصلاً للقيادة الايرانية التراجع عن موضوع يتعلق بأمنها الداخلي وسيادتها اللذين انتهكا من إسرائيل بصورة فاضحة”.

ويضيف المصدر لموقع “لبنان الكبير”: “إن المفاوضات أو فلنقل الوساطات التي كان تجري بين القيادة الايرانية والولايات المتحدة مباشرة أو بالواسطة، كانت تهدف إلى إقناع طهران بعدم التوسع في ضربتها للرد على الخرق الاسرائيلي لسيادتها أو توجيه ضربة موجعة الى اسرائيل بحيث لا تضطر الدولة العبرية الى الرد على الرد وبالتالي احتمال أن يفلت الملق ويندلع أتون حرب موسعة تبدأ إقليمية وربما تتحول عالمية”.

ويكشف المصدر أن الغرب وتحديداً أميركا بعدما لمست جدية القرار الايراني بالرد، انتقلت كما عادتها إلى استخدام وسائل الضغط والترهيب ومن ضمنها إرسال الأساطيل البحرية ومؤخراً الاشارة إلى إعادة تموضع 30 ألفاً من قواتها في المنطقة للدفاع عن إسرائيل.

ويتابع: “كما أن من بين رسائل التهديد إبلاغ المرشد الأعلى أن أميركا جادة في استخدام السلاح النووي إذا لزم الأمر لردع إيران عن خطتها الانتقامية، فكان الرد الايراني الحاسم بأن الأمر إذا وصل إلى هذا المنحى فإن الرد على أميركا سيكون بالمثل وبطريقة ستفاجئها”.

وكان محور الممانعة قد انخرط في نقاشات حول إمكان توحيد الساحات في الرد على الكيان الصهيوني بمعنى أن تشترك أذرع هذا المحور من الحوثيين في اليمن إلى الحشد الشعبي في العراق إلى “حزب الله” في لبنان، في الرد بالتزامن على الكيان العبري وبطريقة موجعة تجعله يشعر بفداحة ما ارتكبه بدءاً من المجازر بحق الشعب الفلسطيني في غزة وصولاً إلى الاعتداء على المناطق الداخلية في لبنان في انتهاك واضح لقواعد اشتباك كان قد أرساها مع “حزب الله” تحديداً بعد حرب تموز 2006.

ثم خرج السيد نصر الله ليقول في خطاب تكريم للشهيد فؤاد شكر إن الرد الحتمي سيحصل، لكنه وربما في إطار الحرب النفسية لم يحدد ما إذا سيكون الرد موحداً أو “بالمفرق” أي أن كل ساحة تتولى الرد حسب وضعيتها وقدرتها.

وجاء الموفدون الغربيون والعرب إلى لبنان بهدف “التهويل” على الحكومة اللبنانية لردع “حزب الله” عن توجيه ضربة مؤلمة إلى الكيان الصهيوني من جهة، ومن جهة ثانية للتأكيد أن أي ضربة من الحزب على إسرائيل ستعرّض لبنان لضربة “لن يقوم منها” وربما توسع الأمر لكي تمتد المعركة إلى سائر أرجاء المنطقة.

وكانت المفاوضات الأميركية الايرانية الدائرة بوساطة سلطنة عمان تبحث في موضوع الملف النووي الايراني، لكن المصدر يعتقد أن هذه المفاوضات صحيح أنها تتناول الملف النووي لايران، لكنها ربما أيضاً كانت للتوصل إلى قرار حول نوعية الاشتباك المتوقع بين إسرائيل والغرب من جهة، وإيران وسائر الدول التي كان قد زعم الراحل قاسم سليماني أن بلاده تحتل عواصم أربع منها وهي العراق، سوريا، اليمن ولبنان، من جهة أخرى.

وفيما يبدو أن المفاوضات التي أرجأت رد “حزب الله” على اغتيال شكر كما أعلن السيد نصر الله لكي لا يتهم بأن الرد عرقلها، قد وصلت إلى حائط مسدود بسبب تعنّت “المجنون” الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن احتمالات الرد قد اقتربت كثيراً وربما كانت رسائل إسرائيل بالغارات التي تنفذها في العمق اللبناني تدخل في إطار ما سبق لرئيس وزراء العدو أن هدد بالقيام به، وهي ضربة استباقية على “حزب الله”، لكن الرياح لن تجري كما تشتهي سفنه.

وإذا كان عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب مروان حمادة قد أعلن في مقابلة تلفزيونية أنه يمتلك معلومات من مصادر معنية بالمفاوضات مباشرة، أن الحرب هي على بعد ساعات أو أيام قليلة، قبل أن يعود ويوضح أن كلامه أخرج من سياقه وما قصده كان مجرد تحليل لمراقب للأحداث الميدانية، فإن حقيقة الأمر هي أن طبول الحرب التي تقرع منذ أكثر من عشرين يوماً، قد تكون قاربت عزف لحن الموت.

صلاح تقي الدين ـ لبنان الكبير