طغى خبر غرق لبنان في العتمة الشاملة على كل التطورات وحتى الميدانية منها المتصلة بالمواجهات الجارية في جنوب لبنان رغم تسجيلها تطورات دامية في الساعات الأخيرة. فقد حصل ما كان متوقعاً منذ مطلع الأسبوع بما عكس عجز كل الجهات المعنية من الحكومة ووزارتي الطاقة والمال ومصرف لبنان ومؤسسة كهرباء لبنان عن استدراك هذا المحظور وانقطع التيار الكهربائي انقطاعاً تاماً شاملاً عن كل المناطق اللبنانية بعدما أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان ظهر أمس “خروج آخر مجموعة إنتاجية لمعمل الزهراني متبقية على الشبكة الكهربائية عن الخدمة بالكامل قسرياً جراء نفاذ خزين المعمل من مادة الغاز أويل بالكامل، ما أدى بنتيجته إلى توقف التغذية بالتيار الكهربائي كليًا على جميع الأراضي اللبنانية بما فيها المرافق الأساسية في لبنان (مطار، مرفأ، مضخات مياه، صرف صحي، سجون، إلخ)”. وهي إحدى “المآثر” التي تسجل للإدارة الرسمية الحكومية والوزارية والكهربائية إذ تساوت جميعها أمام حقيقة العجز وتبادل رمي كرة التبعات والمسؤوليات عن عدم تامين الفيول والتسبب دوريا في جولات التعتيم في زمن الفراغ وتصريف الأعمال.
أما في ما يتصل بالوضع في الجنوب، فإن تفاقم التدهور الميداني بدا متوقعاً بعد الغموض الواسع الذي ساد عقب جولة المفاوضات في الدوحة وانتظار ما سيحدث في الجولة التالية المقررة في القاهرة قبل نهاية الأسبوع المقبل. وفيما ترددت بقوة أصداء المجزرة الدامية لغارة إسرائيلية على وادي الكفور في النبطية مودية بعشرة ضحايا من التابعية السورية، أفاد المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن ميقاتي أجرى اتصالاً بوزير خارجية بريطانيا ديفيد لامي الذي كان في تل أبيب أول من أمس، “تم خلاله البحث في التطورات الامنية المستجدة في الجنوب وضرورة تكثيف الجهود لوقف دورة العنف. وشدد رئيس الحكومة على ضرورة الضغط على العدو الاسرائيلي لوقف استهدافه المباشر للبلدات والقرى الجنوبية ما يؤدي إلى سقوط شهداء وجرحى ودمار شديد. وأبدى خشيته من أن دورة العنف الحالية قد تتسبب بتصعيد لا تحمد عقباه. بدوره، أكد وزير خارجية بريطانيا أنه سيكثف اتصالاته الديبلوماسية لوقف التصعيد ومنع تفلت الأمور على نطاق أوسع”.
ورد “حزب الله” أمس على غارة الكفور مستهدفاً مستوطنة جديدة فيما استمرت العمليات الاسرائيلية التي تستهدف عناصر الحزب. وقد استهدفت مسيرة بعد الظهر دراجة نارية في منطقة قدموس شرق صور واعلنت وزارة الصحّة سقوط قتيل في الغارة على صور. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل علي كساب القيادي في وحدة الرضوان التابعة لـ”حزب الله” في غارة صور”. ونعى “حزب الله” لاحقاً حسين ابراهيم كساب “ملاك” من بلدة طيردبا وسكان بلدة برج الشمالي في جنوب لبنان.
وجاء ذلك عقب غارة إسرائيلية استهدفت فجر السبت مبنى في وادي الكفور بالنبطية، مما أدى إلى مقتل عشرة أشخاص من عائلة سورية من بينهم امرأة وطفلاها وإصابة خمسة بجروح من بينهم إثنان إصاباتهما حرجة. وزعم المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي أن الجيش “أغار على مبان عسكرية ومستودع أسلحة لحزب الله في جنوب لبنان”.
في المقابل، اعلن “حزب الله” أنه “ورداً على اعتداءات العدو الإسرائيلي على القرى الجنوبية الصامدة والمنازل الآمنة وخصوصًا في بلدة الكفور، وأسفرت عن سقوط شهداء وجرحى مدنيين من الجنسية السورية أدخلت المقاومة الإسلامية على جدول نيرانها مستعمرة اييليت هشاحر وقصفتها”. أيضاً، استهدف تموضعاً للجنود الاسرائيليين في موقع المرج بمحلقتين انقضاضيتين وأصابه بشكل مباشر. واعلن الجيش الإسرائيلي إصابة جنديين جروح أحدهما خطيرة في مسكاف عام نتيجة سقوط قذيفة أطلقت من لبنان. وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصابين إثر انفجار مسيّرة أطلقها “حزب الله” نحو راميم ريدج الحدودية.
إلى ذلك، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في أرقام مقلقة، إن أكثر من 110 آلاف شخص نزحوا من جنوب لبنان منذ تشرين الأول مع استمرار تبادل إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله”. وأوضح المكتب في آخر تحديث له أن 35 في المئة من النازحين أطفال. وأضاف أن التقديرات تشير إلى أن نحو 150 ألف شخص ما زالوا في المناطق الحدودية. وتابع المكتب: منذ تشرين الأول 2023، تم الإبلاغ عن 16 هجوماً إسرائيلياً على مراكز الرعاية الصحية، ومقتل 21 مسعفاً بقصف إسرائيلي، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. وتم تسجيل أضرار جسيمة في البنية التحتية للمياه والكهرباء والاتصالات والطرق في جنوب لبنان. وأكد المكتب أن 23 في المئة من السكان يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي، بعد أن كانت نسبتهم 19 في المئة في آذار 2024. وشدد على أنه وشركاء الأمم المتحدة يواصلون تكثيف جهود الإغاثة، دعماً للاستجابة التي تقودها الحكومة، لكن هناك حاجة ماسة إلى تمويل إضافي. وأوضح أن الشركاء الإنسانيين يحتاجون إلى 110 ملايين دولار للاستجابة المستمرة لاحتياجات الأشخاص المتضررين من النزاع حتى نهاية العام.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن عدد مقاتلي “حزب الله” الذين قضوا منذ بدء التصعيد في الثامن من تشرين الأول 2023، غداة اندلاع الحرب في غزة، فاق العدد في حربه الأخيرة مع إسرائيل في تموز 2006. وأدى التصعيد عبر الحدود إلى سقوط 570 شخصاً على الأقل، بينهم ما لا يقل عن 118 مدنياً وأكثر من 370 مقاتلاً من “حزب الله”. وفي عداد الضحايا أيضاً العشرات من عناصر تنظيمات حليفة لـ”حزب الله” من ضمنها حركة “حماس”، وفق تعداد لوكالة فرانس برس، استناداً إلى السلطات اللبنانية وبيانات نعي “حزب الله” والمجموعات الأخرى. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن السلطات الإسرائيلية مقتل 22 عسكرياً و26 مدنياً على الأقل في اسرائيل منذ بدء التصعيد.
وقد نعى “حزب الله” أيضاً 25 مقاتلاً قضوا في سوريا منذ بدء التصعيد مع إسرائيل على وقع الحرب في غزة. وبحسب بيانات نعي “حزب الله”، يتحدر نحو 320 من مقاتليه الذين قضوا من قرى وبلدات في جنوب لبنان، بينهم العشرات من قرى تقع على خط المواجهة الأمامية مع إسرائيل. ويتحدر قرابة ستين مقاتلاً من منطقة البقاع (شرق) الحدودية مع سوريا. وفي عام 2006، لم يتجاوز عدد مقاتلي “حزب الله” الذين قضوا خلال حرب تموز ، الـ300، وفق مصدر مقرب من “حزب الله” فضل عدم الكشف عن هويته.
النهار