كشفت مصادر سياسية مواكبة للقاءات التي عقدها مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة أموس هوكستين، وشملت رئيسي المجلس النيابي نبيه بري، وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وقائد الجيش العماد جوزاف عون، ووفداً نيابياً يمثل قوى المعارضة، أن «حزب الله» كان الغائب الحاضر الأبرز فيها، باعتبار أنه المعني الأول بالمهمة التي حضر من أجلها هوكستين إلى بيروت، وتدور حول بند وحيد يتعلق بدعوة الحزب للامتناع عن القيام برد على إسرائيل لاغتيالها أحد أبرز قادته العسكريين، فؤاد شكر، طوال مدة انعقاد المحادثات في الدوحة للتوصل لوقف النار في غزة، لأن هناك ضرورةً لتوفير الفرصة للمتفاوضين لإنهاء الحرب في القطاع.
وقالت المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب استعاض عن مشاركته المباشرة في اللقاءات بتفويضه الرئيس بري كونه أوكل إليه سابقاً التفاوض مع هوكستين للتوصل إلى تهدئة في جنوب لبنان ترتبط بوقف النار في غزة، وأكدت أن الحزب تجاوب مع ضرورة إعطاء فرصة للمتفاوضين في الدوحة لعلهم يتوصلون لوقف النار، ما يعني أنه يحتفظ لنفسه بحق الرد لاحقاً، ويعود له تقدير طبيعة الرد وحدوده ومكانه في ضوء النتائج التي ستتوصل إليها محادثات الدوحة، سواء أكانت إيجابية أو سلبية، وإن كانت تنصح بأن يبقى الرد في مطلق الأحوال تحت سقف السيطرة.
ولفتت إلى أن «حزب الله» أُعلم بتفاصيل ما بحث فيه هوكستين، خصوصاً مع بري وميقاتي، وقالت إن التواصل بين قيادتي «أمل» والحزب يكاد يكون يومياً ليكون في وسع الثنائي الشيعي أن يبني على الشيء مقتضاه. وقالت إن بري، كعادته، أوكل هذه المهمة إلى معاونه السياسي النائب علي حسن خليل الذي يلتقي على الدوام المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل الذي التقى ميقاتي، مساء الأربعاء الماضي، لهذه الغاية، رغم أن رئيسي المجلس والحكومة يقرآن في كتاب واحد في لقاءاتهما بالوسيط الأميركي بالتوافق مع قيادة الحزب.
وأكدت المصادر المواكبة أن هوكستين لم يحمل معه أي أفكار محددة سوى دعوته لإعطاء فرصة لمحادثات الدوحة التي تنعقد في ظل ارتفاع منسوب الضغط الأميركي على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لدفعه لتسهيل التوصل لوقف النار في غزة، الذي يلقى دعماً غير مسبوق من المجتمع الدولي، وبالتالي لا مصلحة لتوفير الذرائع له للتفلّت من هذه الضغوط، ورأت أن لا صحة لكل ما أشيع ونُسب إلى الحزب بعدم تحبيذه التفاوض مع الوسيط الأميركي، وأن كل ما قيل يأتي في سياق الاستهلاك السياسي، ولن يكون له من مفاعيل سياسية ملموسة تلزمه بموقف من هذا القبيل.
وشدّدت على أن لدى الحزب، بتفويضه لبري، كل الثقة به، وإلا لما كان بادر منذ أن قرر مساندة «حماس»، إلى ترك الحرية له للتفاوض لعودة التهدئة إلى الجنوب انطلاقاً من وقف الحرب على القطاع، وكشفت أن الحزب يتمهل في رده على إسرائيل، وهذا ما ينسحب أيضاً على إيران التي أبلغت الوسطاء موافقتها على إعطاء فرصة لمحادثات الدوحة شرط أن تحتفظ لنفسها، أسوة بالحزب، بحق الرد لاحقاً على إسرائيل لاغتيالها رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» إسماعيل هنية.
وقالت المصادر نفسها إن الوسيط الأميركي نصح بالاستعداد لمرحلة ما بعد وقف النار، من دون أن يتقدم بأفكار محددة بهذا الخصوص، سوى تأكيده أن هناك ضرورة لتطبيق القرار 1701 على مراحل، وهذا ما شدد عليه الجانب اللبناني بالتزامه به وضرورة تطبيقه بكل مندرجاته.
ورداً على سؤال، أوضحت المصادر أن هوكستين تطرق إلى الحشد الأميركي لحاملات الطائرات والغواصات في البحر المتوسط، رداً على ما أثاره بري في هذا الخصوص، ونقلت عنه قوله إن للحشد طابعاً ردعياً لمنع توسعة الحرب وتمددها لتشمل دول في الإقليم.
لكن مطالبة هوكستين بتمهل «حزب الله» في رده على إسرائيل سرعان ما فتحت الباب أمام بحث التمديد لقوات الطوارئ الدولية «يونيفيل» العاملة في جنوب لبنان لعام جديد، مع استعداد مجلس الأمن الدولي للتصويت على قرار في هذا الخصوص في نهاية الشهر الحالي.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن هوكستين وعد بالتدخل لدى الإدارة الأميركية لإصدار قرار يقضي بالتمديد لها لعام جديد بدلاً من 6 أشهر، ليكون لدى لبنان المزيد من الوقت لتعزيز انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني إلى جانب «يونيفيل» لتطبيق القرار 1701.
كما وعد بالتدخل أيضاً للإبقاء على مضامين القرار كما هو، وإذا كان هناك من تعديلات فلا مانع بأن تكون طفيفة، وذلك استجابة لطلب الجانب اللبناني بعدم الأخذ باقتراح إسرائيل استبدال وقف الأعمال العسكرية العدائية بخفض وتيرة التصعيد بين البلدين، ما يعني إدخال تعديل على القرار 1701 الذي يسمح لإسرائيل بالتدخل عسكرياً متى تشاء بدلاً من الإبقاء على هذا البند بصيغته الحالية التي تمهد الطريق للتوصل لوقف النار بصورة نهائية كونه لا يزال عالقاً ولم ير النور.
فهل تستجيب واشنطن لطلب لبنان لئلا تقوم إسرائيل باستغلال التعديل المقترح على نحو يؤدي إلى تفريغ القرار 1701 من مضامينه لحفظ الاستقرار في الجنوب، بدلاً من تطويره على نحو يمهد للانتقال إلى وقف النار على قاعدة التمسك بالامتناع عن الأعمال العسكرية لئلا يبقى الجنوب مشرعاً أمام التهديدات الإسرائيلية بغياب أي رادع لها من الأمم المتحدة، إلا إذا كان التلويح بتعديله يأتي في سياق الضغط لتفعيل دور «يونيفيل» وتوسيع مروحة تحرك القوات التابعة لها في جنوب الليطاني، مع أن أي تعديل لا يصبح نافذاً إلا بموافقة الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وهذا لن يتأمن بما أن أكثر من دولة ستمارس حقها باستخدام «الفيتو» تفهماً منها لموقف لبنان.
محمد شقير – الشرق الأوسط