علي يوسف
لم يحدث ان دخلت الرغبات الشخصية في رؤية الواقع او في التحليل السياسي كما يحدث اليوم وعلى نحو فاقع …كما لم يحدث ان رأينا هذا الحجم من المحللين والخبراء والسياسيين والصحافيين وعلى اختلاف مستوياتهم وقدراتهم يكررون اقوالا وتوصيفات وتعريفات وشعارات وكأنها مسلمات لا تخرقها معرفة او منطق او واقع …بعضهم من باب التبعية والتسليم وبأن ما يقوله من يتبعون اليه اشبه بالمعرفة الكاملة من دون تدقيق حقيقي في الهدف الذي من اجل تحقيقه قيلت الاقوال التي يكررونها وبعضهم من باب الرغبة في ان تأخذ الوقائع مسارا يلبي رغباتهم الناتجة عن الموقف احيانا واحيانا كثيرة ناتجة عن رهبة وخوف من المستقبل وان كانت اللهجات تنبىء بغير ذلك …لنعرض مثلا مجموعة من هذه التوصيفات والتعريفات والشعارات التي نسمعها يوميا ..!!!!؟الحرب المضبوطة ..الرد والرد على الرد..مفاوضات التبادل ..-وقف اطلاق النار أو وقف العدوان ..الوسطاء ومقترحات الوسطاء ومقترحات “الاطراف” ..توسيع الحرب .. الحرب الوجودية…انتصار المقاومة في حال وقف اطلاق النار ..لنناقش هذه النقاط على نحو مختصر :
١-حين بدأت هذه الحرب تميزت بمجموعة من المتناقضات..!! ففي حين ان عملية طوفان الأقصى شكلت منذ بدايتها حربا وجودية للكيان الصهيوني كونها كانت هجوما على ما يسمى ” الدولة الاسرائيلية ” اي الاراضي المغتصبة منذ العام ١٩٤٨ والمعترف بها دوليا انها” اسرائيل” والمعترف بها حتى عربيا من خلال” المبادرة العربية ” اقتصرت مطالب حماس على” تحرير الاسرى الفلسطينيين او ما سمي تبييض السجون عبر تبادل.. ووقف حصار غزة والاقصى ” ثم دخلت اطراف المقاومة الأخرى في المعركة تحت شعار مساندة غزة ووحدة الساحات فكان قرارا هجوميا بامتياز يحمل الطابع الوجودي كعملية طوفان الاقصى ولكن بشعار دفاعي هو المساندة المرتبطة سياسيا وشعاريا بموقف المقاومة في غزة مع التأكيد على عدم السماح بهزيمة هذه المقاومة من دون تحديد فعلي لمعنيي الهزيمة والانتصار وشروطهما.. مع ان مضمون القول بعدم السماح بالهزيمة يعطي المعركة طابعا وجوديا بحيث تصبح عمليا معركة وجودية للكيان من جهة وللمقاومة من جهة اخرى … وهذا الامر جعل من مطلبي تبادل الاسرى وفك الحصار مطلبين هزيلين امام معركة طابعها وجودي …واذ تعامل العدو الصهيوني مع المعركة بأفقها الحقيقي فذهب باتجاه معركة ابادة للشعب الفلسطيني.. استمرت في المقابل اللغة والشعارات الدفاعية للمقاومة اي “الاسناد ووقف العدوان ” واعتقد ان مبرر ذلك هو عدم الذهاب الى الاعلان الواضح عن خوض المعركة الوجودية التي يمكن ان تحشد الغرب كله لدعم الكيان… ولعل سيد المقاومة ابدع كعادته باتخاذ القرار بتمويه طبيعة المعركة عبر رؤية استراتيجية ارتكزت الى شعارين : الاول ترك الكلمة للميدان والثاني تسمية شهداء المقاومة اللبنانية ب”شهداء على طريق القدس “..كما يمكن اعتبار ان اطلاق الحرب المضبوطة في لبنان وان تم تبريرها باعتبارات داخلية اعتذر عن وصفها بالسخيفة بالمقارنة مع حجم الحرب وافقها فإنها جاءت فعليا في اطار الحرب المفتوحة التي تراعي توازن القوى الاقليمي والدولي وتسمح باستنزاف للعدو فيه الكثير من التضحيات الكبيرة على طريق تغيير ميزان القوى في الميدان حربا وتحالفات وبحيث تصبح الحرب الوجودية واقعا تتوافر فيه عناصر تؤمن شروط عزل معقولة ومقبولة للعدو تؤمن شروط نصر تاريخي وجودي …
٢- يكثر الحديث عن الرد على الاغتيالات و الرد على قتل المدنيين .. كما يكثر الحديث عن احتمالات الرد على الرد … امر طبيعي انه في حال حدوث اي حدث استثنائي ان يتم التعامل معه وان نسمي ذلك ردا .. الا انه من غير الطبيعي ان يتم سلخ هذه الاحداث وهذه الردود عن مسار الحرب وان يصبح لها منطق مستقل وكأننا في مجال لعبة كرة طاولة ..؟؟!!!واقول ذلك لأن ما نسمعه يوميا من معظم المتحدثين يجعلنا نعتقد ان الحرب في وعيهم باتت كخزانة فيها عدد من الجوارير وكل جارور له حساب خاص ؟؟!!وهذا امر غير طبيعي ويؤثر سلبا على الوعي العام كونه يمكن ان يحمّل نتائج سيئة اوكبيرة للرد على الرد الى مسؤولية الرد على الحدث مع تغييب لمجريات الحرب وسياقها بكاملها بما يمكن ان يجزّء الاحداث والمواقف منها ويتم التقييم خطوة بخطوة ويستحدث ميزانا للسلبيات والايجابيات على اساس الخطوة وهذا سيشكل ارباكا كبيرا في الرأي العام وفي الوعي ..
٣- يطالعنا” الوسطاء” والمحللون والصحافيون والسياسيون في كل يوم بكلام عن استئناف المفاوضات واحيانا تحديد مواعيد لها تحت شعارات التبادل ووقف النار واقتراحات الوسطاء والردود على المقترحات والمقترحات البديلة الخ..وكل ذلك تفاديا لتوسع الحرب ..؟؟!!
والمؤسف كثيرا ان الناس تنتظر ومنهم من يتفاءل بقرب الوصول الى اتفاق ما منطلقا من اعتبار من اثنين او الاعتبارين معا وهما: الاول الرغبة في وقف مايتعرض له الشعب الفلسطيني من مجازر ودمار على نحو يومي وبإجرام لم يشهد العالم له مثيلا الا في القنابل النووية الاميركية على اليابان اضافة الى وقف الخسائر التي يتعرض لها لبنان واليمن والعراق وسوريا دمارا ومقاومين ومدنيين، والثاني هو الرغبة المتداخلة مع الخوف الشخصي من الحرب وتأثيراتها على كل المستويات …الا ان نظرة حقيقية على طبيعة الحرب واقعها و بدايتها و تطوراتها واهدافها في المنطلق وما بعد المستجدات وحجم الخسائر التي اصابت الكيان الصهيوني الذي تزعزعت ركائز بنيانه بجيشه الذي بات متعبا ومخابراته وامنه ودوره الذي بات موضع شك واقتصاده الذي يتجه للكارثة وتحوله من شرطي الغرب الى كلب حراسة يحتاج لمن يهتم فيه ويدعمه للبقاء.. والاضرار التي لحقت بغزة والضفة من جراء حرب الابادة التي يقوم بها الصهاينة بدعم ومشاركة اميركيتين.. والاضرار التي لحقت باليمن التي تدفع ثمن انجازاتها الضخمة والملفتة في محاصرة العدو والسيطرة على البحر الاحمر والبحر العربي وحتى على الملاحة في المحيط الهندي.. ولبنان الذي دمرت قراه الحدودية وقدم حتى الآن حوالي ٥٠٠ شهيد “على طريق القدس” وليس فقط على طريق المساندة، اضافة الى الاضرار التي لحقت بالعراق حجرا وبشرا كثمن لدعمه للشعب الفلسطيني وفي مواجهة الوجود الاميركي في العراق والاحتلال الاميركي في بعض مناطق سوريا اضافة ايضا الى الخسائر التي تتعرض لها سوريا ان بفعل تحريك مجموعات العمالة في الداخل او بفعل الاحتلال الاميركي او بفعل الغارات الصهيونية الخ …كل هذا الواقع لم يعد ينفع معه اتفاقات جزئية مرحلية ولا شعارات التبادل وتبييض السجون السخيفة في ظل الاحتلال الصهيوني الاغتصابي القادر على اعادة ملئها في اليوم التالي …ان واقع الحرب من معطيات انطلاقتها ثم تطوراتها و مستجداتها تدل على اننا في مرحلة متقدمة من الحرب الوجودية وانه لا رجعة الى الوراء ..وهنا يجب ان نلفت الى خطورة التراجع الدفاعي في بعض الشعارات التي يعتبرها البعض تكتيكية ويصدقها آخرون نتيجة رغباتهم الشخصية بأنها مخرج يحتاج اليه الجميع ومن ابرزها شعار وقف اطلاق النار الذي يشكل تراجعا عن شعار وقف العدوان .. واذا كان وقف العدوان امرا شبه مستحيل انطلاقا من واقع الحرب وكون ما نتج عن العدوان لا يمكن ان يعالج بوقف هذا العدوان .. فإن شعار وقف اطلاق النار هوترويج اميركي يقع الكثيرون في فخه عن غير قصد حتى بعض قيادات في المقاومة …!! اذ ان وقف اطلاق النار ولو انني اعتبره شبه مستحيل فهو لايشكل اكثر من محاولة تجميد مؤقت للعدوان يحاولون من خلاله استغلال نتائج العدوان واظهار هذه النتائج واخطارها الوجودية على الشعب الفلسطيني بعد ان حوّل الصهاينة غزة الى ارض غير قابلة للعيش ويعملون على تحويل الضفة كذلك .. والهدف جعل الاستسلام مخرجا… وهو في الحقيقة سيكون مخرجا للكيان الصهيوني وليس للشعب الفلسطيني …والمؤسف ان بعض الاغبياء يتماهون مع العملاء في تصوير ان اي اتفاق لوقف النار هو انتصار للمقاومة من دون ان يقولوا لنا اين يصرف وقف اطلاق النار وعلى ماذا يجيب من اسئلة حول هدف طوفان الاقصى وحول ثمن التضحيات التي قدمتها المقاومة ….ولعل سيد المقاومة في عرضه لواقع المرحلة والحرب ،في النصف الاول من كلمته في ذكرى اسبوع الشهيد السيد محسن ،اعطى وصفا دقيقا اظهر اننا في مرحلة متقدمة من الحرب الوجودية وان كل ما يجري من وساطات هدفه محاولة انقاذ الكيان الصهيوني وهو في طريق مسدود كون طوفان الاقصى وبعده الميدان اخذانا الى حيث يجب ان نكون ..!!!!قلت منذ حصول طوفان الاقصى وتقديري لحجم ما حصل اننا دخلنا الحرب المفتوحة التي ستتدحرج الى الحرب الكبرى الفاصلة حيث سيكون هناك نظام اقليمي جديد من ضمن توازن دولي جديد متعدد الاقطاب …والتاريخ لا يرحم من لا يشاركون في رسمه فهما للحظة السياسية وتوازناتها وفرصها واتخاذا للقرارات الجريئة والحكيمة ….علينا ان نختار بين الانتصار وبين الهزيمة ….