إنجيل اليوم الأحد بحسب القديس متى..القدّيسة كلارا المعترفة (1194-1253)

متى ١/١٣-٢٣
مَثَل الزَّارِع



في ذلكَ اليوم خَرَجَ يسوع مِنَ البيت وجلسَ بِجانبِ البحر، فَازْدَحَمَت عليهِ جُموعٌ كثيرة، حَتَّى إِنَّه رَكِبَ سَفينةً وجَلَسَ، والجَمْعُ كُلُّه قائم على الشَّاطِئ. فكلَّمَهُم بالأَمثال على أُمورٍ كثيرة قال:
“هُوَذا الزَّارِعُ قد خرَجَ لِيَزرَع، وبينما هو يَزرَع، وقَعَ بَعضُ الحَبِّ على جانبِ الطَّريق، فجاءَت الطُّيورُ فَأَكَلَتْه، ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على أَرضٍ حَجِرةٍ لم يَكُنْ له فيها تُرابٌ كثير، فنَبَتَ مِن وقتِه لأَنَّ تُرابَه لَم يَكُن عَميقاً. فلمَّا أَشرقَتِ الشَّمسُ احتَرَق ، ولَم يكُن له أصلٌ فَيَبِسَ، ووَقَعَ بَعضُه الآخرُ على الشَّوك فارتفعَ الشَّوكُ فَخَنقَه، ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على الأرض الطَّيِّبة فأَثمَرَ ، بَعضُه مائة، وبعضُه سِتّين، وبعضُه ثَلاثين. فمَن كانَ له أُذُنان فَلْيَسمَعْ!”
فَدَنا تَلاميذه وقالوا له:
“لماذا تُكلِّمُهم بالأمثال؟”
فَأَجَابَهم : “لأَنَّكُم أُعطيتُم أَنتُم أن تَعرِفوا أسرار ملكوت السَّموات، وأَمَّا أُولَئِكَ فَلَم يُعطَوا ذلك. لأَنَّ مَن كانَ لَه شَيْء، يُعْطى فيَفيض، ومَن ليس له شَيء، يُنتَزَعُ منه حتَّى الذي له. وإِنَّما أَكَلِّمُهم بالأمثال لأَنَّهم يَنظُرون ولا يُبصِرون، ولأنَّهُم يَسْمَعُونَ ولا يَسمعون ولا هُم يَفهَمون. وفيهِم تَتِمُّ نبوءَة أشعيا حَيثُ قال: تَسمعونَ سَماعاً ولا تَفهَمون، وتَنظُرُونَ نظراً ولا تُبصِرون.
فقد غَلُظَ قلبُ هذا الشَّعب وأصَمُّوا آذانَهُم، وأَغمَضوا عيونَهُم لِئلّا يُبصِروا بِعيونِهِم وَيَسمَعوا بآذانِهم، وَيَفهَموا بِقُلوبِهِم وَيَرجِعوا. أَفَأَشفيهم؟ وأَمَّا أنتُم، فَطوبى لِعيونِكُم لأنَّها تُبصِر، وَلآذانِكُم لأنَّها تسمَع.
الحَقَّ أقولُ لَكُم إنَّ كَثيراً من الأنبياء والصِّدِّيقين تَمَنُّوا أَن يَرَوا ما تُبصِرون فَلَم يَرَوا، وأن يَسمَعوا ما تَسمَعون فلم يَسمَعوا.
فَاسْمَعُوا أَنتُم مَثَلُ الزَّارِع، كُلُّ مَن سَمِعَ كَلِمَة الملكوت ولم يَفهَمها، يأتي الشِّرِّيرُ ويَخطَفُ ما زُرِعَ في قلبِه، فهذا هو الَّذي زُرِعَ في جانب الطَّريق. وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الأَرضِ الحَجِرة، فهو الذي يَسمَعُ الكَلِمة ويَتَقَبَّلُها لِوَقْتِهِ فَرحاً، ولكن لا أصلَ له في نَفْسِه، فلا يثبتُ على حالة، فإذا حَدَثَت شِدَّةٌ أَوِ اضطِّهادٌ مِن أجل الكَلِمَة عَثَرَ لِوَقْتِه. وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الشَّوك فهو الذي يَسمَعُ الكلمة، ويكون له مِن هَمِّ الحَياةِ الدُّنيا وفِتْنَةِ الغِنى ما يَخنُقُ الكَلِمة فلا تُخرِجُ ثَمَراً.
وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الأَرضِ الطَّيِّبة، فهو الَّذي يَسمَعُ الكلمة ويَفهَمُها فيُثمِرُ ويُعطي بَعضُه مائة، وبَعْضُه سِتّين، وبعضُه ثلاثين.”

تأمّلات روحيّة من كتاب الإنجيل في صلاة للأب منصور لبكي

يا رب، لقد اعتَنى الإنجيليُّ بِدِقَّةٍ في نَقلِ الحَدث وَزَخرَفَتِهِ. لذا نُتابِعُ المشهدَ وكأنَّنا شهودُ عيان.
خَرجتَ من البيتِ، ازدَحَمَتِ الجموع، وَلِكَي يُحسِنوا الإصغاءَ إلى الأمور المُهِمَّة الَّتي تُريدُ قولَها، رَكِبتَ السَّفينة، ابتَعَدتَ قليلاً عن الشاطئ، وَرُحتَ تُكَلِّمُهم بالأمثال. لا تقصدُ بِطَريقتِك هَذه، اعتِماد الغُموض بِمُخاطَبة مُستَمِعيك، وعَدَم كَشفِ أسرارِ الملكوت، إلّا لِبَعض التَّلاميذ، بَل بِالعَكس، فالأمثالُ كانت تُستَعمَلُ غالِبًا لِتَبسيط الحقائق الشائكة، والعِبارات كانت مألوفةً لدى الجميع، وإن كان البعضُ لم يُعطَوا فَهْمَ الأسرار كما أوضَحتَ لرُسُلِك، فلأنَّهُم قَسُّوا قلوبَهُم وحَجَبوا كُلَّ ما يُزعِجُهُم.
في فلسطين، يبدأ الزَّارع بِتَوجيه الصَّلاة إلى الله: «يا رب، علينا الاعتناءُ باحمرارِ الأرضِ (أي حراثَتِها وَزَرعِها لِتَكتَسي لونَ الزَّرع)، وَعليكَ العنايةُ بالاخضِرار (أنت من يُنبتُ الزَّرعَ وَيُنَمِّيه). تُكَلِّمُنا عن مُزارعٍ خَرَجَ يَنثُرُ زَرعَه في أرضٍ غيرِ مُسَيَّجة، فَوَقَعَ بعضُ الحَبّ على جانب الطَّريق، وَأَكَلَته طيورُ السَّماء. فَفي المناطق الجَبَليَّة، تَقتَصِرُ الأرضُ الصَّالِحة لِلزِّراعة على مسافاتٍ ضَيِّقة بين الصُّخور. وَبَعضُها حَجرٌ ومُغَطَّى بِطَبَقةٍ ضئيلةٍ من التُّراب، يَقَعُ الزَّرعُ فيها وَيَنبُت، ولكن لا يَلبَثُ أن ييبَس، مع حِدَّةِ أشِعَّة الشَّمس، لأنَّ تُرابَها ليسَ عميقًا. وفي أماكِن أُخرى، يَنبُتُ الشَّوك في الأرضِ، ويتأصَّلُ فَيَخنُق الزَّرع. وحدَها الحبوب التي وَقَعَت في أرضٍ خَصبَةٍ (الأرضِ السَّخيَّةِ التي تَتَفاعَلُ مع الزَّرع)، نَمَتْ وأثمَرَت.
إنَّكَ تُعطينا أوَّل إشارة لَِنفهَمَ هذا المَثل. فلا تَتَكَلَّمُ عن مُزارِعٍ ما، وَلَكِن عن “الزَّارِع” ومن يَكونُ إلَّاكَ؟ إنَّكَ تَزرَعُ كَلِمَة اللَّه، أي كَلِمة الحياة، لا تَزرَعُ بِلا هَدَف، تزرعُ بِسَخاء، على الرُّغمِ من تَنوُّع الأرض، حتَّى ولو ذَهَبَ التَّعَبُ سُدىً. إنَّكَ تَزرَعُ فينا الحياةَ الأبدية. وَلَكِن عَمَلَكَ لا يُعفينا من المُشارَكَة في الإنبات والنُّمو، حتى ساعة الحَصاد، ساعة يَحينُ الأجَل، ويَظهَرُ كُلُّ ذي بَشَرٍ أمامَك. ولكن، أَلَسنا بالتَّناوُبِ زرعَ أنواعِ هذه الأرض الَّتي تَذكُرُها؟
بعدَ رياضةٍ روحِيَّة، أو حجٍّ إلى مكانٍ مُقَدَّس، أو سجود أمام القربان المُقَدَّس، أغوصُ في بحرٍ من السَّعادة، وَأهيمُ اندِفاعاً، ولكن لِمُجَرَّدِ مِحنَةٍ صغيرة، أو تَضحِيَةٍ بسيطةٍ، تَجِفُّ كَلِماتك فِيَّ، فَأُمسي حَزينًا، وخائرَ القِوَى أو أستَسلِمُ لأضاليلِ الرَّغَباتِ المُختَلِفة، التي يُغرينا بِها روح العالم، ويَلوحُ لي بِسعادةٍ عابِرة وسَهلَة المَنال.
كلُّ ما زرَعتَ فيَّ يوشِكُ أن يختَنِق، فَيَتَمَلَّكُني الضَّجر واليأس شيئًا فشيئًا، ويُمسي حضوري القُدّاس، مُجَرَّد عادة، وَفِكري في غيابٍ كُلِّيّ، أُصغِي وأنا شارِدٌ في كلام اللِّيتورجيا، وصلاة الكاهن، فَيَستَغِلّ الماكرُ ضَعفي، لِيَتَسَلَّل ويُزيلُ من ذاكِرَتي وقلبي كُلّ ما يُغَذِّي إيماني، فَيُجَرِّدُني من كُلِّ قُوَّةٍ وَحِكمَةٍ لِلدّفاع، أمامَ الأفكار الَّرائجة، وإغراءاتِ وسائل البِدَع والانتِقادات التي تُطلَقُ ضدّ الكنيسة ….
أنتَ لا تُرغِمنا على سماعِ كَلِمَتك، إنَّ الحرّية التي وَهَبتَنا إيَّاها، هي بِهَكذا ثَمَن. لقد غامَر خالِقُنا بأن تَحظَى خليقته بِحُرِّيَّةِ المُعامَلة. فَتُديرُ لَه ظَهرَها، تَرفُضُ الإصغاءَ إليه، تَتَوارى عن نَظَرِه. تَتَنصَّلُ من مَحَبَّتِه وَتَنعَزِلُ في شقائها. أرادَنا مساعدينَ له، لذا عُهِدَ إلينا، بأن نصونَ أرضَنا ونَرويها، بأن نَقتَلِعَ العُشب الرَّديء وَكُلّ الأشواك، نَنتَزِع الحجارة، لَكِنَّنا نَعجَزُ عن القيام بهذا العمل بِمُفرَدِنا، أنتَ تَعلَمُ ذلك، لذا، مَنحتَنا كنيسَتك الَّتي تُغدِقُ علينا أسرارَكَ، مَنَحتَنا روحَكَ القُدُّوس، الَّذي لا يَنفَكُّ يُرَسِّخُ فينا كلّ ما أظهرتَهُ عن الآب، بِتَجَسُّدِك في أرضنا. وأعظمُ العظائم كُلّها، أنَّكَ مَنَحتَنا جَسدَكَ وَدمكَ، تحتَ عوارِض الخبز والخمر، كَيما بِتَناوُلِنا أسرارَكَ، لا نَفقِدُ أبدًا التَّواصُل معك!
لِنُصَلِّ:
يا رب، ساعِدني على أن أُحسِنَ استقبالَ كلامِك. صَيِّرني مُطيعًا، مثابِرًا، وأمينًا.
لا تَسمَح لِعَمَل الماكِر الشَّيطان الحَسود، الَّذي يَطمَح إلى أن يَنتَزِعَ سعادَتي لاتِّحادي الدَّائم بك، وَيَرميني على طريق الخيرات المُزَيَّفة، وَيُشَتِّتَ قواي وَيُبعِدُني عن حَقيقَتِك.
ساعِدني لِأحفَظَ في أعماقِ قَلبي، فرحةَ أوَّلِ لَحظَة، حينَ تَذَوَّقتُ حضورَكَ في حياتي. أنت وحدَك، قادِرٌ على أن تَشفيني من أحلامي المُزَيَّفة، مِن حَماسي العَقيم. أنتَ وَحدَك، قادِرٌ أن تُساعِدَني على مُقاوَمة ذاتي، لِيَنبُتَ الزَّرعُ فِيَّ وَيَحمِلَ الثِّمارَ الجَيِّدة.
فَفيكَ وَمَعكَ، أزرَعُ كلامَكَ في قلوبِ من أَلتَقِيهم في حياتي.
“انشاللَّه القمحة اللي انزَرَعِت بِقلوبنا، تموت وتِنمى وتزَهِّر مَحَبِّة”.

العهد القديم
فصلٌ من سفر التكوين

17-15.10-8:2
وَغَرَسَ الرَّبُّ الالَهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقا وَجَعَلَ هُنَاكَ الإِنْسَانَ الَّذِي جَبَلَهُ.
وَأنْبَتَ الرَّبُّ الالَهُ مِنَ الارْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ حَسَنَة اِلمَنْظَر وَطَيِّبَة اِلمأكَلِ وَشَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ وَشَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
وَكَانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ فَيَسْقِيَ الْجَنَّةَ وَمِنْ هُنَاكَ يَتَشَعَّب فَيَصِيرُ ارْبَعَةَ فُرُوع.
وَأَخَذَ الرَّبُّ الإلَهُ الإنسانَ وَجَعَلَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَفلَحَهَا وَيَحْرُسَهَا.
وَأمَرَ الرَّبُّ الالَهُ الإِنسانَ قَائِلًا: «مِنْ جَمِيعِ أشَجَارِ الْجَنَّةِ تَاكُلُ،
وَأمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلا تَاكُلْ مِنْهَا، فإنَّكَ يَوْمَ تَاكُلُ مِنْهَا تَمُوتُ مَوْتًا».

فصلٌ من رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل قورنتس
11-1:3
يا إِخوَتِي،
أَنَا، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُم كَأُنَاسٍ رُوحَانيِّينَ بَلْ كَأُنَاسٍ جَسَدِيِّين، كَأَطْفَالٍ في المَسِيح.
قَدْ غَذَوْتُكُم بِالحَليبِ لا بِالطَّعَام، لأَنَّكُم لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ قَادِرِين، ولا حَتَّى الآنَ أَنْتُم قَادِرُون.
فَأَنْتُم لا تَزَالُونَ أُنَاسًا جَسَدِيِّين: فَمَا دَامَ بَيْنَكُم حَسَدٌ وَخِصَام، أَفَلا تَكُونُونَ جَسَدِيِّين، وسُلُوكًا جَسَدِيًّا تَسْلُكُون؟
فإِذَا كَانَ أَحَدُكُم يَقُول: أَنَا لِبُولُس! وآخَر: أَنَا لأَبُلُّوس! أَفَلا تَكُونُونَ جَسَدِيِّين؟
فمَا هوَ أَبُلُّوس؟ ومَا هوَ بُولُس؟ هُمَا خَادِمَانِ آمَنْتُم عَلى أَيْدِيهِمَا، عَلى قَدْرِ مَا أَعْطَى الرَّبُّ كُلاًّ مِنْهُمَا.
أَنَا غَرَسْتُ، وأَبُلُّوسُ سَقَى، ولكِنَّ اللهَ هُوَ الَّذي كَانَ يُنْمِي.
فلا الغَارِسُ بِشَيءٍ ولا السَّاقِي، بَلِ ٱللهُ الَّذي يُنْمِي!
لكِنَّ الغَارِسَ والسَّاقِي وَاحِد، وكُلٌّ مِنْهُمَا يَأْخُذُ أَجْرَهُ عَلى قَدْرِ تَعَبِهِ.
فَنَحْنُ مُعَاوِنَانِ لله، وأَنْتُم حَقْلُ ٱللهِ وَبِنَاءُ ٱلله.
وأَنَا بِنِعْمَةِ ٱللهِ الَّتي وُهِبَتْ لي، وَضَعْتُ الأَسَاسَ كَبَنَّاءٍ حَكِيم، لكِنَّ آخَرَ يَبْنِي عَلَيْه: فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْه!
فَمَا مِنْ أَحَدٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ ٱلأَسَاسِ ٱلمَوْضُوع، وهُوَ يَسُوعُ المَسِيح.
والتسبيح لله دائماً