نعيم عون. كمال اليازجي. زياد عبس. أنطوان نصرالله. زياد أسود. طوني مخيبر. رمزي كنج. فادي أبو جمرا. آلان عون. سيمون أبي رميا… ولن يُنسى طوني حرب… و”للقصّة تتمّة”. في ذكرى 7 آب 2001، بات “التيار الوطني الحر” خارج “التيار”.
لم يعد حدثاً عابراً أو مجرد تفصيل ما يحدث في حزب “التيار”. هي النقمة التي أخذت أعواماً كي تتمظهر. منذ الـ2006، وحكاية “التيار الوطني الحر” أصبحت غريبة عن الصورة العلنية. عامها، ابتعد عدد من الناشطين. وبدأت “الجلجلة”. قسم يريد أن “يناضل” من الداخل. قسم يريد أن يبقى “وفيّاً” لصورة رسمها بنفسه لتيار شعبي لا يريد أن يخذله. وقسم ثالث يعيش صراعاً داخلياً، وصل أحياناً إلى حدّ النكران…
هي حكاية حزب وطني، غالى ناشطوه في إعطائه صورة نضالية – نظيفة، “تشطّبت” لاحقاً، فأتى وقع الصدمة كبيراً جداً.
اليوم، شارفت الحكاية على النهاية: لقد باتت “الأغصان الضعيفة”، بنظر الرئيس ميشال عون، خارجاً، لكنها بنظر كثر ممّن عايشوا حكاية هذا “التيار” هي الجذور!
بعد آلان عون. فعلها أبي رميا. هو النائب الذي لطالما ردّد: “إذا فُصل آلان عون، أستقيل من التيار”. وفى بكلامه. وقدّم استقالته في 7 آب 2024.
أبي رميا: أجنحة الانتشار
بالفعل، ثمة تحركات مقبلة ستأتي في “التوقيت المناسب لأصحابها”. ولم يكن تاريخ 7 آب مجرد صدفة، عند أبي رميا. ولا شك في أنه اختار التوقيت بعناية مدروسة.
“كشاهد على تحلّل مؤسسة”، قرر أن ينهي أبي رميا رحلته، كما قال حرفياً في بيان الاستقالة.
هو الذي أمضى 36 عاماً، يخبر أنه “منذ ١٨ أيلول ١٩٨٨، أي منذ أن أطلق صرخة “لا” ضد كل من يتآمر على الوطن، وأنا ملتزم به قولاً وفعلاً وقلباً وجسداً، جنباً إلى جنب، وخلف العماد ميشال عون للمساهمة في تأسيس الحالة الوطنية السيادية ضد كل الاحتلالات الأجنبية وهيمنة الميليشيات. وبعد مرحلة النضال الصادق والتفاني المجاني، أسّسنا معه ومع الرفاق الشرفاء تياراً وطنياً حرّاً ليكون نقيضاً لكل الموروثات الحزبية التقليدية”.
لكن استقالة أبي رميا أبعد من ذلك بكثير. كأنه بمغادرته “التيار” تُضرب “صورة الانتشار” لذاك الحزب الذي ناضل في الخارج كما من الداخل. عُرف أبي رميا بمسيرته الطويلة في الخارج، مناضلاً وحاملاً لشعار واحد: “حرية، سيادة، استقلال”… كان يتحمّل في باريس غربة النفي، وكان والده ووالدته يتحمّلان في بلدة إهمج التهديد، وسيف الاعتقال يُسلَّط عليهما مثلهما مثل أي شاب عوني كان لا يهاب الاعتقال يومها.
صال وجال في عواصم القرار الأميركي والأوروبي، رافعاً قضية السيادة، وصورة العماد عون، تحت شعار واحد: “لا للجيوش الأجنبية في لبنان، ونعم لوحدة القرار الوطني”.
ومرة جديدة، يُضرب أحد أجنحة “التيار”. كأن الصورة النضالية تهشّمت بالكامل. أصلاً، ماذا بقي في خطاب “التيار” من تلك الثوابت: من القرار الـ1559 الشهير؟ من لافتة: “السيّد، الحرّ، المستقلّ”، من شعار: “ما بدنا جيش بلبنان إلا الجيش اللبناني”…؟!
هو خطاب مطلوب اليوم في عز الأزمة. من يغادرون اليوم كتبوا رواية هذا الإطار الشعبي، الذي كان سبّاقاً في رسم صورة حضارية عن إطار أو كادر حزبي، لكنهم فشلوا لاحقاً.
صحيح أن ” التيار” ليس الحزب الوحيد الذي عاش انشقاقات وخلافات وحالات فصل وتقديم استقالات، لكن التاريخ الذي طبع نشوء هذا الإطار الشعبي، ولاحقاً الحزبي، كان متقدّماً من حيث التأييد الشعبي والحشد الشبابي – النضالي الذي كان يمتاز بأعلى الكفايات النظيفة وأصحاب الأيادي التي لم تتلطّخ بدم الحرب الأهلية، ولا بلوثة الفساد. كل ذلك كان رصيداً استثنائياً وقوياً لـ”التيار” لم يحافظ عليه لاحقاً. لقد تبدّل كل شيء. فقد “التيار” خطابه قبل وجوهه.
كان عام 2006، أكثر من مفصلي. لقد أرادوا أن يكون “حزباً عابراً للطوائف والمناطق”، فكان الانتساب مشرّعاً أمام أعداد ليست كلها من طينة “التيار” وروحيته… فوقعت المصيبة. وبدأ يشعر أبناء “التيار” بغربتهم الموحشة والموجعة.
آنذاك، لم تأخذ الردود أي طابع منظّم، فكانت حالات فردية تخرج من “التيار”، إلى أن سجلّ خروج نعيم عون العلني ذات الرمزية… وبدأت التساؤلات تكبر حيال مصير ذاك “التيار”.
قالها أبي رميا: “إذا بنا نشهد تباعاً نسخة حزبية عن مسلسل “عشرة عبيد صغار” الشهير بفصول وسيناريوهات مختلفة لكل واحد منهم”.
في 2 آب 2024، فصل “التيار” النائب آلان عون. ووُصف القرار بـ”العنيف”. في 7 آب 2024، قدّم أبي رميا استقالته… ووُصف الموقف “بالأكثر من شريف”… فأين ستتوقف حركة الاحتجاجات هذه؟
“التيار” خارج السرب
في معلومات “النهار” إن “الردود لن تتوقف هنا. هي بدأت ولم تنته بعد”. وإن كان البعض تحدّث عن خطوات مرتقبة لأبي رميا والنائب إبراهيم كنعان، بعد فصل آلان عون، فإن كنعان لن يتحدث إعلامياً عن أي خطوة”.
صمت آلان عون، وكذلك فعل أبي رميا (باستثناء البيان الذي أصدره)، ويصمت أيضاً كنعان.
في الأساس، لم يخسر “تكتّل لبنان القوي” مجرّد أعداد نيابية من صفوفه، أو أنه يتراجع رقمياً، بل نوعياً، أي من “صنف” النواب الذين طبعوا مسيرتهم التشريعية وسط عراقيل داخلية كثيرة، وكان تمايزهم “ينتش نتشاً”.
ربما الكل يذكر المعلومات التي سرت عشيّة الانتخابات النيابية الأخيرة قبل عامين، عن “الحرب الضروس” التي خاضها باسيل ضد إيصال كنعان في المتن. كانت “الحروب الداخلية” قد بدأت. والناظر اليوم إلى صورة “تكتّل لبنان القوي” سيشعر بأنها ناقصة تماماً، ببساطة، بدأت تفتقر إلى “التيار الوطني الحر”!
أكثر ما صعق “الجمهور العوني”، أن البديل موجود. فبالنسبة إلى قضاء بعبدا، ومقعد آلان عون، يتردّد أن “لا أحد إلا ويُستبدل”. وعن قضاء جبيل، والمقعد الذي ملأه أبي رميا، يُحكى عن أن باسيل يحضر مستشاره أنطوان قسطنطين داخل بلدة إهمج.
وحده حجم الترحيب والتضامن الذي يلقاه اليوم المفصولون عن “التيار”، يدل على حجم النقمة الموجودة عند اللبنانيين والناشطين السابقين عن نهج “تياري” مورس أخيراً، وأن الصورة الحالية للتكتل وللحزب ليست النسخة الأصلية… فأيّ من النواب سيبقى؟
يُقال إن ثمة “قراراً” ما سيتّخذه النائب أسعد درغام، انطلاقاً من أن العلاقة بينه وبين باسيل مرّت بمطبّات كثيرة. هي تُقطع أحياناً وتُرمَّم أحياناً أخرى، لكن درغام نفسه قطع الطريق أمام أي اجتهاد. يقول: “أنا لا أجد نفسي خارج التيار. أنا لديّ كل الجرأة للتعبير عن هواجسي مباشرة مع رئيس التيار”.
ويؤكد أن “إبداء رأينا داخل التيار لم يُعد تمرّداً على الإطلاق، كما أن الجميع لديهم مساحة من الحرية للتعبير عن آرائهم”، مشيراً إلى أن “الصورة التي يجري تعميمها عن تعاطٍ ديكتاتوري داخل التيار غير صحيحة على الإطلاق”.
في روايات المفصولين، عبارات مشتركة تتردد هي: “التفرّد بالقرار… الشخصنة… لا نقاش بل أحادية، لا شراكة حقيقية بل نظام رئاسي”.
وفي رواية المدافعين، “لكل واحد موقعه ودوره. لا إقصاء ولا ديكتاتورية، لكن ينبغي احترام أسس النظام الداخلي للحزب”.
المتابع لتاريخ “التيار” يلاحظ أنه بدأ يسقط بناشطيه الذين خرجوا وهم كثُر، بنوابه الذين “يرتاحون” الواحد تلو الآخر، ومن رفاق ضبّاط قدامى ابتعدوا أيضاً، كأمثال عصام أبو جمرا وشامل روكز وكثر غيرهما.
كأن ثمة نمطاً معيّناً مطلوباً للعمل الحزبي والنيابي والوزاري، وقد أثبتت الأعوام العشرة الأخيرة صحة هذه المعادلة، بعدما كرّس “التيار” نهجاً في التعاطي في الشأن العام، في الوزارات والإدارات… ولا شك في أن هذه الصفحة من عمل “التيار” داخل الدولة ستبقى ملك التاريخ والحكم عليها، في مرحلة مقبلة قد لا تكون بعيدة…
وأخيراً، قد يكون من المفيد، لا بل من الإخلاص للقضية والتاريخ والشعار، ألا يبقى اسم “التيار الوطني الحر” في عهدة الحزبيين الحاليين… لأن من أصبحوا اليوم في الخارج لهم حصة في هذا الاسم ومضمونه… وروحيته أكثر بكثير ممّن هم في الداخل… هم “وجوه جميلة” يفتقدها “التيار الوطني”… والأكثر خطورة أن تصبح الساحة المسيحية فارغة إلى هذا الحد، أو بالأحرى مليئة “بكل هذه البشاعة”!
منال شعيا ـ“النهار”