كيف نحافظ على الصحّة النفسية؟
يمرّ مجتمعنا والمجتمعات المجاورة في هذه الحقبة من الزمن بضغوطات مختلفة كالحرب والتهجير والأزمات الإقتصادية والإجتماعية والبيئية والتربوية والنفسية.وتؤثّر هذه الضّغوطات، بلا شكّ، بطريقة سلبيّة على أفراد المجتمع، وتسلبهم الطّمأنينة، وتشعرهم بإنعدام الإستقرار النّفسي.
انطلاقًا من هذا الواقع الصّعب، ومن موقعنا كإختصاصيين نفسيّين وتربويّين ومرشدين اجتماعيّين، وبما أنّ من واجبنا نشر التّوعية على الصّحة النفسيّة، والسّعي لتحقيقها عن طريق تقديم الدّعم اللاّزم لأفراد المجتمع، نلقي الضّوء على كيفيّة إدارة الضّغوط النفسيّة المعاشة خلال الأزمات لإيجاد الوسائل المناسبة لمواجهتها وتخطّيها بهدف العيش بطريقة أسلم وبراحة بال .
فما هي القدرات والآليّات الدّفاعيّة التي تمكّن المرء من التوصّل إلى حسن إدارة الضّغوط النفسيّة التي يعاني منها خلال الأزمنة الصّعبة ؟
هناك عناصر عدة مكوّنة للآليّة الدّفاعية عند الإنسان كالمرونة النفسيّة والذّكاء الإنفعالي وغيرها، ولقد بيّنت الدّراسات العلميّة والنفس- اجتماعيّة أنه من الضّروري أن تتوافر هذه القدرات لدى الفرد بشكل كاف، يسمح له بالاستيعاب والمواءمة – Assimilation – Equilibration – Accomodation في سبيل مواجهة تحدّيات الحياة بشكل متوازن، كما يقول عالم النّفس السويسري “جان بياجيه. “Jean Piaget -1980) (1896.
سوف نتناول في هذه المقالة العلمية عنصرًا واحدًا أوليًّا ومهمًّا جدًّا في الآليّة الدّفاعية لحسن إدارة الضّغوط النفسيّة لدى الفرد وهو المرونة النفسيّة (Résilience)حيث تلعب هذه الأخيرة دورًا كبيرًا في تخفيف حدّة عبء التحدّيات التي يمرّ بها الإنسان وتساهم في بلورة وتحسين نوعيّة حياته ( Qualité de vie).
تعود عبارة المرونة Résilience /Resiliency في الأصل إلى علم الفيزياء، وتعني مدى قدرة مادّة معيّنة على احتمال الضّغط المفروض عليها، ودرجة مقاومتها له، مع العودة إلى الوضع السّابق بعد انتهاء عمليّة الضغط. أمّا في علم النّفس فهي تعني درجة المقاومة النّفسيّة لدى الفرد إزاء الضّغوط الخارجيّة والتّجارب الحياتيّة (مثل الإساءة الجسديّة أو الجنسيّة للطّفل، الإغتصاب، الحرب والتّهجير إلخ…)، كما تعني القدرة على تخطّي الصّدمات بكلّ أشكالها وتجاوز الماضي وتحقيق نموّ نفسيّ أفضل من ذي قبل من خلال الدّفاعات الإيجابيّة المبدعة.
ولقد بيّنت الدّراسات العلميّة أن هناك ثلاث فئات من العوامل المؤثرة على المرونة النفسيّة وهي: العوامل الفرديّةFacteurs individuels / Individual factors، العوامل العائليّة Facteurs familiales / Family factors والعوامل البيئيّة/ Facteurs environnementaux /Environmental factors. نضيف إلى هذه العوامل استراتيجيّات المقاومة النّفسيّة. فإلى جانب الدّعم العائلي والإجتماعي تساهم هذه الإستراتيجيّات في ترميم آثار الصّدمات الّتي يعيشها الفرد ونذكرمنها: *استراتيجيّة استعادة البنيان المعرفي Restructuration cognitive /Cognitive restructuring، أيّ إعادة النّظر في معنى الصّدمة وفي تقويم نتائجها؛ فالصّدمة هي من دون شكّ تجربة قاسية ولكنّها مفيدة للإنسان إذا عرف كيف يستخلص العبر الإيجابيّة منها ، فيصبح أقوى من السّابق.
*الإستراتيجيّة الثّانية هي العزو Attribution، وهنا نلحظأنّه لا يجب على الشّخص أن يستسلم للصّدمة فتتوقّف عمليّة المرونة. كيف يحصل ذلك؟ عندما يعزو المصدوم ويلقي اللّوم على المعتدي فإنّه يرتاح من القلق طبعا ومن الشّعور بالذّنب، ولكنّه في نفس الوقت يخسر إمكانيّة العمل على سلوكه لكي لا يقع مرّة أخرى في المشكلة ذاتها. لذا نقول هنا بأنّ العزو الخارجي وحده لا يكفي لتنمية الوعي الدّاخلي ونموّ الشّخصيّة.
*الإستراتيجيّة الثّالثة هي التّعبير Expression، فالتّعبير من خلال الرياضةوالأنشطة الإبداعيةكالفنّوالأدب والموسيقى والرّسم إلخيحوّل المأساة إلى قصّة أو أسطورة بحيث تطلق عمليّة النّمو النّفسي من جديد وتساعد على الشفاء.
ونلحظ هنا أنّه كما أنّ الفرد يتمتّع بمرونة نفسيّة ليقاوم الصّدمات، كذلك هناك عائلات ومجتمعات مقاومة للصّدمات.
نختم بهذا ّالتساؤل ؟ هل يمكن ان ننمّي قدرة المرونة النفسيّة عند الفرد بدأ من سنّ الطفولة؟
الإجابة هي نعم، وتكمن في التّربية، إذ يلعب الأهل الدّور الأوّل والأهمّ؛ ويليه في المرتبة الثانية، والذي لا يقلّ أهميّة عن الأوّل، دور المدارس والجامعات في بناء شخصيّة الإنسان وتدريبه على اكتساب مهارة «المرونة النّفسيّة أو Résilience/Resiliency» ويتم ّذلك من خلال مساعدة الولد على فهم حقيقة الأمور الصعبة الّتي يمرّ بها، وكيفية التصرّف لمواجهتها وتخطّيها.
وأنهي بالقول أنه إذا أحسّ الفرد بأنّه بحاجة الى دعم نفسيّ يجب ألا يتأخّر في السّعي للحصول عليه من قبل المتخصّصين في مجال الصحّة النفسيّة والعقليّة.
د. دنيز ميشال الغول (مجلة الأمن)