(هيثم الموسوي)
منذ ما قبل مجدل شمس، ساد اعتقاد واقعي بأن حزب الله يمسك بالوضع الداخلي، ليس عبر القبض على قرار الحرب والسلم فحسب، ولا فقط في ملف رئاسة الجمهورية العالق منذ نحو سنتين، إنما في التفاوض باسم لبنان في أي اتصالات ترسم مستقبله من ضمن ما يرسم للمنطقة بعد حرب غزة.منذ الفراغ الرئاسي، أمسك الحزب بالوضع الرئاسي، وتفرّد معه بملفات تفاوض الترسيم البحري والعلاقات مع فرنسا، ومع واشنطن بالواسطة. وما إن وقعت 7 تشرين الأول، حتى تقاطرت وفود غربية وعربية إلى لبنان لاستطلاع موقفه، مباشرة أو بالواسطة. وتدريجياً كان الحزب، يفرض إيقاعه السياسي، وتمشي خلفه الحكومة، في كل ما يتعلق بإدارة ملف الجنوب وما ينتج منه والاقتراحات التي وضعت على الطاولة في إطار وقف الحرب. ومع هذا الإيقاع، رفع الصوت في الشهرين الأخيرين تجاه ما كان يحصل في «المقلب الآخر» من احتفالات ومهرجانات تغنت بها قوى سياسية على أساس «الثقافة» المختلفة. وكلما رفع الحزب الصوت أكثر ، بالغ كل القائمين على هذا الجو الاحتفالي في تزيين ما يحصل في إطار منظارين مختلفين كرّسا في الأشهر الأخيرة رؤيتين اجتماعيتين وثقافيتين، بحسب وجهتي نظر متناقضتين. لكن بقدر ما انغمس هذا الفريق في احتفالياته، بدا وكأنه يتجاوب مع استدراج الحزب له إلى مساحة الانكفاء عن المواجهة السياسية والغرق بعيداً من محور الاتصالات الإقليمية والدولية التي كرّست، قبل مجدل شمس، الحزب مفاوضاً وحيداً في الشأن الداخلي. وهذا ما أثبتته الساعات الأخيرة. مفتاح المهرجانات في يد فريق ومفتاح الاتصالات الدولية والإقليمية للجم التدهور في يد فريق آخر.
مع مجدل شمس، تحول الحزب مجدداً إلى واجهة الحدث الإقليمي والدولي. بين اتصالات عبر إيران ومحلياً عبر الحكومة والرئيس نبيه بري وقنوات الاتصال المعتمدة ، أعاد الإمساك بالوضع الداخلي وتحولت كل الأنظار إليه، لمعرفة ردود فعله حول الرد الإسرائيلي، وما سيليه، واحتمال توسّع الحرب لأنه يمتلك وحده لبنانياً مفتاح الحرب والسلم، قبل الدخول في مرحلة جديدة، من المبكر تلمّس ملامحها.
في المقابل ماذا يفعل الفريق الآخر، من حلفاء الحزب وخصومه؟
مع غياب القيادة السنية الفاعلة في أوقات حساسة من الواقع الداخلي، بخلاف ما كانت عليه في مراحل الفراغ الرئاسي من جهة والاستحقاقات المتتالية وآخرها حرب تموز، تتوجه الأنظار تلقائياً إلى القوى السياسية المسيحية المعارضة أو الموالية لحزب الله. في المشهد العام، وفي اللحظة التي ينتظر فيها الجميع موقف الحزب سواء من الرد الإسرائيلي أو من الشروط التي تضعها واشنطن وبعض الدول الأوروبية الفاعلة أو العربية في ما يتعلق بمرحلة ما بعد غزة، لا تتصرف هذه القوى على أن الخطر واقعي إلى درجة إعادة رسم المشهد اللبناني برمته.
وتحصر هذه القوى برمجة عملها بحدود الداخل من دون أن يكون لها ثقل أساسي يمكن الاتكال عليه في محافل دولية، على غرار ما كانت تقوم به البطريركية المارونية أيام الراحل البطريرك مارنصرالله بطرس صفير، في اللحظات المفصلية الكثيرة التي لعب دوراً فيها خارجياً في كل عواصم القرار. لا بل إن كل الاتصالات الخارجية تقفز فوق القوى المسيحية برمتها، ولا سيما أن هذه القوى نفسها تتصرف، قبل 7 تشرين وما بعده، منتظرة التحولات التي ستأتي بها التسويات من دون أن يكون لها قرار أساسي فيها، كما الشروط التي تضعها واشنطن وباريس والسعودية على تسوية رئاسة الجمهورية. والأدهى في الأسابيع الأخيرة، تبدو وكأنها تعيش زمن الانتخابات النيابية لا أكثر ولا أقل.
تحصر القوى المسيحية عملها بحدود الداخل من دون أن يكون لها ثقل أساسي في محافل دولية
لا يمكن النظر إلى جولات رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، والتي دأب عليها أيام الفراغ السياسي، إلا من منظار انتخابي بحت. خلافه مع نواب حاليين أو سابقين في التيار معارضين له لا يحمل في طياته سوى بذور انتخابية وقياس مدى صلاحية عدائهم أو فصلهم على هذا الأساس. الجولات التي يقوم بها وكأنها عشية الانتخابات النيابية، فيما الحرب الدائرة جنوباً واحتمالات التصعيد الإسرائيلي تزيد كل يوم مع مجدل شمس أو من دونها. القوات اللبنانية ليست أفضل حالاً، وإن كانت تعتبر نفسها أمّ الصبي في التركيز فحسب على معركة رئاسة الجمهورية وتوجيه الرسائل المتتالية إلى الرئيس بري، من دون تحييد البوصلة الانتخابية في تبادل التراشق بينها وبين التيار الوطني الحر، كما يفعل هو ذلك. يتصرف الطرفان انتخابياً، في اللحظة التي تشتعل فيها المنطقة وترسم سيناريوهات عن مستقبل التقاطعات الإقليمية والتحولات التي ترتسم من العراق إلى سوريا ربطاً بما يُعدّ لما بعد غزة. ومع ذلك، هناك من يتصرف وكأن حدود اللعبة الإقليمية محصورة بعدد المقاعد التي سيخسرها التيار لمصلحة القوات، أو المقاعد التي سيحصّلها التيار إذا استغنى عن معارضيه داخل التيار وخارجه.
على هذا المقدار من الانغماس في الشأن المحلي والحزبي، يصبح من الصعب، بعد ذلك، ألّا يُنظر إلى قيادات الصف الأول كوليد جنبلاط الذي ينجح حيث يفشل الآخرون، في أدق ظرف إقليمي، في الحفاظ على دور محوري وعلى التعامل مع المخاطر بأهميتها.
(الأخبار)