كثرت في الآونة الأخيرة المقالات والتحليلات التي تتحدث عن تردي العلاقة بين حزبي “التقدمي الاشتراكي” و”القوات اللبنانية”، كما لو أن الرغبة المشتركة لهذه المقالات هي وقوع الشرخ بين هاتين القوتين الجبليتين لغاية في نفس يعقوب، أو كما هي العادة محاولة النيل من الزعيم وليد جنبلاط بسبب مواقفه الأخيرة التي من الواضح أنها تبتعد عن مواقف رئيس “القوات” سمير جعجع، في الاستحقاق الرئاسي كما في الحرب الصهيونية على غزة.
لكن مصادر نيابية قواتية تقلّل من أهمية هذه المقالات والتحليلات لا بل إنها سخرت منها وتؤكد أنها لم تعرها أي انتباه، مشدّدة على أن ما بين الفريقين جامع أساسي لا يختلفان حوله إطلاقاً وهو المصالحة التي جرت في قصر المختارة برعاية البطريرك الراحل نصر الله صفير.
غير أن المواقف الأخيرة لجنبلاط المتمسك بوسطيته وقربه من رئيس مجلس النواب نبيه بري، وضعته في مكان يتعارض مع توجهات جعجع وهذا ما دفع البعض إلى الحديث عن فتور في العلاقة وإطلاق التكهنات حول اصطفافات جديدة لا يكون فيها جنبلاط حليفاً لجعجع.
ولا يخفي مصدر نيابي اشتراكي وجود تباين في المواقف مع “القوات اللبنانية” وخصوصاً في ما يتعلق بموقف جنبلاط من الحرب الصهيونية على غزة وقرار “حزب الله” إشعال جبهة مساندة في الجنوب، غير أن هذا الابتعاد في وجهة النظر لا يصل إلى حد الافتراق “فليخيط المغرضون بغير مسلة”.
ويؤكد المصدر أن موقف جنبلاط من القضية الفلسطينية تاريخي لا يتغيّر والحرب الصهيونية الحالية على غزة دفعته الى اطلاق الموقف المعروف والذي وإن كان حزب “القوات” يؤكد في الاعلام موقفه المؤيد للقضية الفلسطينية، إلا أن جبهة الاسناد التي أطلقها “حزب الله” كانت برأي جنبلاط في محلها وهي إلى حد ما أنشأت نوعاً من توازن الرعب مع العدو الاسرائيلي وبالتالي فإن ما يقوم به الحزب صحيح وهذه وجهة نظر نختلف عليها مع “القوات”.
لكن المصدر القواتي لا يزال متمسكاً بنظرية “من فوّض حزب الله أخذ قرار فتح جبهة الجنوب نيابة عن اللبنانيين؟ وإن كنا نعيد التأكيد على تمسكنا بحق الشعب الفلسطيني بالحياة الكريمة ضمن دولة مستقلة، إلا أن ما نختلف عليه مع جنبلاط هو موقفه من حزب الله، فالمشكلة الرئيسية التي يعاني منها لبنان هي الحزب وسلاحه وإمساكه بقرار الحرب والسلم بينما جنبلاط يتناغم مع حزب الله هذه الأيام ولا ندري ما هي أسبابه ودوافعه لهذ التناغم”.
وفي هذا المجال، يذكر المصدر الاشتراكي بأن “جنبلاط أول من أطلق موقفاً من الحرب في الجنوب عندما طالب حزب الله بعدم الانجرار فيها لكن الحال مع وجود فريق المجانين بقيادة نتنياهو في إسرائيل، يفرض علينا كما على كل اللبنانيين التضامن الداخلي أولاً لئلا يستفرد بنا العدو ويأخذنا بالمفرق”.
وعلى الرغم من هذا التباين في وجهات النظر من “حزب الله” وجبهة الجنوب، إلا أن “القوات” و”الاشتراكي” لا يزالان متوافقين على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية لا يشكّل تحدياً لأي فريق سياسي في لبنان، ومن هنا كان التوافق على دعم النائب ميشال معوض ثم التوافق على اسم الوزير السابق جهاد أزعور والتقاطع مع “التيار الوطني الحر” على هذا المرشح.
لكن المصدر القواتي يبدي توجسه من احتمال ذهاب جنبلاط بعيداً في “حلفه” مع الرئيس بري، فيجد فريق المعارضة نفسه من دون جنبلاط ما يجعل احتمال انتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية في لحظة ما مؤمناً بقبول جنبلاط بانتخابه.
ويشير المصدر إلى أن الاجتماع الذي دعا إليه جعجع في معراب لفريق المعارضة كان مبرراً لهذا التوجس إذ قاطعه جنبلاط لا بل انتقده، وهذا ما يجعلنا غير مطمئنين إلى موقفه.
لا يوافق المصدر الاشتراكي على الهاجس الذي يتحدث عنه المصدر القواتي، ويؤكد أن اجتماع معراب الذي قاطعه “الاشتراكي” كان لأسباب عديدة أهمها عدم جدوى مثل هذا الاجتماع في ظل التشنّج القائم داخلياً ولعدم إعطاء ذريعة لمزيد من الانقسام الذي هو عمودي أصلاً، لكنه يؤكد أنه على الرغم من كل التباينات القائمة وحول هذين الموضوعين تحديداً وربما مواضيع أخرى، الا أن الهدف الأول لجنبلاط اليوم هو الوصول إلى توافق وهذا التوافق لا يحصل إلا من خلال الحوار، وطالما أن جعجع يرفض هذا الحوار فإن الوصول إلى توافق حول كل المواضيع يبقى صعباً، لكننا لن نيأس وسنواصل السعي والعلاقة مع “القوات” لم تنقطع ولن تنقطع وسنبقى على تواصل معهم خصوصاً وأن المصالحة التي جمعتنا لا زلنا ولا زالوا متمسكين بها وهذا الأمر الأساس.
صلاح تقي الدين ـ لبنان الكبير