من مدرسة الحكمة ، كنا ندلف سيراً على الأقدام إلى ساحة البرج
من مدرسة الحكمة في الأشرفية، كنا ندلف سيراً على الأقدام إلى ساحة البرج، حيث نستمتع بالأفلام المعروضة في الصالات التالية: ريفولي، هوليوود، كابيتول (ساحة رياض الصلح)، دنيا، أمبير، روكسي، متروبول (مخصصة للأفلام العربية “النكديّة”)، بيغال في ساحة الدباس (لا تعرض إلا الأفلام الهنديّة) فلا تكاد تمر من أمامها حتى تنهمر دموعك فجأة؟! أما سينما فينوس فكانت تعرض أفلاماً مخصصة “للكبار فقط”.. فما أن يصبح الفيلم في منتصفه، حتى يصرخ أحد المشاهدين “قطشه أبو خليل”، فيتوقف الفيلم فجأة، ويستبدل بقطشه من العيار الثقيل؟!سينما راديو سيتي كسبت الرهان في عرض الفيلم الشهير “من أجل حفنة من الدولارات”، من بطولة كلينت إيستوود أسرع من يسحب المسدس في كل زمان ومكان.. بحيث كان يطلق نحو 150 طلقة من دون أن ترتعش يده أو يفرغ مسدسه من الرصاص؟! أما حصانه فلا يتعب أو يلهث رغم انه كان يقطع نحو 4 آلاف ميل في الفيلم الواحد؟! وليس هذا فحسب، بل كان كلينت يتعرض كل مرة لوابل من الرصاص والديناميت والمتفجرات، لكنه لم يكن يصاب بخدش عملاً بالمثل القائل آنذاك: البطل ما بيموت.. حصانو ما بيتعب.. وفردو ما بيفضى؟! لكن الفورة الحقيقية للسينما جاءت مع لاعب الجودو والكاراتيه والكونغ فو والتايكواندو، البطل الشهير والمحترف الخطير، بروس لي، الذي أنقذ سينما بيبلوس من الإفلاس بعدما قرر صاحبها عام 1971 أن يخاطر بشراء حق عرض الفيلم الصيني المغمور Big Boss بحفنة من الليرات قبل أن يقرر إغلاقها نهائياً.. إلا أن الفيلم حقق نجاحاً منقطع النظير ودرَّ أرباحاً خيالية.. لكنه في المقابل، شكَّل حالة جعلتنا نتهيّب الخروج من الصالة بعد انتهاء العرض، بسبب محاولات الروّاد الفاشلة تقليد صراخه وحركاته القتالية، مما أدى غالباً إلى نشوب خناقات وتضارب بالأيدي والأرجل، فنضطر إلى الهرب تحت جنح الظلام قبل وصول دورية “الفرقة 16” (كانت تشتهر بالحزم وتدب الرعب في قلوب المجرمين والمخالفين).نجاح بروس لي حمل منافسه الممثل الصيني أيضاً ونغ يو على إطلاق فيلمه “الأكتع”، فذاع صيته لأنه استطاع بعدما قطعت يده اليمنى – في الفيلم طبعاً- أن يحارب باليسرى، فحمل سيفاً قهر به الأعداء والخارجين عن القانون والداخلين إليه؟! حتى أنه لم يترك رأساً في الفيلم إلا وقطعه.. لكن المصيبة أنه لم يتوقف عن ذلك حتى قطع رأس كاتب القصة وواضع السيناريو والمخرج والمنتج؟! ولولا العناية الإلهية لوصل حدّ السيف إلى رؤوس المشاهدين؟! ولن ننسى أن “الأكتع” لم يكتفِ بفصل الرؤوس عن الأجساد، بل كان يطير من شجرة الى أخرى ويقفز في الفضاء وكأنه “سعدان” في فيلم طرزان.. بعد 6 سنوات على أفلام الكاراتيه، جاء الطيِّب الذكر جون ترافولتا بحلَّته الشبابية وصرعاته الغريبة العجيبة، فأضحى ملك الهز والفز والرقص المثير، حتى نجح في سلب قلوب الجماهير.. وهكذا عشنا بين بروس لي و”الأكتع” وترافولتا سنوات من الفرح والحياة الهانئة المطمئنة، حتى اندلعت الحرب سنة 1975، فأتت على كل شيء، وتحولت أفلام السينما التي كانت منتشرة في وسط البلد، إلى واقع وقَع على رؤوس الجميع.. وما زلنا منذ ذلك الحين، نرقص على صفيح ساخن!
جميل نعمة
صحافي