العلامة شارل مالك عن كفرسما: إنتاج أدبي لِلُبنان أن يَفتَخِر بِه

توجَدُ طُرُقٌ عِدّة لِتَصوير آلام لبنان المُستَمرَّة

كتب العلامة اللبناني الدكتور شارك مالك مقدمة كتاب كفرسما للأب منصور لبكي، قائلًا:

  • قد يَكون التّصوير إمّا سياسيّاً أو مجتمعيّاً أو دينيّاً تاريخيّاً، أو من زاوية العوامل الدّولية المتنوّعة المُنصبّة على لبنان.
  • أو من وجهة نَظَر الفساد الأخلاقي الذي حَلَّ بِلُبنان، إلخ…
    أمّا الأب لبكي فَلَم يَعتَمِد أيّاً من هذه الطّرُق إنّ طريقته إنسانية – شعرية، وهي أبلغ تعبيراً وأشدّ نفاذاً من الطّرق الأخرى. إنّها تَحَرّك القلب أكثر من العقل، وكما قال باسكال:
    “حَرِّك القَلب ولا تُعنَ كثيراً بالعَقل لأنّ القلب كَفيل يَجعل العقل يحذو حَذوَه على الفور”.
    الأب لبكي تشبّث بِتَعلُّق الإنسان بالأرض والتّراث، وشدَّدَ على السّلام والطّمأنينة والفرح في الحياة الرّيفيّة، وعلى قيم الحياة العائلية اللّبنانية الفائقة الجمال، وعلى هذه الخلفيّة السماوية (وكفرسما تعني قرية السما) يصوّر أثر الحرب المُفجعة التي حوّلت فجأة السماء إلى حال جهنميّة. بالطّبع إنّ معالجة الموضوع بالطّرق التي ذكرنا لها مكانتها ولكن إذا أردنا الفهم الرّوحي العميق فطريقة الأب لبكي تبقى الأفضل.
    في حَوزَتِنا عطاء قد تكون له قيمة عالميّة. إنّ الناس في العالم كلّه قد ضجروا بالفعل من إلقاء اللّبنانيين اللّائمة في مِحنَتِهِم على أيّ كان إلّا على أنفسهم، وَقنطوا من ذَرفهم الدّموع على أكتاف الآخرين نادِبين حظّهم بِشَكل يدعو إلى الشّفقة. يقولون لنا :
    “أيها اللّبنانيون، ما لم تَحزِموا أنتم أمرَكُم وَتَقِفوا على أرجلكم، فَما مِن أحدٍ سَيُقْبِلُ على مُساعَدَتكم.”
    يقولُ النّاس لنا هذا لأنّهم لا يُدركون ما هو بالفعل قَيد التّقرير المَصيري في الدراما التي تمثل تاريخياً اليوم في لبنان.
    في عَرض الأب لبكي لا نَحِيبٌ ولا بُكاء إطلاقاً بل هناك فقط وَصف واقِعي مُباشر لِأثَر الحَرب الّتي لا تَرحَم، بِقَطع النَّظر عن كيف وَقَعت ومن كان سببها ولأثَر هذه الحرب على الحياة العائلية السّعيدة الآمنة، وعلى قِيَمِها الفائقة الرّفيعة الخاصّة بها، هذه الحياة التي يكاد لا يَعرِف باقي العالم عنها شيئاً.
    وهكذا يَخطُرُ في البال فوراً مشروع جدير بالإعتبار أعني انتقاء مُختارات مناسبة وَمُقتَضَبة من مؤلّف الأب لبكي، مع التّعديلات اللّازمة بحيث يَفهَمها العالم كلّه ولا تَقتَصِر على فَهم الذّهنيّة العربيّة أو النّاطِقين باللّغة العربية وحسب.
    على أن تَرسُم هذه المُختارات حياة القرية اللّبنانية الهنيئة الرائعة والدَّمار الذي عَصَف بها من جَرّاء الحرب؛ ثمّ يُصار إلى التّفتيش عن كتاب قِيُم في الأدب العالمي، منشور باللّغة الإنكليزيّة أو الفرنسيّة أو الألمانيّة أو الروسيّة. ويُعرَض على ناشِرِه إدخال هذه المُختارات فيه فإذا قَبِل هذا العَرض، وهذا الأمر كُلّه يقتضي مفاوضة دقيقة مُقنِعة، عندئذٍ يتمّ ثلاث إنجازات:
  • عَطاءٌ مُتواضع في الأدب العالمي
  • إبراز إحدى أجمل القُرى في العالم
  • ومن ثمّ تَنوير العالَم حول ما هو تاريخيّاً وبالفعل قيد التّقرير المَصيري في المِحنة العظيمة التي يعانيها لبنان.
    أعني ، إمكانَ مَحوِ نوع من الحياة لا مثيلَ له، الأمر الّذي ليسَ مُحَتَّماً وقوعه إطلاقاً.