الصهاينةَ لن يسكتوا عن بقية العرب وخصوصًا عن اللبنانيين وما تخوضه المقاومة يمثّل ردعاً استباقياً بقدر ما هو حرب مساندة لغزة
دعا وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى الى :”تغيير نمط التفكير في هذا الوطن من خلال رفض ذهنيّة الطائفيّة والمناطقيّة والخطاب السياسيّ، والتأكيد على الوحدة الوطنيّة في مواجهة التحديات والأزمات لنؤمّن الاستقرار والحياة الكريمة والمستقبل المزدهر لأجيالنا.”
مؤكدًا ان :”الصهاينةَ لن يسكتوا عن بقية العرب وخصوصًا عن اللبنانيين وما تخوضه المقاومة يمثّل ردعاً استباقياً بقدر ما هو حرب مساندة لغزة.”
كلام الوزير المرتضى جاء رعايته وحضوره حفل حفل جامعة الجنان بتخريج دفعة طلابها 33 في حرمها الرئيسي في طرابلس بمشاركة نيابية وروحية وأمنية واكاديمية.
ومما جاء في كلمة الوزير المرتضى:”
حفل تخرج جامعة الجنان
مفارقةٌ غريبة عرفتها طرابلس في العقدين الأخيرين من القرن العشرين: تركتها المدارسُ… وأوَت إليها الجامعات؛ فالفيحاء من طينةٍ معرفيةٍ تأبى عليها أن يفارقَها لقبُها “مدينةُ العلم والعلماء”، وأهلُ الفيحاءِ ذوو إصرارٍ لا محيد عنه على أن تبقى مدينتُهم ملاذًا للفكر والتطور ومنطلَقًا لبناء الأجيال والأوطان… بالمعرفة، قبل أيِّ مظهرٍ عمرانيٍّ آخر. هكذا إذن، أصبحت طرابلس في السنوات الأربعين المنصرمة جامعةَ الجامعات، لكنها وبكل أسف ما زالت بعيدةً من أن تصيرَ مجتمعًا جامعيًّا، كما تستحق، ولي عودٌ إلى هذه النقطة عمّا قليل.
ولعلَّ “الجنان”، وهي من أولى الجامعات، إن لم تكن أولاها على الإطلاق، التي وطِئتْ أقدامُ كلّيّاتِها هذه الهضبة، على كتف أبي علي، واستظلَّت بركات الزيتونِ وتنفَّسَت عطرَ جيرتِه، وأقامت في قيلولةِ اسمِها العُلَوِيّ، كانت في رسالتِها التربوية تعملُ على أن تحوِّلَ عقولَ الشبيبة إلى جنانٍ تجري من تحتِها أنهارُ علمٍ وقيم، فتكونَ لهم النشأةُ الأولى هنا، على غرار ما يرجُون أن تكونَ لهم النشأةُ الآخرة… فوق… في الجنان التي تجري من تحتها أنهارُ لبنٍ وعسل.
ثلاثةٌ وثلاثون عامًا من عمر مواعيد الفرح عاشها هذا الفضاءُ، في مواسمَ تتالى، مع أفواجٍ تتجدَّدُ، وسْطَ تصفيقِ أهلٍ يَزْحمُ الدمعُ السعادةَ في عيونِهم، وهي ترى مواكب الخريجين من أبنائهم، سنةً بعد سنة، تَزُفُّ بريق الآمال إلى الوطن المنهَك. وخريجون يرمون القبعات في الهواء، إشارةً إلى انطلاقِهم نحو مجالاتِ الحياة المتنوعة، متحررين إلا من علمٍ وخُلُق، وإدارةٌ وأساتذةٌ مدركون أن الرسالة الجامعية ليست في تلقين الطلاب دروسًا معمقةً في مواد اختصاصاتِهم، ولا هي بشهاداتٍ تمنحُها لهم في احتفالات مهيبة، بل هي في تدريب هؤلاء الطلاب على غَرْزِ سكاكينِ السؤال في جسدِ كلِّ موضوع، وَفقَ منهجيةٍ بحثٍ تفجِّرُ الأسئلةَ كلما تراكمت الأجوبة. فالجامعة ليست مدرسةً عليا بل مركزُ بحوث، ولا قيمةَ فكريةً للشهادةِ الجامعية إذا اتُّخِذَت مفتاحًا لأسواق العمل فقط، بل هي أيضًا آلةٌ موضوعة بيد الخرّيج، يعمل بها على تغيير العالم كلِّه وتطويره إلى ما هو أرقى.
البحثُ إذن والجِدُّ المتواصل هو الذخيرة التي تسلِّمُها الجِنانُ إلى خرّيجيها، عندما يقبضون بأيمانِهم على شهاداتهم الورقية. هي لا تعِدُهم، ولا الدولةُ كذلك، بحياةٍ مهنيةٍ رحراحةٍ خاليةٍ من المعوّقات، بل بكدٍّ متواصلٍ حتى يتغيَّرَ ما بهم وما حولَهم. إن كان الله سبحانَه وتعالى لا يغيِّرُ ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسِهم، فهل تستطيع الشهادة الجامعية أن تعمل عكسَ ذلك؟
وتلاحظون أيها الخريجون إصراري على استعمال لفظة “التغيير”. ما ذلك إلا لأن معناها وحده هو الذي يبني المستقبل الحي. أنتم تعاينون أحوال البلاد، وجمودَ الاستحقاقات، وتردّي الاقتصاد، والحرب التي يخوضُها أعداءُ الإنسانية ضد إخوتِكم في الجنوب وغزّة… فهل من سبيل إلى التخلّص من هذا كلّه إلا بفعل تغيير يضعُ المواطنين والوطن في مسارٍ جديد أبرز محطاته:
تغيير الذهنية الطائفية المتحكّمة في كثير من مفاصل حياتنا الوطنية، لكي يشعر الشعبُ اللبنانيُّ بمكوّناتِه كافةً أنه جسدٌ واحدٌ، إذا تألّم منه عضوٌ تداعت له سائرُ الأعضاء بالسهر والحمى، وإذا قويَ منه عضوٌ فرحت به سائرُ الأعضاءِ وآزرَتْه في مجالات قوته.
وتغيير الذهنية المناطقية التي ترى الوطن أجزاءً منها الأثيرُ ومنها المهمل، وطرابلس شاهدة حيةٌ على تفشي هذه الذهنية أكثر من ثلاثة أرباع قرن من عمر الوطن.
وتغيير النظرة إلى نعمة التنوّع الذي فينا، حين يرى قومٌ أنها ميزة يَفْضُلُون بها سائر اللبنانيين، تحت دعايات ثقافةِ الحياة مقابل ثقافةِ الموت، وفي هذا تضليلٌ وجنوحٌ عن القيم.
وتغيير الخطاب السياسي بشكلٍ يؤمن أقصى الحرية في إطار القانون، بشرطِ ألّا تُمَسَّ الوحدةُ الوطنية والأسسُ الأخلاقية التي يكتنزُها مجتمعُنا.
وتغيير فهمِنا للواقع الذي نعيشُه بأزماتِه المتراكمةِ والمتلاحقة، والتأكُّدُ من أن أهمَّ أسبابِ أزماتنا، هذا الكيانُ المغتصب الذي يشكل النموذج اللبناني نقيضًا لعنصريتِه، من غير أن نهمل الأسباب الأخرى الناتجة عن تقصيرنا نحن في بناء دولة الحرية والسلامِ والقانون.
وتغيير نظرتِنا إلى حقيقة علاقات الأمم، حتى ندركَ أنها مبنية على المصالح لا على القيم، وأن الحق بحاجةٍ إلى قوة تحميه، وأن الصهاينةَ الذين منذ أكثر من تسعة أشهر يدمرون غزة ويقتلون الأطفال والنساء، لن يسكتوا عن بقية العرب، وخصوصًا عنا نحن اللبنانيين، وهو يتحينون الفرص لإفراغ شرورهم الدموية في أرضِنا وعلى شعبِنا، بحيث ينبغي لنا أن نتيقن من أن حرب المساندة التي تخوضُها المقاومة في الجنوب، إنما هي حرب ردع استباقي بقدر ما هي حرب مساندة لغزة.
وتغيير إمكانياتنا الإبداعية، بإطلاقها في كلِّ ناحيةٍ من نواحي المعرفة لابتكار ما يجدد الحياة، مثلما يفعلُ اللبنانيون المنتشرون في أصقاع الأرض.
بهذا التغيير كله تصبحُ طرابلس، بل لبنان كلُّه مجتمعًا جامعيًّا… ويصيرُ لنا وطن.
أيها الخريجون
كثيرون منكم سينطلقون غدًا إلى التفتيش عن وجهة سفر. وإنه لَيُدْمي قلبَ الوطن أن يصير أبناؤه على متون الطائرات. أعترفُ أمامكم بأن مائةَ سنةٍ من عمر السياسة في لبنان لم تستطع أن تبني وطنًا حقيقيًّا لكم. لقد قصّرَت سلطاتُنا في حقِّكم، وفي حق شبابٍ كُثُرٍ قبلكم. لكنَّ لبنان بحاجة إليكم أينما ألقت بكم جوازاتُ سفرِكم كي تعملوا من أجله. وطرابلس على وجه التحديد، عاصمة الثقافة العربية والعاصمة الأولى والدائمة للثقافة في لبنان التي تحملُ دورتُكم شعارَها، بحاجةٍ ماسةٍ إليكم، كي تغيِّروا ما بها. وإذا كانت الخيباتُ قد تأكَّلَت أجيالَ اللبنانيين، فعسى أن تكونوا أنتم جيل الرجاء وجيل النصر، وإنكم بهذا لجديرون.
عشتم عاشت جامعة الجنان وعاش لبنان.”
وكان الحفل استهل بكلمة ترحيب للدكتور المؤرخ جان توما ، فدخول موكب الطلاب الخريجين واساتذة الجامعة ورئاستها ، ثم تلاوة من القران الكريم لشيخ قراء القلمون والكورة والبترون الشيخ زياد الحج فالنشيد الوطني فنشيد جامعة الجنان . رحب بعدها توما بالوزير المرتضى حامل مشعل الثقافة والمودة .
ثم القت مديرة مديرية شؤون الخريجين منى بارودي كلمة اكدت فيها على ابقاء العلاقة متينة مع الخريجين وتوفير منصة تواصل دائمة معهم . وقدمت عبر الفيديو كلمة عميد الخريجين الذي يحمل الشهادة رقم واحد الدكتور احمد عبد القادر عدرة الذي دعا الى ثقة الطلاب بانفسهم وبالله متمنيا لهم الخير والسداد منوها بمسيرة الجنان وبناتها وطلابها ومسيرتها.
ثم استعرض الحضور شهداء الجنان في غزة ولبنان، وهم مجموعة من الطلاب المتعددي الاختصاصات قضوا شهداء في غزة ولبنان.
والقت كلمة الخريجين في الاجازة للطالبة نسرين ضناوي ووجهت تحية الى الاحرار وللبشر والشجر والحجر في فلسطين النازفة وتحية اكبار لاهلنا في جنوب لبنان الصامدين الصابرين المدافعين عن ارضنا في مواجهة العدو الاسرئايلي
والقى كلمة الخريجين في الدراسات العليا الطالب محمد فارس شكر الجامعة ونوه بدورها كما ثمن دور الاهل بناة الاجيال .
ثم كرم الدكتور سالم يكن بمشاركة الوزير المرتضى الدكتور حسين مقداد وهو الجريح: حسين محمّد المقداد. اسمه الجهاديّ: وائل سلامة. تاريخ الولادة: 22/2/1963م. مكان الإصابة وتاريخها: مدينة القدس، 11/4/1996م. نوع الإصابة: كفيف مع بتر في الأطراف. حائز على دكتوراه في ادارة الأعمال من جامعة الجنان – منحة البروفسورة منى حداد يكن 2024.
د.سالم يكن
بعد وصلة إنشادية للطالب “علي حروق”، ألقى رئيس مجلس أمناء جامعة الجنان د.”سالم فتحي يكن” كلمته فدعا فيها إلى الابتعاد عن منطق المحاصصات والارتقاء إلى فلسفة المؤسسات التي تقدرّ الجدارة والكفاءة مُشيراً إلى تمكنّ جامعة الجنان بجهود رئيسها ومجلس إدارتها والعاملين فيها من هيئات أكاديميّة وإداريّة من تجاوز الأزمات بطرق مبتكرة رغم الصعوبات.
في ختام الحفل، قدّم د. يكن درعاً تقديرية لراعي الحفل الذي شارك أسرة الجنان تخريج طلابها.
كما وقدّم رئيس قسم فنون الاعلان والتواصل البصري في كليّة الإعلام في جامعة الجنان د.”علي لمع” لوحة فنية تضمنت رسماً لراعي الحفل وكلمات تجسد طرابلس عاصمة للثقافة العربية