السباق الرئاسيّ الأميركيّ ينطلق بين هاريس وترامب وسط خلط أوراق
حرب المدن تخيّم على جبهة الكيان مع اليمن وسط قلق من مخاطر العبور
تغيّر كل شيء من حول بنيامين نتنياهو عشية زيارته المقرّرة سلفاً لواشنطن، لإلقاء كلمة أمام الكونغرس، بدعوة من الأغلبيّة الجمهوريّة. فالوضع على جبهات الحرب والمفاوضات وداخل الكيان لم يعُد كما كان، حيث الحاجة لجرعات أقوى من الإسناد الأميركي لتلبية متطلبات مخططات الحرب، لأن نتنياهو عشية الزيارة تبنّى التصور الأميركي بالذهاب إلى المرحلة الثالثة على قاعدة الهروب من خطر المواجهة العالية الوتيرة، سواء في غزة أو مع لبنان، بعدما صار ثابتاً أن جيش الاحتلال عاجز عن مواصلة الحرب بالوتيرة العالية ويخشى من تصعيد قاتل على جبهة لبنان، ونتنياهو محاصر بين خيارين أحلاهما مرّ في الداخل، بين معارضة نشطة يدعمها شارع متحرّك تؤيّد صفقة تبادل للأسرى بأي ثمن، ومؤيدين متطرفين لا يقبلون أي صفقة توقف الحرب، حتى جاءت نقطة الترجيح من الجيش في الاجتماع الوزاري أول أمس، لصالح الصفقة لأن الأولوية هي لإنهاء الحرب. وفي العبور بين النقاط ومحاولة شراء الوقت لن تسعف رحلة واشنطن نتنياهو بتأجيل استحقاق الوقت أكثر من أيام، وليس في واشنطن ما يمكن لنتنياهو أن يأمله لتغيير معادلات الحرب والتفاوض، بعدما قال الجيش كلمته بأن الحرب يجب أن تقف.
داخل واشنطن حدث شيء موازٍ جعل الزيارة لزوم ما لا يلزم. فقد تكفل الوقت الفاصل بين توقيت الدعوة وتوقيت الزيارة، بخلق الوقائع التي تقول إن الأهداف المرسومة للزيارة لم تعُد على جدول الأعمال، والزيارة كانت مصمّمة للتلاعب بالتوازنات الانتخابية بين الرئيس جو بايدن ومنافسه الرئيس السابق دونالد ترامب، وابتزاز بايدن المرشح الرئاسي بالقدرة على التأثير على تصويت الناخبين، والتلويح بالانتقال إلى معسكر المرشح ترامب. وقد سقطت هذه الفرضية لمجرد تنحّي بايدن عن الترشح وإعلان انسحابه من السباق الرئاسي، وسقطت بالتالي مناورة نتنياهو وصار عليه التحدّث مع بايدن الرئيس المقيم في البيت الأبيض وبيده قلم التوقيع على القرار الإجرائي للمقدرات الأميركية لستة شهور مقبلة، هي الأهم في مسار الحرب والمفاوضات. ونتنياهو في هذا النقاش هو الأضعف، وبايدن يستطيع القول إنّه قدّم ما لم ولن يقدّمه رئيس آخر للكيان، لكن ما يجري يقول إن الحرب فشلت بتحقيق الأهداف والمزيد من التوغل في الحرب خراب على أميركا والكيان معاً، والفارق بين بايدن وترامب ليس في حجم ما يمكن للكيان الحصول عليه، فأميركا لن تتغيّر بتغيير رئيسها. الفارق هو أن ترامب يتعامل كرئيس أميركي صديق محبّ لـ»إسرائيل» مستعد لمساندتها بقول وفعل ما تريد، لكن دون أن تتورّط أميركا في حرب، كما قالت ولايته السابقة، بينما يتصرّف بايدن كصهيونيّ شريك لأي حكومة إسرائيلية في تقدير المصلحة الإسرائيلية العليا، وهو من موقع الشريك المستعدّ لخوض الحرب الى جانب «إسرائيل»، وقد خاضها في البحر الأحمر وخاض ما كان ضرورياً منها لمواجهة الردّ الإيراني الذي وصفه بالمدمّر لولا المساعدة الأميركية، يقول إن الحرب خطر على «إسرائيل» وفوق طاقة أميركا. وبين هذه النقاط داخل الكيان وداخل واشنطن، سيلعب نتنياهو للعبور بين النقاط، وشراء الوقت، لكن الاستحقاقات داهمة، ولن يفيد القول عن الزيارة «في الحركة بركة».
في واشنطن انطلق السباق الرئاسي بين نائبة الرئيس كمالا هاريس قبل نيل الترشيح الرسميّ للحزب الديمقراطي، والمرشح الجمهوري الرسميّ الرئيس السابق دونالد ترامب، ويبدو أن خلط أوراق كبيراً يحكم هذا السباق بعدما تغيّرت قواعد التنافس، حيث بلغ ترامب سقف ما يمكنه تحقيقه خصوصاً بعد تعاطف وحماسة الناخبين إثر محاولة الاغتيال، بينما تنطلق هاريس من قوة تأثير انسحاب بايدن، وما يترتب عليه من إبطال مفعول خطاب ترامب، المصمّم للتهكم على بايدن، وبايدن لم يعد موجوداً، بل إن بعض خطاب ترامب بوجه بايدن يصلح ليوجّه له من قبل هاريس، وهاريس التي تكسب من جلدتها السوداء ومن كونها امرأة في قطاعات وولايات معينة، تخسر منهما أيضاً في قطاعات وولايات أخرى، ولكن الأكيد هو أن تغييرات كثيرة دخلت على خط السباق، يصعب معها الجزم باتجاه السباق رغم محاولة حملة ترامب الإيحاء بأن المعركة باتت أسهل.
في المنطقة حرب اليمن وكيان الاحتلال باتت في الواجهة، ومعادلة خزانات النفط ومحطات الكهرباء بالتوازي وفق مبدأ العين بالعين والسن بالسن، جعلت خبراء كيان الاحتلال يتحدّثون عن مخاطر تنتظر مدينة حيفا وميناءها مقابل استهداف مدينة الحديدة ومينائها، وسط تساؤلات وتحذيرات يستعرضها ضباط سابقون في جيش الاحتلال من احتمال انزلاق الحرب نحو حرب مدن، تصبح فيها تل أبيب تحت نيران يمنية وعراقية، بينما فرضية الحرب على لبنان تتراجع، ويصير على الكيان بعد إنهاك تسبّبه حرب الدمار المتبادل مع اليمن والعراق انتظار حرب العبور من جبهة الشمال، وحزب الله يحتفظ بقوته الصافية.
وخيّم الهدوء الحذر على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة بعد أيام ساخنة من العدوان الإسرائيلي على عدد من القرى الجنوبية لا سيما في عدلون مقابل رد المقاومة في لبنان بعمليات نوعية ضد مواقع جيش الاحتلال والمستوطنات الصهيونية.
وأشار خبراء في الشؤون السياسية والعسكرية لـ«البناء» الى أن «الجيش الإسرائيلي حاول من خلال التصعيد الأخير على الجبهتين الجنوبية واليمنية تسجيل إنجازات وهمية ورفع معنويات الجيش المنهارة والحكومة المربكة والمنقسمة على نفسها ولترميم قوة الردع وللظهور بموقع القوة، وذلك عشية زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الى الولايات المتحدة الأميركية وخطابه أمام الكونغرس الأميركي، وبالتالي يريد الإيحاء للأميركيين بأنّه لا يزال يستطيع الاستمرار بالحرب وإلحاق خسائر كبيرة بحركة حماس، وبالتالي تحقيق أهداف الحرب، لكن نتنياهو لن يستطيع ترميم قوة الردع الإسرائيلية ولا هيبة جيشه المنهارة». بينما أشارت أوساط سياسية لـ«البناء» الى ان «المنطقة أمام مرحلة جديدة من التصعيد على كل الجبهات في ظل تراجع فرص التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار خاصة بعد التطورات في الملف الانتخابي الأميركي وتنحّي الرئيس بايدن عن خوض السباق الانتخابي لصالح نائبته وما سيتركه من تداعيات سلبية على مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة بين المقاومة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، إذ ان بايدن وإدارته سيفقدان الزخم باتجاه الضغط على الحكومة الإسرائيلية للسير باتفاق وقف إطلاق النار للتخفيف من تداعيات الهزبمة الإسرائيلية وتفادي توسع الحرب مع حزب الله وبالتالي في المنطقة ما يفتح الباب لتهدئة الجبهة الجنوبية وإطلاق مفاوضات لاتفاق برّي على غرار الاتفاق البحرّي وتحقيق نوع من الاستقرار في الشرق الأوسط ويُصار الى تقديم كل ذلك كإنجازات لبايدن وإدارته ما يرفع حظوظه بالفوز بالرئاسة لكن تنحي بايدن سيحدث إرباكاً في الادارة الاميركية وداخل الحزب الديمقراطي». وترجح المصادر «عدم التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة في المدى المنظور رغم الظروف الموضوعية السياسية والعسكرية التي تفرض على نتنياهو و»إسرائيل»، ذلك لأن التطورات في أميركا تمنح نتنياهو فرصة اكبر للمناورة والمماطلة والمراوغة في المفاوضات لتمرير الوقت حتى موعد انتخاب الرئيس المقبل ما يعني استمرار الحرب في غزة وجبهات الإسناد حتى إشعار آخر». الا ان معلومات وتقدير مصادر دبلوماسية غربية تشير لـ«البناء» الى أن «الجهود الدولية مستمرة وتحرز تقدماً باتجاه تذليل العقبات أمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بصيغة وسطية بعد تقديم حماس و»إسرائيل» تنازلات كل من جهته على أن تتظهر ملامح الاتفاق بعد خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي غداً وبعد إجرائه مشاورات مع الرئيس بايدن ومستشارين في الإدارة الأميركية واعضاء في الكونغرس يؤيدون «إسرائيل»».
ميدانياً، يواصل العدو الصهيوني ارتكاب مجازر الإبادة في قطاع غزة، وكثف أمس، عدوانه على مناطق جنوب لبنان فشنّ الطيران المعادي سلسلة من الغارات مستهدفاً بلدات ياطر وعيتا الشعب والخيام وحانين وشيحين حيث استشهد الرفيق السوري القومي الاجتماعي إبراهيم الموسوي وإصابة عدد من القوميين.
واستهدف العدو بالمدفعية وادي الدلافة – خراج بلدة حولا، والأطراف الشمالية لبلدة ميس الجبل، وباب الثنية في الخيام باتجاه سهل مرجعيون، كما استهدف الخيام وكفركلا والعديسة بالقذائف الفوسفورية ما أدى الى اندلاع حريق في المكان.
واستهدف العدو بمسيّرة منطقة الميسيات في الوزاني.
ورداً على العدوانية الصهيونية، نفّذت المقاومة «سلسلة عمليات فاستهدفت بمسيّرة هجومية انقضاضية موقع المالكية وأصابت إحدى دشمه ممّا أدى إلى تدمير جزء منها واشتعال النيران فيها».
كما استهدفت المقاومة «التجهيزات التجسسية في موقع الرادار في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بالأسلحة المناسبة وتمّت إصابتها بشكل مباشر مما أدى إلى تدميرها».
ونفذت المقاومة قصفاً استهدف التجهيزات التجسسية في موقع الراهب بالأسلحة المناسبة وحققت اصابات مباشرة.
كما استهدفت «مبنىً يستخدمه جنود العدو في مستعمرة المنارة بالأسلحة المناسبة وأصابته إصابة مباشرة واندلعت النيران فيه».
كما استهدف المقاومون مبانيَ يستخدمها جنود العدو في مستعمرة المطلة بالأسلحة المناسبة وأصابوها إصابة مباشرة واندلعت النيران فيها.
ونشر الإعلام الحربي في المقاومة مقطع فيديو تحت عنوان: «لن تبقى لكم دبابات».
في المواقف اعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن «التطورات الميدانية الحاصلة في الأيام الأخيرة تدعو إلى الحذر طبعاً، ولكننا نواصل البحث مع المعنيين والاتصالات الدبلوماسية المطلوبة لمنع تفلّت الأمور إلى ما لا تُحمَد عقباه. لا يمكننا القول إن هناك تطمينات وضمانات لأن لا أحد يضمن نيات العدو الإسرائيلي ولكننا نواصل السعي الحثيث لمعالجة الوضع».
وعن ملف التجديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل» قال: «إننا نواصل الاتصالات الديبلوماسية من أجل تأمين تمديد هادئ لولاية اليونيفيل التي نقدر عالياً الدور الأساسي الذي تقوم به في الجنوب والتعاون المثمر بينها وبين الجيش. ومن خلال الاتصالات التي أجريناها لمسنا حرصاً على المحافظة على هذا الدور لا سيما في الظروف الدقيقة التي يمرّ بها الجنوب».
واجتمع ميقاتي مع وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب الذي قال بعد اللقاء «أطلعت دولة الرئيس ميقاتي على نتائج لقاءاتي في الولايات المتحدة، وأبلغته أن هناك شبه اتفاق على تجديد عمل قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان لمدة سنة بالشروط ذاتها ومن دون أي تعديل، ووضعته في أجواء الاجتماعات التي عقدتها مع عدد من المسؤولين الأميركيين والأوروبيين الذين شدّدوا على أهمية عدم توسيع الحرب في الجنوب، والعمل على عدم تصعيد الأعمال العسكرية في الجنوب. لذلك هناك نوع من التفاؤل أو أقل تشاؤمًا في موضوع نشوب حرب واسعة على لبنان».
وفي المواكبة الخارجية للتطوّرات، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، وفداً من «مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان» (تاسك فورس فور ليبانون) برئاسة ادوارد غبريال وعضوية نائب رئيس المجموعة نجاد عصام فارس، حيث جرى عرض للأوضاع العامة في لبنان والمنطقة.
في غضون ذلك وفي خطوة تتماهى مع الضغوط الأميركية الغربية على لبنان لوقف العمليات العسكرية الإسنادية لغزة في الجنوب تقدم نواب المعارضة، بعريضة طالبوا فيها الرئيس نبيه بري، بعقد جلسة مناقشة حول مسألة الحرب القائمة وتداعياتها. ودعوا الى وضع حد للأعمال العسكرية كافة خارج إطار الدولة اللبنانية وأجهزتها التي تنطلق من الأراضي اللبنانية ومن أي جهة كانت وإعلان حالة الطوارئ في الجنوب وتسليم الجيش اللبناني زمام الأمور فيه.
من جهة أخرى، قال ميقاتي العائد من العراق أمام زواره في السراي «إن المحادثات في بغداد ستستكمل في خلال اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين نهاية ايلول المقبل في بيروت والتي ستكون فرصة لتفعيل الاتفاقيات الموقعة وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتعزيز الشراكة بين البلدين. كما تناولنا بالبحث سبل تفعيل قطاع النقل البري والبحري والجوي وفق الاتفاقيات الموقعة وتوقيع اتفاقيات جديدة في مجالات النقل والزراعة والتجارة. وقد جدّدت دعوة رئيس وزراء العراق لزيارة لبنان في الوقت الذي يراه مناسباً».
(البناء)