قد يكون الانعكاس الأخطر الذي برز في الساعات الأخيرة لتسيُّب واستباحة الوضع في جنوب لبنان، الذي صار بكل واقعه الميداني والحربي المفتوح بين إسرائيل و”حزب الله” منذ 8 تشرين الأول الماضي، أن يُهدّد وزير الخارجية الإسرائيلي بأنّ الحرب الشاملة صارت وشيكة للغاية من جهة، فيما لا تجد حركة “حماس” أيّ حرج وتحفّظ في تبنّيها مجدّداً عمليات قصف لشمال إسرائيل من جنوب لبنان!
هذا النموذج لمسار التطورات الجارية اكتسب دلالات شديدة الجدّية في خطورتها بما يعاكس تماماً اقتناعات وتقديرات ومعطيات معظم القوى اللبنانية، ولا سيما منها المراجع الرسمية المعنية، بتلقي التحذيرات الدولية والديبلوماسية حيال الخطورة التصاعدية للمواجهات الجارية بين إسرائيل و”حزب الله” وحلفائه الميدانيين في الجنوب، والتي تنذر باشتعال حريق إقليمي ينطلق من لبنان ويكون لبنان ساحة دمار مفتوحة أمامه. ولم يعد خافياً أنّ المواجهات الميدانية، التي حصلت في الأيام الأخيرة، سجّلت نقلة خطيرة في رفع منسوب الاقتراب من الحرب الشاملة، سواء من جانب إسرائيل التي ضاعفت عدد غاراتها اليومية على بلدات وقرى الجنوب مقترنة مع تكثيف لافت لعمليات ترصد واغتيال الكوادر والقادة الميدانيين في “حزب الله”، وسواء من جانب الحزب الذي واصل في اليومَين الأخيرَين ترجمة تهديد أمينه العام السيد حسن نصرالله وزاد عدد المستوطنات الجديدة التي استهدفها للمرة الأولى.
وتبعاً لذلك، ثمة تقديرات جديدة دخلت على خط السيناريوهات المتّصلة بالوضع الميداني في الجنوب، وعبره يعتقد واضعوها من المعنيين والخبراء أنّ لبنان صار في عين العاصفة أكثر من غزة لجهة ترقّب العدّ العكسي لما ستفضي إليه التطورات بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن التي سيتوجه إليها اليوم الأحد. ولذا، فإنّ ما يفصل لبنان عن نهاية تموز الحالي سيتّسم بترقُّب ثقيل وحذر وخطر، حيث ستكون عين على الوضع جنوباً وعين على الساحات الإقليمية من مثل الغارات الإسرائيلية أمس على مدينة الحديدة في اليمن ومنشآت تكرير النفط في ميناء المدينة ردّاً على المسيّرة الحوثية التي سقطت قبل يومين في تل أبيب، الأمر الذي باتت معه يعتبر من أخطر معالم وبوادر نشوب المواجهة الإقليمية الشاملة. ويخشى أن تكون معالم الحريق الإقليمي قد بدأت تُسابق زيارة نتنياهو لواشنطن الامر الذي يضع لبنان في مقدم واجهة هذا التطور الخطير وتداعياته.
وتزامن ذلك مع تحذير وزير الخارجية الاسرائيلي يسرائيل كاتس من أنّ الحرب الشاملة أصبحت وشيكة للغاية وطريقة منعها هي الضغط على إيران. وفي حديث لصحيفة “وول ستريت جورنال”، قال كاتس: “وقف إطلاق النار في غزة واتفاق الرهائن لن يمنع الحرب مع “حزب الله” شمالاً”. وأكّد أنّ “إسرائيل لا تريد الحرب لأننا لا نريد أي شيء في لبنان، ولكن إذا اندلعت فلن تكون كما في غزة”. وأضاف: “إسرائيل لن تقبل بالهدوء مقابل الهدوء وأشك في إمكانية إقناع حزب الله بسحب قواته”، لافتاً إلى أنّ “سحب حزب الله لقواته سيحدث إما من خلال ردّ عسكري إسرائيلي أو إذا أمرته إيران بالانسحاب”. وقال كاتس إنّ “80 في المئة من قوّتنا الجوية لم تُستَخدم بعد، وإذا لم تقُم إيران بسحب حزب الله من حافة الهاوية فسنستخدمها”.
أمّا الوضع الميداني في الجنوب فشهد مزيداً من التصعيد ودخلت “كتائب القسام” على الخط، فأعلنت مجدّداً استهداف مقر قيادة “اللواء 300 – شوميرا” من جنوب لبنان. وقالت في بيانها: “قصفنا من جنوب لبنان مقر قيادة “اللواء 300 – شوميرا” في القاطع الغربي من الجليل الأعلى برشقة صاروخية”.
في المقابل، استهدف “حزب الله” تجمعاً لجنود إسرائيليين في محيط موقع المنارة بقذائف المدفعية. كما افيد عن إطلاق رشقة صاروخية من 30 صاروخاً من جنوب لبنان باتجاه إصبع الجليل وشمال الجولان المحتلين.
واستهدفت مسيرة اسرائيلية بعد الظهر سيارة رباعية الدفع فارغة، في خراج برج الملوك، على مفترق الحوش، على الطريق المؤدية إلى مثلث الخيام- الوزاني، ما ادى الى إصابة عدد من السوريين بشطايا الصاروخ، بينهم اطفال كانوا قرب خيمة يسكنون فيها. وأفيد عن صاروخ من مسيرة إسرائيلية استهدف سيارة في مرجعيون تسبب بإصابة عدد من الأشخاص. وسُجّل قصف مدفعي وفوسفوري إسرائيلي على مركبا وحولا. أيضاً، أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على بلدة حولا صباح السبت واستهدف منزلَين بصاروخين دون وقوع إصابات. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنّه هاجم مبانٍ عسكرية لحزب الله في حولا واعترض هدفاً جويّاً مشبوهاً في سماء لبنان. وتعرّضت منطقة وادي الدلافة في بلدة حولا لقـصف مدفعي بالقذائف الفوسفورية ما تسبب بنشوب حريق كبير في المنطقة. كما تعرّضت بلدة طلوسة لقصف مدفعي.
ثم اشتعل ليل الجنوب مع غارات إسرائيلية عنيفة ومتزامنة استهدفت القرى الحدودية وصولاً إلى الساحل اللبناني.
فقد هزّت غارة إسرائيلية عنيفة بلدة عدلون الساحلية وسُمِع صداها في أجواء الجنوب وأرجاء الزهراني ومنطقة “أبو الأسود” ومحيطها.
وأفاد مراسل “النهار” عن سماع دويّ انفجارات متتالية في الموقع المستهدَف، واشتعال النيران فيه، بعد الغارة العنيفة التي هزّت المنطقة. وقد قُطِعَت الطريق العامة بين عدلون و”أبو الأسود” بسبب توالي الانفجارات بعد الغارة الإسرائيلية وسط تقديرات بأنّ الغارة استهدفت مخازن للأسلحة والصواريخ.
(النهار)